الخطر المشترك لا يُداوى إلا بالدفاع المشترك من لبنان على المستوى المحلي الى مصر على المستوى المشرقي. في هذا الإطار يتقاطع بيان المطارنة الموارنة أمس الأول، كما دوما، مع كل الدعوات الصادرة عن المرجعيات الدينية المعتدلة لمواجهة التطرّف كما الشحن الطائفي. المهمّة ليست سهلة ولا مستحيلة إذا تكاملت توجّهات السياسيين مع الدعوات الإنسانية، خصوصا أن التطرّف بات يهدد وجود المسلمين والمسيحيين معا.
بيان المطارنة الموارنة الشهري يصدر في الغالب في ظروف سياسية وأمنية غاية في الخطورة، وهذه المرة أيضا دقّ المجتمعون ناقوس الخطر لحضّ اللبنانيين على التحلّي بالإعتدال لأن المسّ بالشعائر الدينية ليس سوى صورة من صور التطرّف والتكفير.
في الواقع، إن المطارنة الموارنة يمثّلون كل المسيحيين في لبنان، وإن كان بيانهم يؤيّد الحكومة وقراراتها ويرفضون المسّ بالشعائر الدينية، فإن موقفهم بالتالي هو موقف المسيحيين المعتدلين وعليهم الإلتزام به بمعزل عن التدخلات السياسية التي قد لا تجلب سوى الخراب للبنان. كيف يقرأ مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم أصداء البيان؟ وكيف يترجمه السياسيون؟
أسِف الاب أبو كسم لكون «الحالة الطائفية والمذهبية تتفاقم لكن الأكيد أن اللبنانيين يعون مآسي الحرب ويعلمون جيّدا أن الحرب في العام 1975 اندلعت لأسباب طائفية، خصوصا جرّاء التصرّفات اللامسؤولة التي تمسّ الشعارات الدينية، وعلى الأرجح أن طابورا خامسا ضالعاً بها وهو المستفيد من إعادة إشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين».
وشكّك أبو كسم بأن «يكون المسلمون والمسيحيون المعتدلون هم من يمسّون الشعائر الدينية، هذا عمل مدسوس لإشعال الفتنة، فهي أعمال صبيانية تشعل البلد». وأضاف «لم يصدر عن المطارنة سوى المواقف المعتدلة والعقلانية التي تدعو الى الحوار والإنفتاح على الآخر ونبذ الفتنة وكل أشكال التعصّب». وعن إمكانية ضبط الشارع، أشار الى أنه «على كل مواطن مسيحي أن يعرف أن الموقف المسيحي غير متطرّف، وأنا أدعو السياسيين والمواطنين الى تبنّي بيان المطارنة المعتدل كي يُبعدوا عن لبنان شبح الفتنة، غير البعيد عنّا، فقد باتت الفتنة تلوّح داخل البيت».
وعوّل أبو كسم على «الوعي الذي يتحلّى به اللبنانيون، إنما بعض الأعمال الصبيانية قد تشعل حرائق هنا وهناك ونحن نخاف أن تأخذ هذه الأعمال منحى حرب لا سمح الله أو خلاف بين اللبنانيين». وشدّد على أن المؤتمر الإسلامي- المسيحي الذي يتم التحضير له في الأزهر الشريف في مصر «غاية في الأهمية ويساهم في وأد الفتنة في الشرق وسيضع المسيحيين والمسلمين أمام مسؤوليتهم الوجودية». وختم «إذا استهدف مكوِّن منهما في الشرق فليعلم المكوِّن الآخر أنه مستهدف أيضا«.
في ظل الشحن الطائفي والمذهبي الدائر في الشرق كيف تتكامل مهمّة الدين مع السياسة؟ يشرح عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أنه «لا بدّ من تقوية نهج الإعتدال وتغليبه على التطرّف من خلال تكاتف الفريقين الديني والسياسي، الأول من أجل شرح مخاطر الإنجرار وراء من يقتنع بأن ما يجري هو تلبية لرغبة إلهية والسياسي لشرح كيفية تطوّر المجتمعات من خلال الديموقراطية والتنوّع والإعتراف بالآخر».
ولفت زهرا الى أنه من «الضروري والملحّ أن يتكامل الدور السياسي مع الديني بشكل متجانس ومتكامل لإعادة تعميم سلّم قيم إنساني يعتمد بشكل أساسي على حرية وكرامة الإنسان التزاما بما تنصّ عليه شرعة حقوق الإنسان، خصوصا أن كل الأديان تدعو الى الإنفتاح والتسامح، وغير صحيح أن الأديان تدعو الى تصنيف الناس بين مؤمن وكافر وإعطاء إنسان آخر حقّ تأديبهم أو تغيير معتقداتهم».
وأشار زهرا الى أن «الخطر مشترك على كل الناس وبرأيي فإن التطرّف هو نتيجة منطق التكفير، والتكفيري هو من يكفّر أبناء منطقته وطائفته ودينه قبل الآخرين وهو من يسمح لنفسه بفتح حرب عليهم».
سياسيا، يرى عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني أن «بعض الأفرقاء المشاركين في الحكومة الإئتلافية يعتمدون على رأيين: الأول متناغم مع رأي الحكومة خلال الجلسات والآخر متناقض تماما معها من خلال ما يسوّق له في وسائل الإعلام الخاصة به«. ودعا مجدلاني «أصحاب الرأي الثاني الى تحكيم ضميرهم ومواجهة الخطر المحدق بلبنان بشقّيه الإرهابي الخارجي والفتنوي الداخلي، وهذه مهمّة السياسيين في الداخل أن يسحبوا فتيل الفتنة من خلال عدم استغلال عاطفة العائلات التي خُطف أبناؤها للوصول الى مآرب فئوية».
وتمنّى مجدلاني «أن يعي السياسيون أهمية بيان المطارنة الموارنة الأخير الذي يضعهم أمام حقيقة واحدة وهي ضرورة أن نجتمع كلّنا في صفّ واحد حول الحكومة والمؤسسات الشرعية وعلى رأسها الجيش وإلا فإن الوطن ذاهب الى الخراب».
وحيّا مجدلاني «موقف المطارنة وما يقوم به الأزهر الشريف في مصر لملاقاة بيان المطارنة الموارنة وهذا المؤتمر سيكون أهم سلاح على الإطلاق في وجه الإرهاب».