لم أقتنع حتى تاريخه بما يتردّد عن ضعف المسيحيين وتراجع دورهم بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف، الذي نقل بعض صلاحيات الرئيس الماروني إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، إذ إن الوقائع أثبتت أن بعض هذه الصلاحيات صار في عهدة رئيس مجلس الوزراء، والأمين العام لهذا المجلس، كما تم تثبيت ولاية رئيس مجلس النواب لمدة أربع سنوات، بعدما كانت تحت رحمة التمديد والتجديد.
كنت دائماً أعزو الضعف المستجدّ إلى الوصاية السورية، التي خلقت ما سمي آنذاك بـ”الترويكا”، وحرمت المسيحيين نِعمَ الوصاية وخيراتها، لأنهم كانوا معارضين ومعترضين على الوجود السوري “الضروري والموقّت”.
لكن قراءة في ما قاله رئيس الجمهورية ميشال سليمان مساء الأحد في عمشيت تدفع إلى التفكير ملياً في الميثاقية التي ينادي بها الرئيس نبيه بري باستمرار، إذ هي، في الواقع، محاولة لتجنّب الفتنة السنّية – الشيعية، أكثر منها وفاق حقيقي والتزام الميثاق الوطني، وكأن المسيحيين صاروا “برستيج” لهذا البلد الرسالة في التنوّع والتعدّد والتعايش.
فالفراغ في موقع الرئاسة الأولى بات يتكرّر، ولا قدرة للمسيحيين على ملئه، لأنهم محكومون بالتوافق السني – الشيعي حول هوية الرئيس وشكله واسمه، في حين أن الأقوى شيعياً له حق تسمية رئيس مجلس النواب، والاقوى سنّياً له حق تسمية رئيس الوزراء. وإذا تأخّر هذا الاتفاق – الصيغة، فيعني حكماً ان الموقع الأول يصير شاغراً، وتنتقل الصلاحيات إلى مجلس الوزراء، تقابله رقابة مجلس النواب. وقد نعتاد الأمر ونردّد مع القائلين ان “وجود الرئيس مثل قلته”، وهذا تواطؤ سياسي سني – شيعي لضرب هذا الموقع، وتاليا ضرب الدور المسيحي وإضعافه، بعد ممارسات كثيرة مشابهة في اكثر من موقع. وما منصب نائب رئيس المجلس، ونائب رئيس مجلس الحكومة، إلا خير دليل على هذا التهميش، إذ هما موقعان شرفيان لا صلاحية لهما في الدعوة إلى جلسة أو لعب أي دور في غياب أي من الرئيسين.
قد يتحمّل المسيحيون الجزء الأكبر من المسؤولية لأنهم منقسمون بشكل حاد، ولا إمكان للاتفاق في ما بينهم لتسمية مرشّح يسعون إلى فرضه على الآخرين، كما تفعل بقية الطوائف، لكن الصحيح أيضاً ان مسؤولي الطوائف الأخرى مغتبطون بهذا الوضع، ويستغلونه إلى أبعد الحدود، بتسميتهم نواباً ووزراء مسيحيين يعتبرونهم من حصصهم، في حين لا يمكن القيادات والأحزاب المسيحية لعب هذا الدور. ولا يكتفون بالوزراء والنواب، بل إن مواقع كثيرة في الفئة الأولى صارت حكراً على هؤلاء، في حين ان شاغليها هم من المسيحيين.
الاستحقاق الرئاسي فرصة لكشف النيّات، ومناسبة لفضح كل أنواع التبعية للخارج، وباب لإثبات سلامة الشركة مع المسيحيين، أو المضي في سياسة القضم والإلغاء والتهميش، على رغم المناداة بالعيش المشترك وبضرورة وجود المسيحيين ودورهم على صعيدي الداخل اللبناني والمحيط العربي.