وصل وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى بيروت معلناً دعماً بـ290 مليون دولار كمساعدات انسانية، لكن من طالته الازمة السورية منها 51 مليوناً الى اللاجئين في لبنان والمجتمع اللبناني بعد اسبوع واحد تماماً على اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه امام خريجي الاكاديمية العسكرية في وست بوينت ان واشنطن ستكثف جهودها لدعم جيران سوريا بما في ذلك الاردن وتركيا ولبنان والعراق لانهم يستضيفون لاجئين ويواجهون ارهابيين يعملون عبر الحدود السورية كما قال. خطاب اوباما الذي بدت زيارة كيري انها تضع مضمونه موضع التنفيذ من دون اي تأخير صادف مع انتخابات في اليوم نفسه نظمها النظام السوري في سفارة بلاده في لبنان وامن مشهداً حاشداً مدروساً وجه فيه رسالة واضحة الى كل من لبنان ومنه الى العالم عن قدرته على تهديد أمن لبنان وعبره استقراره ومنه استقرار دول اخرى في المنطقة من خلال خزان بشري لم تكن واضحة توجهاته السياسية على هذا النحو، فيما هو قادر على تحريكه لخدمته ان داخل لبنان او ربما في اتجاهات اخرى. وبدا هذا المشهد مقلقاً بشدة مقدار ما هو معبر واستفزازي بما يمكن ان يهدد مصلحة دول عدة في استقرار لبنان وامنه الذي منه تأمين امن المنطقة وحدوده الشمالية مع اسرائيل. بعض الاوساط الديبلوماسية تعتقد ان هذا المشهد بالذات هو ما قد يكون املى زيارة لكيري لبيروت في هذا التوقيت من اجل توجيه رسائل تتمحور على التشديد على الامن والاستقرار والمخاوف عليهما، ان من خلال الحض على انتخابات رئاسية تضع حداً للفراغ في الموقع الرئاسي الاول انطلاقاً من ان هذا العامل الوحيد ليس سببا للزيارة في ضوء دينامية نشطة للسفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل او من خلال دعم عمل الحكومة في مرحلة حرجة بالنسبة الى لبنان او تقديم المساعدات في موضوع اللاجئين.
هذا الجانب هو أحد أبرز جوانب القلق على لبنان، فضلاً عن ان التطورات في الجوار اللبناني يرتقب ان تكون لها تأثيرات على الوضع السياسي في لبنان واستحقاقاته لا سيما منها الرئاسية . قال كيري: “جئت لأسأل رئيس الحكومة اللبنانية ما هي الخطة للمستقبل وكيف سيتم التعاطي مع الازمة السورية”. والسؤال الأهم وفق الاوساط الديبلوماسية ما هي الخطة للمستقبل لدى الولايات المتحدة وكيف سيتم التعاطي مع الازمة السورية والرئيس السوري بعد انتخابات اعتبرتها واشنطن والدول الغربية “عاراً” و”مهزلة” واعلنت عدم شرعيتها ونيتها عدم الاعتراف بها. هذا يجعل الرئيس السوري بعد انتهاء ولايته الحالية الشهر المقبل وفي ضوء هذه المواقف الديبلوماسية رئيسا غير شرعي وهو يسيطر على السلطة بالقوة مما يفترض ان يستتبع باجراءات تلغي اي تمثيل له في الخارج واجراءات اخرى انسجاما مع عدم الاعتراف بشرعية الانتخابات التي نظمها في مناطق سيطرته. وتاليا ماذا يمكن ان يكون وضع لبنان عطفا على هذه التطورات علما ان المشهد الانتخابي السوري ساهم فيه افرقاء لبنانيون حلفاء للنظام في لبنان هم جزء من الحكومة. فكانت لافتتين في هذا الاطار ملاحظتان لم تفوتا المراقبين: احداهما إشارة كيري الى “حزب الله” كطرف مؤثر وفاعل في الأزمة السورية ويمكن ان يلعب دوراً ايجابياً في العمل لوقف الحرب في سوريا جنباً الى جنب مع طرف مؤثر آخر داعم للنظام كروسيا فلم يكن انتقادياً لدعم الحزب النظام ومنعه من الانهيار بل ايجابياً في مقاربته. والملاحظة الاخرى استتباعا هي سقوط الإشارة الى اعلان بعبدا وفق ما تمسّك الاميركيون في خطابهم المعلن ازاء لبنان خلال الاعوام القليلة الماضية ونسبة الى اشارة كيري الى تداعيات الأزمة السورية الهائلة عليه على نحو يحض على البحث عن مقاربة مختلفة لواشنطن للوضع في لبنان، علماً انه يجب الاقرار في الوقت نفسه ان وزير الخارجية الاميركي لم يستحضر كل نقاط الخطاب الاميركي في التشديد على احترام القرار 1701 ايضا، بما يضمر في رأي هؤلاء عدم وجود قلق اميركي لجهة تحرك جبهة الجنوب وارتياحهم الى التزام القرار كلياً من جانب الحزب كما ان الزيارة تأتي في سياق مختلف تماما غيب اقله في الموقف العلني النقاط التقليدية.
في الجانب الآخر، قبل أقل من أربع وعشرين ساعة على زيارة كيري، كان رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم يختتم زيارة للبنان بمواقف معبرة اظهر فيها تعاطفه الشديد مع لبنان المثقل بأزمة اللاجئين السوريين والصعوبة التي يواجهها في ادخالهم او تأمين انخراطهم في نظامه الصحي او التعليمي فضلا عن الغضب والتوتر لدى المجتمع المضيف الذي يجد تنافساً على شغل وظائفه من اللاجئين في ظل تمايز في الدعم الصحي ودعم اكبر ومساعدات يتلقاها اللاجئون على حساب رفاهة اللبنانيين وقدرتهم على العيش بكرامة. واذ اشار كيم الى أن التردّد في تقديم المساعدة للبنان يعود جزئياً الى الخلافات السياسية التي واجهها البلد في العام الماضي مع مانحين محتملين يترددون في تقديم الهبات لحكومة تصريف أعمال، سلّط الضوء في المقابل على حماسته وارادته للعمل بقوة من اجل حض الدول على المساهمة في تقديم الاموال لصندوق دعم لبنان الذي يواجه حالة طارئة ضخمة. والصورة المتكاملة على هذا الصعيد بين الزيارتين تشي بمدى الخطورة التي آل اليها الوضع اللبناني من اجل تضافر الدعم لصموده.