في ظلّ ما يشهده لبنان والمنطقة من أحداث إرهابيّة على وقع الطبول «الداعشية»، وانطلاقاً ممّا يتعرّض له المسيحيون من اضطهاد ممنهَج، أكان في سوريا أو في العراق، تُعقَد غداً الخلوة العاشرة لـ»لقاء سيّدة الجبل» في بيروت، تمهيداً للخروج بمبادرات عمليّة للتوحّد على المستوى الوطني في مواجهة كلّ ما يُهدّد الكيان اللبناني.
تحت عنوان «السلام في لبنان مسؤولية وطنية مشتركة»، وفي خطوة لافتة هذه السنة، تُشارك قوى وشخصيات سياسية، مسيحيّة وإسلامية، في لقاء «سيدة الجبل» السنوي العاشر، لمناقشة أهمية تعزيز منطق الاعتدال في مواجهة كلّ أشكال الإرهاب وضرورة التوحّد، مسيحيّين ومسلمين، بما يُؤمّن حماية بعضنا للبعض الآخر.
«حمايتنا هي مِنّا وفينا»، يقول عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق سمير فرنجية لـ»الجمهورية»: «ولا يمكن تأمينها سوى من خلال التواصل مع مَن يشبّهوننا من كل الطوائف، وتحديداً المسلمين، فنحن مسؤولون في لبنان بعضنا عن بعض، ولا نحتاج الى أيّ حماية خارجية، كما يُروّج البعض انطلاقاً من نظرية اننا أقليّات وانّ المجتمع الدولي وحده يحمينا»، مؤكّداً أنّ «الأوان حان لكي نرفع الصوت في وجه كلّ من يعمل على تضخيم الواقع وتعزيز مخاوف المسيحيين بغية استغلالها لأسباب سياسية بحتة».
ويرى فرنجية أنّ «المسيحيين ليسوا وحدهم من يدفع ثمن ما يحدث في العراق أو سوريا، بل كل مواطن، مهما كان دينه وطائفته، هو ضحية هذه الحروب المدمّرة». ويضيف: «لن يحلّ السلام في لبنان إلّا عندما نتخطّى الترسيمات الطائفية التي تعود بنا أعواماً الى الوراء»، مشدداً على أن «لا بديل عن العيش المشترك، لذلك لا مفرّ من طرح شعار «الدولة المدنية»، وتأكيد أهمية هذا الشعار نتيجة لعبة السلطة والصراع عليها».
إذاً، يطمح معدّو اللقاء أن يشكّل قراءة مسيحية علمية وواقعية للمرحلة والظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، ولكن هذه المرة بخلفية استراتيجية تأخذ في الاعتبار كيف يمكن للمسيحيّين أن يكونوا أصحاب مشروع يساهم في الخروج من المأزق الذي يعيشه أبناء هذه المنطقة بلا استثناء أو يؤدي إليه، وليس فقط كيف يدافع المسيحي عن نفسه ووجوده.
وفي هذا الاطار، يلفت الكاتب محمد شمس الدين لـ»الجمهورية»، وهو من أبرز المشاركين في هذا اللقاء، الى «أهمية انعقاده في ظلّ كل ما يُثار، بإجماع «البروباغندا» الإعلامية، عن استهداف إرهابي إسلامي سنيّ مُركّز على الأقليات المسيحية، وهي الأطروحة البارزة التي تسعى مرجعيات محدّدة الى ترويجها اليوم بهدف إثارة التعبئة العامة».
ويعتبر أنّ «الوظيفة الأولى للقاء تكمن في دحض هذه الصورة المضخّمة وغير الواقعية ورفع الصوت عالياً لتصحيحها. أمّا الوظيفة الثانية فهي إيصال هذا الصوت إعلامياً، على أن يكون للقاء وظيفة ثالثة أساسية وهي ترجمة هذا الصوت بمبادرات عملية»، مذكّراً بـ»المؤتمرات البطريركية الثلاثة التي عقدت في البلمند، ومن ثم أربيل، وأخيراً في بكركي، وتمحورت كلّها على «سُبل حماية المسيحيين».
ويتوقف شمس الدين عند المؤتمر الذي تستضيفه نيويورك في التاسع من أيلول المقبل، في هذا السياق، ما يعني أنّ هذه الأطروحة تبلوَرت عبر 4 مؤتمرات على المستويين الاقليمي والدولي، في وقت لم يُحرّك أحد ساكناً لتفعيل مبادرة على المستوى المحلي والعربي والاغترابي والدولي، للتأكيد أنّ «الإرهاب في المنطقة لا يستهدف فريقاً معيّناً بل هدفه الجميع بلا استثناء، بصَرف النظر عن دينه وطائفته».
وإذ ينتقد شمس الدين التأخير في طرح هذا النوع من المبادرات التي اقتصرت أخيراً على افتتاح شيخ الأزهر حملته الاعلامية رسمياً ضد «داعش»، يدعو المسيحيين إلى «المبادرة في هذا الاطار، على قاعدة انّنا في لبنان، مسيحيّين ومسلمين، معنيّون في مواجهة ظاهرة الارهاب معاً، يداً بيد»، مؤكّداً أنّ «إعطاء هذه المشكلة عنواناً مسيحياً بَحتاً، لن يساهم في حلّها، إذ لا حلّ مسيحياً لمشكلة مسيحية في لبنان، بل هناك حل وطني لأيّ مشكلة، والأمر سيّان بالنسبة الى أيّ مشكلة تواجه السنّة أو الشيعة في لبنان، فهذه قاعدة عَيشنا في لبنان».
ويختم شمس الدين: «نحن اليوم في سباق بين أطروحتين، وهذا السباق يُهدّد صيغتنا اللبنانية. وبالتالي، علينا دعم صيغة «العيش المشترك» التي لطالما تغنّينا بها، ونَنفخ فيها الروح، فلا تكون مجرّد حَلّ لمشكلتنا، لأنها خيارنا الأساس، بل تؤهّلنا لأن نكون نموذجاً يُحتذى به في المنطقة كلها»، معتبراً أنّ «رسالتنا الأساس تكمن في إخراج الانسان من الارهاب الآخر المتمثّل بسياسة التهويل والتخويف، لنَبعثَ فيه أملاً حقيقياً وليس وهمياً».