تُخرِج أزمة تهجير مسيحيّي العراق، راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون عن صمته، وهو المعروف بندرةِ تصاريحه، رافعاً صوت الإيمان المسيحي. فيُذكّر بعذابات المسيحيّين المشرقيين، ويؤكّد لـ»الجمهورية»، «أننا أهلُ شهادة ولا نستسلم، ولا يستطيع أحد أن يقتلعنا من أرضنا، ونسير على طريق آبائنا وأجدادنا، ومستعدون لتقديم مزيدٍ من الشهداء ليبقى لبنان وأرضُ الشرق أرضَ المسيح».
يسترجعُ المطران عون تاريخَ المسيحيّة المشرقيّة، التي تفضّل الإستشهاد والتضحية للعيش في حريّة وكرامة، ويؤكد أنّ ما يحصل في الموصل والحسكة وأكثر من منطقة، «هو تصرّفٌ مدان ويُشعرنا بالألم والأسى على أخوة لنا، ويشكّل إهانة لكرامة الإنسان، وهذه الممارسات لا ترحم حتّى المسلمين المعتدلين وقدّ تصل إلينا»، لكنه يرى في المقابل وجهَ المعاناة الإيجابي، ويلفت الى أنّه «من الإضطهاد، يولد الخلاص، فاذا كنتَ مسيحيّاً مؤمناً، تعلم جيّداً معاني كلمات يسوع عندما قال لنا «إذا اضطهدوني، فسيضطهدونكم، ودعانا الى حمل الصليب»، واصفاً تهجيرَ المسيحيين بأنه «ذبيحة إلهية ودربُ جلجلة يقدمونها دفاعاً عن صليبهم ومسيحيّتهم».
يذكّر عون بسلسلة الإضطهادات التي تعرّض لها المسيحيّون المشرقيّون، وهي الأشدّ والأعنف بين مسيحيّي العالم، فيُشير الى أنّهم «قدّموا أسراباً من الشهداء روَت هذه الارض وكانت طريقاً للخلاص»، معتبراً أنّ «دماء شهدائنا قد تكون ساهمت في خلاص الأعداء وتَوْبتهم، وإذا كانت دماء مسيحيّي العراق ستساهم في توبة «داعش» وخلاصِها من خطاياها، فليكن».
يركّز عون على الإيمان الذي يربطنا بأرضنا ويجذّرنا فيها. أما عدم قدرة مسيحيّي الموصل على مقاومة أعمال «داعش» على رغم إيمانهم، فيعزوها عون الى «أنّ المدافع يجب أن يكون حاضراً ومجهّزاً عسكريّاً، ويترك منزله عندما لا يستطيع المقاومة». لكنّه يدعو الى عدم ترك الموصليّين العراق، «بل الى بقائهم في بلداتٍ عراقيّةٍ آمنة ريثما يستتبّ الأمن لأنهم اذا انتقلوا الى بلدٍ ثانٍ «العوض بسلامتكم» وسنخسرهم».
ووسط ما يعانيه مسيحيّو الشرق، تعقد الآمال على موارنة لبنان الذي قال عنهم المطران عون «إنّ الله أوجدنا على هذه الأرض لأنّ لنا رسالة نؤدّيها». وفي هذا السياق، هو يطالب الموارنة بأن «يعوا مخاطرَ المرحلة، وهم الذين يقودون المسيحيّة المشرقية»، منتقداً الكلام الذي يصدر عن معظمهم بأنه «إذا تمكنا من الحصول على طلب هجرة سنسافر، فإذا كان الموارنة الذين عُرفوا بامتيازاتهم وامتدادهم الجغرافي والديموغرافي يقولون هذا الكلام فكيف سيكونون القدوةَ لمسيحيّي الشرق؟».
ويدعو عون الموارنة الى «التمسّك بإيمانهم والدفاع عن بلدهم وأرضهم»، لافتاً الى «عدم وجود خطة للكنيسة المارونية لاستقبال اللاجئين العراقيين، لكنّ هناك تحرّكاً ومبادرات، وسنبحث في الاجتماع الاول للمطارنة هذا الموضوع».
ويتوجّه عون الى الموارنة والمسيحيين اليائسين قائلاً: «ربّنا انتصر على الموت، وآباؤنا وأجدادنا صمدوا في أرضهم وناضلوا واستُشهدوا، ونحن مستعدون للشهادة، ولسنا متروكين، وفي لبنان هناك ضماناتٌ دولية وخطوطٌ حمر، ونتحصّن بوحدتنا الداخلية وبدعم المعتدلين وتقوية الدولة والجيش».
ويضيف: «أمام الصعوبات لا تقولوا سنرحل، تمسّكوا بأرضكم وإيمانكم، وجودنا كمسيحيين في الشرق يرتبط بالشهادة، ونحن حافظنا على وجودنا بدمائنا وشهدائنا، فاذا هاجرنا كأفراد سنضعف ونتراجع ديموغرافياً، ولأنّ الطبيعة تكره الفراغَ سيأتي مَن يأخذ دورنا، لذلك لا يجب أن نرحل».
ويرى عون أنّ «الإحباط دخل الى نفوس المسيحيين بسبب العلمنة والمادية وضعف الإيمان، وبالتالي فإنّهم يهاجرون لتأمين مستقبلهم، مع العلم أنّ في لبنان صعوبات كثيرة، لذلك يركضون وراء المادة لتسهيل سبل العيش».
ويُطمئن عون المسيحيين بالقول: «التاريخ كان مراحلَ سلام واستقرار وحروب، وكانت لنا أدوارٌ وفقدناها في مراحل لكنّنا عوّضنا ما خسرناه لاحقاً، لذلك، يجب أن لا نيأس»، داعياً «السياسيين الموارنة الى التخلّي عن مصالحهم، وانتخاب رئيس للجمهورية يعيدُ الأملَ الى المسيحيين واللبنانيين».
وسطَ موجات التطرّف اليهودي والسنّي والشيعي، يرفض عون التطرّف الماروني، ويعتبر أنّه «ليس حلاً لحمايةِ انفسنا، فالعنفُ يجرّ العنف، ونحن لا ندعو الى القتال، لأنّ منطق الحرب والدمار يخسّر الجميع».