IMLebanon

المشهد اللبناني لن يكون بعد عودة الحريري كما كان قبلها

أحداث عرسال كشفت البلد سياسياً وأمنياً.. وما بعدها هل سيكون مختلفاً؟

المشهد اللبناني لن يكون بعد عودة الحريري كما كان قبلها

موقف خادم الحرمين الشريفين حازم وصارم لحماية الاستقرار في لبنان

اطلالة الرئيس سعد الحريري بالامس على اللبنانيين من السراي الحكومي بعد غياب لاكثر من ثلاث سنوات، شكلت مفاجأة سارة، وكان لهذه الاطلالة وقع خاص، فرغم الظروف الامنية القاهرة عاد الرئيس الحريري كما وعد اللبنانيين اكثر من مرة.

كما ان عودته مصحوباً بـ«مليار» دولار لدعم المؤسسات الامنية وفي مقدمها الجيش، يحمل دلالة قوية وهي عدم تخليه عن بلده وعن قاعدته الشعبية التي تشكل اكبر قاعدة شعبية في لبنان.

كما عاد في زمن باتت عودته حاجة وطنية شاملة، بعد تزايد حالة الانقسام بين اللبنانيين، وبعد حدوث الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وجمود اصاب المؤسسات الاخرى السياسية والاقتصادية، وبعد خوض الجيش اللبناني لمعركة مصيرية في مواجهة الارهاب، تطلبت وقوف جميع اللبنانيين خلفه لدحر الاخطار التي بدأت تدق الابواب بقوة.

عاد الرئيس الحريري مصحوباً بقرار من المملكة العربية السعودية، حازم وصارم في محاربة الارهاب، وبإصرار من كبير العرب خادم الحرمين الشريفين على عدم السماح بمس الاستقرار في لبنان.

فما جرى في عرسال خلال الايام الماضية دق ناقوس الخطر ليس على عرسال واهلها فقط بل على البلد كله.

ما أعلنه الرئيس نبيه بري ان «ما بعد احداث عرسال ليس كما قبلها وان بعض ابنائها تعاونوا مع المسلحين» كلام صحيح، يجب ان يبنى عليه للانطلاق نحو مرحلة افضل لاستقرار البلد وحفظ امن اللبنانيين، وكذلك حفظ المؤسسة العسكرية وهي الجيش الوطني ودوره، الذي يشكل «الأمل» الرئيس في حفظ استقرار البلد ووحدته ارضاً وشعباً، خاصة بعدما باتت المصالح الخارجية هي في مقدمة إهتمامات الكثير من القوى السياسية اللبنانية.

ما اعلنه الرئيس بري يسلط الضوء على اهمية ان تتحمل الحكومة وبقية المؤسسات دورها الوطني وتعالج القضايا «بدون لف ودوران ومسايرة هذا او ذاك»، فما بعد احداث عرسال وما جرى  اثناءها وتحديداً منذ بداية اخذ القرار باعتقال عماد جمعة، هو اخطر بكثير من تفاصيل ومجريات ما كان يحصل قبل احداث عرسال.

وبعيداً عن منظومة حفلات المزايدات الجارية وعمادها سياسيون ووسائل اعلام وشخصيات متنوعة شاركت في هذه الحفلات «الزجلية» في حب الجيش، مستغلة حب والتصاق اللبنانيين،.. جميع اللبنانيين بمؤسستهم العسكرية، والمكونة من ابنائهم واحبائهم، وكأن هناك من هو مع الجيش وهناك من هو ليس معه، وهذا مفهوم مغلوط والكلام فيه مشبوه الاهداف.

فهناك الكثير من الاسئلة التي تشغل اللبنانيين حول هذه الاحداث الأليمة، وقبل الخوض فيها من الاهمية التأكيد انه صحيح ان «بعض» ابناء عرسال يتعاون مع المسلحين السوريين، وهذا ليس بجديد فهؤلاء الشباب انتصروا للثورة السورية منذ بداية مشروع النظام السوري في «عسكرة» الحركة الشعبية الاحتجاجية، التي قامت ضده، وانحياز بعض الشباب في عرسال او غيرها للثورة انعكاس لحالة انقسام الشعب اللبناني تجاه الاحداث السورية، فمنهم من انتصر للنظام، ومنهم من انتصر للشعب السوري وثورته، فليس من انتصر للنظام من اللبنانيين هم اشرف الناس ومجاهدون، ومن انتصر للشعب السوري رافضاً قتل الاطفال والشيوخ والمدنيين بالكيماوي والبراميل المتفجرة وبصواريخ «السكود» خائن ومجرم وارهابي!!

وما هو مرفوض ومدان هو كل من تأكد انه ساعد في الاعتداء على الجيش اللبناني ولكن المرفوض والمدان ان يعمد بعض الشباب اللبناني لمساعدة من اعتدى على الجيش اللبناني، هذا يتم التأكد منه عبر التحقيق القضائي «الشفاف» وليس عبر الوشايات.. المغرضة.

كما على السلطة اللبنانية بعد هذه الاحداث المؤلمة والتي خسرنا فيها اعزاء من ابنائنا، ان تعي لدورها الحقيقي تجاه بعض المناطق المحرومة، والمحرومة منذ سنوات طويلة وفي مقدمها بلدة عرسال، فالدولة بمؤسساتها وخدماتها غائبة كلياً عن عرسال منذ عقود طويلة، فلا يجوز ان تكون الدولة حاضرة في عرسال عبر مخفر الدرك فقط!! حيث لا كهرباء، لا مشاريع انمائية ولا خدمات، هذا مع العلم ان عرسال تأتي في المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في المنطقة بعد مدينتي بعلبك والهرمل..، فما جرى من احداث خلال الاسبوع الماضي يدفعنا للقول انه يجب قبل محاسبة الافراد وهو يجب ان يحدث وفق الاصول، نأمل ان يحدث يقظة ضمير  لدى المسؤولين في السلطة من اجل وضع خطة انمائية تشمل جميع مدن وقرى محافظة بعلبك – الهرمل، حيث يوجد عشرات الآلاف من مذكرات الجلب بحق المئات من ابنائها، فأبناء منطقة بعلبك – الهرمل ليسوا هواة الخطف والتجارة بالمخدرات، وسرقة السيارات، ومن ثم الجلوس في السجون لعشرات السنين، فهناك دولة غائبة بصورة ظالمة دفعت بعضهم لهكذا اعمال مشينة ومرفوضة، ومنها حمل السلاح واستخدامه في جميع الاتجاهات.

فأحداث عرسال كشفت البلد في جميع الاتجاهات، فقد تبين ان هناك نقصا في دعم مؤسسة الجيش يجب ان يسد هذا النقص فوراً، وهناك ثغرات في «الاداء» على قيادة المؤسسة العسكرية التحقيق بشأنه وادراكه لمعالجته، وذلك كي لا يتكرر مشهد هذه الخسارة الأليمة في الارواح، بل يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الثغرات.

ومن الاسئلة المطروحة في الشارع:

– هل كان من اللزوم دفع هذه الخسارة الغالية من خيرة الضباط والجنود كي يتم العلم ان هناك نقصا في الامكانات العسكرية من ذخيرة ووسائط قتالية تحصن المؤسسة؟

– هناك عيون للجيش اللبناني تتمثل بمخابرات الجيش، فأين كانت هذه العيون منذ اكثر من عام؟ ولماذا لم ترصد جيداً قدرات المنظمات المسلحة السورية؟ وذلك من اجل معرفة كيفية مواجهتها؟ واذا كانت هذه العيون غير غافلة ولا نائمة ولا منشغلة بقضايا اخرى لماذا لم تقدم الصورة الوافية لقيادة الجيش، او تقدم «النصيحة» بعدم الاحتكاك بالمنظمات الارهابية؟ ومن اعطى الاوامر لاعتقال عماد جمعة الآن، رغم انه وفق المعلومات «كان يدخل الى عرسال في الاسبوع اكثر من مرة ولم يتم اعتقاله؟».

على العموم القيادة العسكرية من المرجح انها لن تترك كل «مقصّر» من غير محاسبة فما جرى شيء خطير التغاضي عنه من الممكن ان يتكرر في مشهد اكثر ايلاماً نأمل ان لا يتكرر.

على العموم عودة الرئيس الحريري جددت الآمال بإعطاء المسيرة السياسية دفعاً جديداً مختلفاً وقوياً، فالمشهد السياسي بعد عودة الرئيس الحريري من المؤكد لن يكون كما كان قبل عودته، فهو قائد مسيرة الاعتدال على الصعيدين الوطني والاسلامي في لبنان.