“المعركة الحقيقية في غزة متواصلة والإنسحاب العسكري الإسرائيلي من القطاع ليس كافياً وحده، ولو رافقه وقف موقت للنار، لإنهاء حال المواجهة بين حكومة بنيامين نتنياهو وحركة “حماس” والفصائل المقاتلة المرتبطة بها. ذلك ان القضايا الأساسية العالقة ليست عسكرية وأمنية فحسب بل انها أعمق من ذلك وتشمل من جهة تصور إسرائيل لمصير غزة المتناقض جذرياً مع الحسابات والطموحات الفلسطينية ، كما تشمل من جهة ثانية سعي “حماس” والمتحالفين معها الى محاولة قطف ثمار حرب ألحقت بالغزاويين الكوارث وكبدتهم خسائر بشرية ومادية وسياسية كبيرة وعميقة”. هذا ما عبرت عنه مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الإطلاع في باريس. وقالت: “ان ستة عوامل أساسية جعلت الدول الكبرى والمؤثرة تتصرف وكأن حرب غزة ليست حربها فعلاً بل انها تريد ترك المبادرة في أيدي الطرفين المتصارعين غير المتكافئين، وهذه العوامل هي الآتية:
أولاً – إن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني فجّرا الحرب بينهما، وهما يعرفان سلفا قواعد اللعبة وطبيعة رد فعل كل منهما على الآخر: “حماس” كانت تدرك ان إسرائيل ستردّ بوحشية وقسوة بالغتين على القصف المكثف لأراضيها وأن المدنيين سيدفعون الثمن الباهظ. وإسرائيل كانت تعلم بدقة ان المقاتلين الفلسطينيين مستعدون لخوض مواجهة كبيرة معها وانهم زرعوا في القطاع مئات المراكز لإطلاق الصواريخ والقذائف عليها وعلى مواطنيها وحفروا عشرات الأنفاق من أجل تنفيذ عمليات عسكرية متنوعة داخل أراضيها. وخاض الطرفان الحرب بكل وعي وتصميم وعليهما تحمل مسؤولية نتائجها وعواقبها.
ثانياً – ركزت هذه الدول في إتصالاتها على الجوانب الإنسانية للنزاع وسعت الى إنقاذ المدنيين وليس الى إنقاذ “حماس”، ولكن من غير تحديد موعد معين نهائي ملزم لوقف القتال بقطع النظر عن أعداد الضحايا وحجم الدمار والخراب في غزة .
ثالثاً – ترفض هذه الدول التورط مباشرة في الحرب وترغب في إنهائها بأقل الأثمان بالنسبة اليها ومن غير إرسال قوات دولية لفرض وقف النار على الطرفين.
رابعاً – ترفض هذه الدول التعامل مع “حماس” على أساس انها شريك حقيقي في أي عملية ديبلوماسية لحل النزاع، وترى ان الحركة الفلسطينية تخوض حرباً مدمرة خاسرة لن تحقق فيها أي مكاسب ولو تمكنت من إلحاق خسائر مهمة بالقوات الإسرائيلية وبحكومة نتنياهو. ولن تستطيع تركيا وقطر، اللتان تدعمان “حماس” ، تغيير هذا الواقع .
خامساً – فرضت إسرائيل منذ سنوات على المجتمع الدولي عموماً وعلى الدول الغربية خصوصاً مفهومها الخاص لطريقة حماية أمنها وضمانه مما يجعلها الدولة الوحيدة في العالم – باستثناء الولايات المتحدة أحياناً – التي تستطيع القيام بكل الأعمال التي تريد وانتهاك القوانين الدولية وارتكاب جرائم حرب وتطبيق سياسة العقاب الجماعي بإسم “حق الدفاع المشروع عن النفس”، من غير أن تواجه العقاب والعقوبات الدولية. ولن تدفع حرب غزة الدول المؤثرة الى التمرد على إسرائيل وتطبيق القوانين الدولية عليها، على رغم التذمر من إفراطها في استخدام القوة.
سادساً – الهدف غير المعلن للدول الغربية البارزة هو ترك إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية من أجل تقليص القدرات الحربية ﻠ “حماس ” الى أدنى حد وتدمير الأنفاق، على أساس ان حرب غزة ، على فظاعتها، لن تشكل أي تهديد حقيقي للأمن الإقليمي والدولي وللمصالح الغربية الحيوية ولن تقلب موازين القوى، بل انها قابلة للإحتواء أيا تكن نتائجها على الأرض.
واستناداً الى مسؤول أوروبي بارز فإن حكومة نتنياهو تريد الإحتفاظ بما تسميه “حق المطاردة والقتل وتدمير الأهداف الضرورية لحماية أمنها” في غزة ضمن إطار أي إتفاق لوقف النار، وأضاف: “الواضح مما يجري في الإتصالات السرية ان حكومة نتنياهو تتصرف على أساس ان معركتها مع “حماس” والفصائل الأخرى هي قضية أمنية داخلية إسرائيلية في الدرجة الأولى، وان الدول الكبرى يجب أن تدعم مواقف إسرائيل وتضغط على الفلسطينيين من أجل دفعهم الى الرضوخ للشروط والمطالب الإسرائيلية، بقطع النظر عن رفض تنفيذ المطالب الحيوية للشعب الفلسطيني وضمان حقوقه المشروعة. وهذا يعني ان أي هدنة في غزة ستكون هشة وجزئية وان المعركة متواصلة بطرق وأشكال متنوعة “.