IMLebanon

المسيحيّون «ن» في الموصل نور المحبّة الساطع في ظلمة «الداعشيين» والشيعة «ر» ريح المحبّة العاصفة في وجه الإرهابيين

بالامس خيّر «الداعشيّون» في الموصل وعبر مكبرات الصوت، المسيحيين بين ان يعتنقوا الاسلام او يدفعوا الجزية اويخرجون من منازلهم من دون امتعتهم , بعد ان قام افراد منهم بكتابة حرف «ن» على كل بيت يسكنه مسيحي لاعتباره انه من (النصارى)، وكتابة حرف «ر» على كل بيت يسكنه شيعي لاعتباره من (الروافض) ومن لم يمتثل لذلك يكون مصيره القتل كونه مرتدا. توجه المسيحيون بعد التهديد وحرق كنائسهم الى اربيل وداهوك سيرا على الاقدام بعد ان اخذ منهم الداعشيّون سياراتهم واموالهم وذهبهم، والغريب كما تقول بعض الاوساط المتابعة لشؤون المسيحية في الشرق الاوسط. واللافت ان الحكومة في بغداد لم تحرك ساكنا لما يجري لمسيحيي الموصل الذين استغاثوا وطلبوا المساعدة من الدولة التي ساهموا في بنائها ولولاهم لما عرفت العراق اي حضارة وكانوا عطر العراق ونشروه في العالم.

وتابعت الاوساط بان الحكومة العراقية بقيت تتفرج عليهم بعد أن سقطت الموصل ثاني اكبر مدينة عراقية في 9حزيران الماضي 2014 بيد جماعة مسلحة تطلق على نفسها «الدولة الاسلامية في العراق والشام» وهذه الواقعة هي اقرب الى الخيال منها الى الواقع، اذ انهزم جيش وشرطة تعدادهما مائة الف امام ثلاثة الآف مسلح يركبون سيارات «بيك اب» هربت امامها دبابات عسكرية مجهزة بأحدث الاسلحة وكانت تلك اوجع هزيمة للجيش العراقي واكبر عارلمن كانوا يتولون قيادته العليا.

ولفتت الاوساط الى أن ثمة سؤالا يطرحه الكثيرون حول جذور المسيحيين في هذا الشرق، هل هم دخلاء أو غرباء أم قادمون من خارج المنطقة؟ هل جذورهم ممتدة في أعماق الأرض، والسؤال الأهم هل تاريخهم يبدأ من حيث تسميتهم بالمسيحيين، أسوة بالتلاميذ الذين عُرفوا بالمسيحيين في أنطاكية أولاً (أعمال الرسل 11: 26).

كل هذه الأسئلة تشير الاوساط الى أنها تُطرح من وقت إلى آخر، ويبقى الجواب، أن التاريخ يشهد على أن المسيحيين في هذه البلاد كانوا مواطنين أصيلين، وجذورهم تمتد إلى الشعوب التي ساهمت في بناء الحضارة في هذه المنطقة، وبنت مجداً مكللاً للصرح الثقافي الذي نتغنى به حتى يومنا هذا. وبقيت عطاءاتهم متواصلة عبر الدهور والأجيال، ولا يحتاج العالم إلى شهادة جديدة تُعطى لهم، لتؤكد أصالتهم وعراقتهم. فالمنطقة بأوابدها، وآثارها، ولغاتها القديمة، وشواهدها التاريخية، ومصادر التاريخ عندها، تثبت أنهم جزء من هذا النسيج الوطني الذي يمثل الفسيفساء الجميلة التي ترصع جبين هذا الوطن».

كما تشير الاوساط الى أن التاريخ يتحدث عن التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين ومراعاة المسلمين لأخوتهم المسيحيين على ارض العراق في جميع العصور والازمنة. فعندما دخلت الجيوش العربية الإسلامية عام 637 م إلى بلاد ما بين النهرين حصل المسيحيون على عهود بالأمان من قادة جيوش المسلمين ومن الخلفاء، كما استعان العرب المسلمون بشخصيات من السريان الشرقيين مثل سمعان بن الطباخين وغيره من اجل تنظيم أمور الدولة والأجهزة الإدارية وديمومة الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية، وكان من بين أشهر علماء السريان حنين بن إسحق وأبو بشير ويوحنا بن جلاد ويحيى بن عدي والكندي وآل بختيشوع وغيرهم، الذين ألّفوا وترجموا ونقلوا مختلف العلوم الطبية والفلكية من اللغات السريانية واليونانية والفارسية إلى اللغة العربية.

وفي عهد الامويين تضيف الأوساط سُمِحَ بالاحتفاظ بأغلب الكنائس ولم يمانعوا في ترميمها أو في بناء كنائس جديدة، رغم أنّ بعض عهود الصلح أيام الخلفاء الراشدين نصّت على منع استحداث كنائس جديدة، إلا أن الأمويين لم يلتزموا بها باستثناء مرحلة عمر بن عبد العزيز، وقد روى الطبري أن خالد القسري والي العراق، كان يأمر بنفسه بإنشاء البيَع والكنائس.

وفي عهد الدولة العباسية، كان للمسيحيين في العراق وخاصةً السريان والنساطرة دور مهم في الترجمة والعلوم، تؤكد الاوساط. فقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية، وقد عُرِفَ من المترجمين شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن بختيشوع الذين اشتهروا في الطب بنوع خاص، وبقيت أسرة آل بختيشوع مسؤولة عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون وخرج منها أطباء الخلفاء العباسيين، كما أدار السريان الشرقيون بيت الحكمة الذي أسسه المأمون فعَيَّن يوحنا والده الطبيب المشهور بن ماسويه وترجم يوحناألف خمسين كتاباً لبيت الحكمة.

كان حنين بن إسحق رئيساً لبيت الحكمة ومترجمًا لـحوالى 95 كتاباً، وقد خلّفه في بيت الحكمة ابن أخته حبيش بن الأعسم الذين أتحفوا المكتبة العباسية بمصنفاتهم وعلومهم، وكان أغلب أطباء الخلفاء هم من السريان، كما أقام المأمون يوحنا بن البطريق أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيَّة من اليونانيَّة والسريانيَّة إلى العربيَّة، وله أيضاً عدد من المصنفات، وقسطا بن لوقا الذي تولّى كتب أرسطو وأبقراط، ومنهم أيضاً إسحق الدمشقي ويحيى بن يونس والحجاج بن مطر وعيسى بن يحيى ويحيى بن عدي وعبد المسيح الكندي، الذين ترجموا وألّفوا في الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى وغيرها. يشير عدد من الباحثين بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية. وكان لترجمتهم كتب الفلسفة إلى العربية أثر كبير في ظهور فرق المعتزلة التي تجعل من العقل الحكم الوحيد في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية.

مقابل ذلك العهد والامان، تقول الاوساط، انخرطت أعداد كبيرة من المسيحيين في صفوف الحكومات الاسلامية المتعاقبة، فكان الوزراء وكتبة الدواوين وأطباء البلاط ومجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء من المسيحيين، حتى وُصِفت تلك المرحلة نقلاً عن الجاثليق إيشوعهيب الثالث جاثليق بابل وتوابعها لكنيسة المشرق: «إنهم ليسوا أعداء النصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسيسينا وقديسينا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا».

وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي: «إن النصارى متكلمون وأطباء ومنجمون وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء… وان منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة… وأنهم أتخذوا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين …..».

وفي الثقافة العراقية الشعبية ظهرت العديد من الشخصيات المسيحية الفلكلورية الأسطورية في مجموعة متنوعة من القصص الشعبية والأشعار منها على سبيل المثال ألف ليلة وليلة، التي تضمنت شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة مثل السمسار القبطي والخطاط السرياني وحكاية الأميرة شيرين ورهبان عمورية، في حين تتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة في هذه القصص. وقد ألّفوا العديد من الكتب المهمة، مثل كتاب نعت الحيوان ومنافعه لابن بختيشوع، تعود للقرن العاشر الميلادي.

وتضيف الاوساط الى أن التاريخ سجل أن هجرة مسيحيي الموصل تعود إلى بداية القرن العشرين بسبب مجزرة «سميل» في شمال العراق التي دعت عشرات الآلاف للنزوح الى سوريا واماكن اخرى، حينها انتقلت ثاني أكبر كنيسة في العراق – بعد الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بغداد وهي كنيسة المشرق الآشورية في الموصل إلى شيكاغو.

وتختم الاوساط، هذا غيض من فيض من عطاءات وتضحيات المسيحية في العراق وسيبقى مسيحيو العراق، أبناء أصيلين مخلصين لهذا الوطن، وسيأتي اليوم الذي يعودون فيه الى ديارهم بعد أن تنكشف المؤامرة الدولية الكبرى، ويحاسب مرتكبو هذه الجرائم على ما اقترفوه بحق العراق والعراقيين وخصوصا المسيحيين. وان حرف «ن» الذي كتب على ابواب المسيحيين يعني نور المحبة الساطع الذي سينير ظلمة المتطرفين كالداعشيين وامثالهم الى ابد الابدين وحرف «ر» الذي حفر على ابواب الشيعة يعني ريح المحبة التي ستعصف في وجه عواصف المتطرفين ليعودوا ابناء الدين الصالح.