نقاش في الحضور والدور التاريخي.. وتحديات الحاضر
المسيحيون في هواجسهم: ماذا بقي لنا؟
عندما يعلن البطريرك بشارة الراعي ان ليس من ربيع عربي من دون ربيع لبناني، وان ما من ربيع لبناني من دون ربيع مسيحي، فانه يحاول بذلك تحريض المسيحيين على التمسك بالامل والدور والرسالة. يضيف بصراحة وثقة “لا يمكننا القول لا حول ولا قوة، بل بالعكس علينا زيادة نشاطنا وأن يكون رجاؤنا أكبر”.
يقول الراعي كلامه من منطلق ايماني ووطني، وكمسؤول عن المسيحيين، وتحديدا الموارنة، في “انطاكية وسائر المشرق”. لكن المسيحيين، المقيمين بين هاجسي “ولاية الفقيه” و”دولة الخلافة”، يعجزون في الواقع عن فهم المطلوب منهم في زمن شديد التعقيد في مفاهيمه وطروحاته بالنسبة اليهم. فلا هم خبراء بفقه “ولاية الفقيه”، ولا هم يحيطون بالابعاد الدينية والتاريخية والاجتماعية للخلافة ودولتها. وللدقة، غالبيتهم غير مهتمة لا بهذه ولا تلك، الا بما تنعكس على يوميات حياتهم في هذه البقعة من العالم، وهي انعكاسات غير ايجابية على كل الاصعدة من الوطني والسياسي الى الامني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
مع ذلك يُطلب منهم التمسك بالدور والرسالة. بل اكثر من ذلك يراد منهم ان يكونوا السنونوات المبشرة والمعلنة عن ربيع آت. وهذا ما هم عاجزون اليوم عن فعله، حتى لو ارادوه.
يقول سياسي حزبي سابق ان “اي رهان على دور مسيحي يكون ممتصا للصدمات بين السنة والشيعة وعازلا لها هو رهان خاسر. تماما كالرهان على ابتداع المسيحيين فكرة جديدة للبنان تحييه كالفينيق في السياسة والاقتصاد وصيغة العيش المشترك. لقد انتهى الدور المسيحي المؤثر في لبنان بانتهاء الحرب اللبنانية وخسارة المسيحيين لها. لقد كانت لخسارتهم تداعيات على كل المستويات، من السياسة الى الثقافة وما بينهما من هجرة وتراجع في العلاقات مع الغرب. خسر المسيحيون لبنان الذي عرفوه وبنوه، وعليهم التأقلم مع لبنان جديد يتمسكون فيه بما يحفظ ما تبقى من هويتهم وتمايزهم”.
يرفض مسؤول في “حزب القوات اللبنانية” اي مقاربة “فيها تسليم بضعف المسيحيين، وغياب تأثيرهم في الشأن الوطني”. يقول “الحقوق، كما الحرية والدور والرسالة، تؤخذ ولا تُستجدى. قد لا يكون المسيحيون اليوم في افضل احوالهم، لكن التحديات المطروحة عليهم هي نفسها تقريبا على معظم اللبنانيين. فمن قال ان الشيعة او السنة اقل معاناة من المسيحيين بسبب “الولي الفقيه” و”الخليفة” معا؟ من قال ان صراع الدول على ارضنا سياسة مريحة لايّ من شركائنا في الوطن؟ هل الوضع الاقتصادي المتدهور والهدر والفساد والهجرة والخوف على الامن والاستقرار وهاجس قيام الدولة وبسط نفوذها شؤون وشجون مسيحية فقط؟”. يضيف “في لبنان اليوم صراع سياسي واضح وشديد الانقسام. ومحاولة تظهير هذا الانقسام على خلفيات دينية هو فقط من باب تجييش الغرائز واستنفار عصبيات الناس”.
لا يوافق مسؤول في “التيار الوطني الحر” على فكرة المساواة القائمة بين اللبنانيين. يقول “منذ اتفاق الطائف الى اليوم والقضم من حقوق المسيحيين متواصل. هذا ينعكس ليس فقط عليهم، بل على سائر المجموعات اللبنانية. ففرادة لبنان ورسالته ودوره المنشود هو في هذا التعايش حيث الجميع متساوون بالحقوق والواجبات والكرامة الانسانية. فهل هذا فعلا ما يحصل؟ ان عدم الاقرار بالتهميش اللاحق بالمسيحيين هو في حد ذاته قبول ضمني بنسف فكرة لبنان. وترجمة المشاركة والمناصفة والعيش المشترك تكون بالافعال واحترام خيارات المسيحيين، وليس بالبيانات والمواقف على المنابر”.
يربط اسقف ماروني دور المسيحيين في لبنان بـ”حضورهم التاريخي فيه شهادة لرسالتهم. فهذا الكيان الذي صار ملجأ لكل مضطهد وواحة حرية، يفترض ان يبقى كذلك، خصوصا في زمن الجنون الذي يعصف بنا في المنطقة”. ان المسيحيين مدعوون اليوم اكثر من اي وقت مضى الى التمسك بلبنان واعلان “نصرته” كـ”قاعدة” ومثال لكل عيش مشترك. لبنان بصيغته حاجة للمسلمين بقدر حاجة المسيحيين له، ان لم يكن اكثر”.