ساهمت اللقاءات التي عقدت في الايام الاخيرة لا سيما تلك التي جمعت في العاصمة الفرنسية الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الى جانب لقاءين للحريري مع كل من وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة لوران فابيوس وجون كيري في تعميم الانطباع بان موضوع الشغور الرئاسي ليس متروكاً فعلا لمصيره وان هناك قلقاً ورغبة في حصول الانتخابات الرئاسية. ولاقت، هذا التحرك الباريسي، لقاءات متزامنة عقدها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مع ممثلي الدول الخمس الكبرى وممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان كخطوة من اجل ايصال رسالة واضحة للخارج المؤثر بضرورة مساعدة لبنان فعلاً على انجاز الانتخابات وعدم التهاون بذلك خصوصاً مع تحديات اضافية في المنطقة ربما تساهم في ابعاد لبنان اكثر فاكثر عن واجهة الاهتمام لمصلحة اولويات اكثر إلحاحاً في حين لا ينجو لبنان من تداعيات ما يحصل في المنطقة. هذه الحركة ايجابية من حيث المبدأ في رأي بعض المراقبين كونها تعكس عدم ركون أفرقاء سياسيين اساسيين للوضع الراهن في انتظار ان يحل الوفاق من الخارج على لبنان ويساهم في اجراء الانتخابات ويفيد ان بعض المحاولات مستمرة من اجل الخروج بحل لمأزق الشغور الرئاسي.
وينبغي القول ان عدداً من الاوساط يهمه ابراز ما يحصل من لقاءات من اجل المساهمة في الضغط على المعطلين الداخليين في شكل خاص من جهة وتسليط الضوء على ثغرة رئيسية ينبغي اقفالها من اجل تأمين المساعدة في عدم تمدد نار المنطقة الى لبنان من جهة اخرى خصوصا ان مؤشرات القلق على الوضع الداخلي عادت لترتفع بعد التطورات الامنية الاخيرة التي تحتم اقله وفق ما يقول الافرقاء الداخليين وضرورة تحصين الوضع الامني اللبناني علماً ان هذا التحصين يبقى ناقصاً من دون تحصين سياسي يقوده رئيس جديد للجمهورية. لا يعني ذلك ان الآمال تعاظمت على اثر هذه اللقاءات بان الانتخابات ممكنة في المدى القريب بل على العكس أن ثمة قلقا متزايدا في ضوء التطورات الجديدة في المنطقة.
لكن في تسييل المشهد التشاوري الخارجي واثره على هذا الصعيد فانه يبدو راجحاً في اتجاه من دون الاتجاه الآخر اذ يعتبر مراقبون ان اكتمال المشهد يحتاج الى الكفة الاخرى اي ان السؤال هو عملياً من سيتحدث مع ايران من اجل ان تضغط على حلفائها من اجل تسهيل حصول الانتخابات الرئاسية وهل من ثمن يمكن ان تطالب به ايران من اجل ذلك ام ان الواقع المهدد للوضع السياسي والامني في لبنان على وقع التطورات المستجدة في العراق قد يشكل دفعاً من اجل الذهاب الى انتخابات رئاسية كما تم الذهاب الى حكومة المصلحة الوطنية بعد موجة اضطراب امني داخلي تم استغلاله من مجموعة من الدول المؤثرة من اجل الخروج من ازمة الحكومة السابقة وتذليل العقبات امام ضبط الوضع الامني. وهل الوقت الراهن قد يكون مناسباً لذلك اي تحييد لبنان مجدداً عن سياق ما يحدث في المنطقة ام ان التوتر الاقليمي بين ايران ودول الخليج العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية خصوصا بعد اتهامات ايرانية للمملكة بدعم الانتفاضة على نوري المالكي في العراق يشكل اعاقة كبرى امام اي احتمال لتحييد لبنان في هذه المرحلة واتاحة المجال امامه لاجراء انتخابات رئاسية فيترك لبنان تبعاً لذلك رهينة مساومات تطاول عناصر أخرى قد تكون متصلة به او لا؟ فالتوقيت امر مهم وليس واضحاً تماماً بالنسبة الى المراقبين المعنيين ما اذا كان التوقيت الحالي مناسباً لإعادة اطلاق مبادرات كما جرى الحال بالنسبة الى الحكومة ما اتاح تأليفها. ويقول المراقبون المعنيون في هذا الاطار ان وضع الحكومة اختلف في ظروفه وسياقه، ومن غير المرجح ان ينسحب على ما هو مطلوب من اجل انجاز الانتخابات الرئاسية، علما ان الوضع الامني راهناً لم يتسم بعد بالخطورة التي تم استشعارها قبل تأليف الحكومة.
ومع ان كل ذلك يخضع الانتخابات او القدرة على انجازها الى العناصر الخارجية فقط، فان ثمة تساؤلات يثيرها المراقبون حول المهلة التي يحتاجها العماد ميشال عون بعد للاقتناع بأن “توافقيته” او “وفاقيته” لم تسوق بعد أكثر من ثلاثة اشهر على بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد وانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان على النحو الذي يسمح بانتخابه للرئاسة الاولى خصوصا ان احدا لم يبادر الى تبني ترشيحه او تزكيته (ما دام وفاقياً او اذا كان احد يراه كذلك) باستثناء النائب سليمان فرنجيه الذي يدعم وصول الجنرال، بل ثمة مجاهرة صريحة من افرقاء اساسيين بعدم الرغبة في دعم وصوله بما يفيد انه استنفد فرصته. فمع الاقرار بان هناك حاجة يراها كثر لخلط اوراق على الساحة الداخلية بحيث تختلط التحالفات بين قوى 14 و8 آذار وان خروج عون من اصطفافه التحالفي مع “حزب الله” الى الرئاسة الاولى ربما كان عاملاً في هذا الاتجاه وفق ما روج او رأى البعض، الا انه تبين خصوصاً بنتيجة الحرب السورية ومن ثم الحرب مجدداً في العراق بان الاصطفافات الاقليمية تتجه الى المزيد من التعمق وكذلك الامر بالنسبة الى ارتداداتها اللبنانية ولن يتاح لعون ان يلعب هذا الدور فيخرج من تحالفه او شركته حيث الحاجة اليه لا تزال اكبر بكثير من الحاجة اليه في الرئاسة الاولى.