IMLebanon

المفاوضات الأميركية – الإيرانية وملامح الإتفاق بين أنقرة وطهران

قادة إيران منهمكون هذين اليومين على جبهتين. جبهة يتولّى قيادتها الرئيس حسن روحاني الذي التقى نظيره التركي في أنقرة عبدالله غول، بهدف إعادة بلورة موقف أنقرة من الأزمتين السورية والعراقية، وسط معلومات عن إتفاق تمّ بين الرئيسين حول إعادة النظر في آليات تخفيف حدة التوتر وحلّ المشاكل الإقليمية. أمّا الجبهة الثانية، فينشغل عليها مسؤولون إيرانيون وأميركيون بارزون بمحادثات مباشرة في جنيف، بهدف إعطاء زخم للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني والتوصل الى إتفاق دائم، مع إقتراب الموعد المحدد لذلك في تموز المقبل.

لا ينكر الكاتب والمحلل الإيراني الدكتور محمد صالح صدقيان أنّ اللقاء الرسمي الأول بين ممثلين أميركيين وإيرانيين يعكس «الحساسية والتعقيدات التي تحيط بالمفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الست الكبرى» (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين وألمانيا).

لقاء مباشر إقترحه الجانب الإيراني مع أعضاء السداسية كلّ على حدة، وفق ما يوضح صدقيان «لحلحلة الموقف ولتفادي التعثّر» الذي حدث في المباحثات الأخيرة بين إيران ومجموعة 5+1، حيث توقّف البحث عند نقطة غير قابلة للنقاش من قبل الجانب الإيراني وهي «الصواريخ البالستية، وضرورة الإسراع في تحديد التاريخ الذي يجب أن ترفع فيه العقوبات»، وفق ما يوضح صدقيان.

فإيران تتطلّع إلى محادثات مباشرة مع كل جانب من أطراف السداسية، وقد بدأتها مع الجانب الأميركي على أن يليها محادثات مع الجانب الروسي ومع بقية المجموعة تباعاً.

ويقول صدقيان في إتصال هاتفي مع «الجمهورية»: «في السابق كانت المحادثات مع الجانب الإيراني سرية، اليوم السرية لم تعد مجدية، والمطلوب محادثات علنية ومباشرة، إستناداً إلى إتفاق جنيف النووي»، الذي تمّ التوصل إليه في تشرين الثاني الماضي.

محادثات قادها عن الجانب الإيراني كبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي الذي أعلن أنّ «الحوار مع الولايات المتحدة جرى في أجواء إيجابية وكان بناء»، في وقت طالب الجانب الأميركي في «القليل من الواقعية» في هذه المفاوضات.

وقد أعرب مساعد وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز خلالها عن إستعداد إدارة أوباما لتسوية الملف الإيراني وفق قاعدة «ربح-ربح»،

على حد تعبير صدقيان.

محادثات إذا كُتب لها النجاح، ورشح عنها نتائج إيجابية لجهة حلحلة الملف النووي الإيراني، وتنازلات من الجانب الغربي، سيتمخّض عنها إتفاق شامل في 20 تموز المقبل.

غير أنّ صدقيان لا يخف «القلق من عدم إمكان إحراز تقدم شامل في 20 الشهر المقبل، فالإنجاز إذا ما تحقق لن يكون كبير جداً فقط للجانب الإيراني، بل للأسرة الدولية مجتمعة، وسيطوي ملفاً شائكاً، كاد يتسبب في إشعال حرب جديدة».

فالجانب الأميركي يريد «تمديد تاريخ الإتفاق ستة أشهر» في نظر صدقيان، بحجة أنّ «أوباما يحتاج الوقت للضغظ على الكونغرس الأميركي لإقناعه بضرورة تقديم تنازلات» في الملف النووي الإيراني.

على الضفة المقابلة،لا تريد الحكومة الإيرانية «ترك الباب مفتوحاً وتمديد مهلة التفاوض، لأنّ ذلك من شأنه أن يخلق ضغوطاً على المفاوض الإيراني، وبالتالي يبقى القلق سيد الموقف في إنتظار سلوك واشنطن حيال تاريخ 20 تموز»، يؤكّد صدقيان.

وإذا شهدنا حلحلة على الجبهة النووية، «يمكن الإنتقال إلى مناقشة العديد من الملفات الإقليمية، وبذلك سيفتح الباب أمام تخفيف التوتر في منطقة الشرق الاوسط، في نظر صدقيان».

الإدارة الإقليمية

نقاش لن يرقى إلى درجة أن تفوّض واشنطن طهران الإدارة الإقليمية في الشرق الأوسط بدلاً عن أنقرة والرياض، إذ يرى صدقيان أنّه

«لا تفويض لإدراة ملفات إقليمية بدلاً عن تركيا والسعودية بل بالأحرى قد نشهد تفاهماً مع الجانب الإميركي على كثير من التعقيدات التي من شأنها أن تخفف حدة التوتر».

ويقول: «إيران وتركيا والسعودية، دول تؤثر وتتأثر بكلّ القضايا الموجودة في الشرق الأوسط، ولا شك أنّه للولايات المتحدة مصالح في المنطقة، ما يتطلّب منها التفاهم مع دول هذه المنطقة للتقليل من حدة التوتر في كل من سوريا والعراق ولبنان».

وبالتالي يُفترض أنّ «تأخذ كل دول الشرق الأوسط حجمها، وليس المطلوب إدارة هذه المنطقة بقدر التعاون من أجل إستباب الأمن المفقود فيها».

زيارة روحاني

توازياً، لا ينكر صدقيان أنّ زيارة روحاني التي تعتبر أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس إيراني لتركيا منذ عام 1996، بخلاف الزيارات التي قام بها الرئيسان السابقان محمد خاتمي (1997-2005) ومحمود احمدي نجاد (2005-2013) والتي كانت مجرد زيارات عمل، أنّ لها شقاً إقتصادياً هاماً جداً للبلدين.

ولكن إذا استثنيا الرغبة الجامحة لحكومتي رجب طيب أردوغان وروحاني في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، هناك «معلومات ترشح عن إتفاق تمّ بين روحاني ونظيره التركي عبدالله غول حول إعادة النظر في آليات تخفيف حدة التوتر وحلّ المشاكل في الإقليم، ولا سيما في كلّ من سوريا والعراق»، يشير صدقيان.

ويعيد التذكير بأنّ الخيارات الإيرانية أثبتت صوابيتها، إذ لطالما دعت طهران إلى حلّ سلمي للأزمة السورية، في حين أنّ أنقرة كانت تميل إلى الجانب الذي راهن على تسليح المعارضة والخيار العسكري.

ويقول صدقيان: «الجانب التركي لديه معطيات جديدة أفرزتها الإنتخابات الرئاسية السورية والإنتخابات البرلمانية في العراق، وبالتالي يتوجّب على أنقرة أن تعيد قراءة نتائج هذين الحدثين المهمين، ويبدو أنّها أبدت رغبة في إعادة صياغة علاقتها مع الجانب العراقي والسوري، لإستباب الأمن والإستقرار في الإقليم».

غير أنّ ذلك لا يعني أنّ «أمراً مفاجئاً أو دراماتيكياً قد يحدث في خصوص مقاربة تركيا للأزمتين السورية والعراقية»، لكن المؤكّد في نظر صدقيان أنّ «إيران تستطيع إعادة صياغة الموقف التركي» من هذين الملفين.