كلّ المؤشّرات تدل إلى أنّ الاتّجاه هو إلى تمديد المفاوضات النووية بين إيران والغرب لسِتّة أشهر إضافية، الأمر الذي يعني سياسياً تجميدَ كلّ الملفات في المنطقة مجدّداً، بانتظار انتهاء الفترة الممدّدة، وهذا التجميد ينسحب بطبيعة الحال على الملفات اللبنانية، وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية. وإذا كان الأمل معقوداً على إنجاز التسوية النووية بغية الانتقال إلى مقاربة ومعالجة الأزمات السياسية في المنطقة، فإنّ تمديد المفاوضات سيبدّد هذه الآمال ويجعل التطوّرات مفتوحة على شتّى الاحتمالات، خصوصاً أنّ السخونة ارتفعَت في الأسابيع الأخيرة، بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى غزّة والحدود اللبنانية-السورية. وفي هذا الوقت، التحدّي الأساس في لبنان يبقى في تقطيع قطوع هذه المرحلة الجديدة بتجنيبه أيّ خضات من طبيعة أمنية أو سياسية، وذلك عبر وضع حدّ للتعطيل السياسي وإعادة تزخيم العمل الحكومي، كما التشريعي على أساس الأولويات التي لا تتناقض مع الفراغ الرئاسي، فضلاً عن الإسراع في انتخاب رئيس جديد لإقفال أيّ ثغرة وطنية، لأنّ مؤشرات ما قبل تمديد الملف النووي مقلقة، فكيف بالحريّ بعد هذا التمديد في ظلّ المخاوف من عودة السخونة إلى لبنان؟ وما تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّ الأزمات الاجتماعية، وفي طليعتها ملفّا رواتب الموظفين والشهادات، دخلت في مرحلة شَدّ الحبال، ويبدو أنها تتجه إلى مزيد من التصعيد في الأيام المقبلة.
ظلّ التصعيد المستمر في قطاع غزة العنوان الاقليمي الأول في المتابعة والإهتمام، بعدما قطعت حركة «حماس» الطريق على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار عبر إبلاغها إلى القاهرة رسمياً برفضها لها من جهة، وإعلان إسرائيل تصعيد الهجوم وتأكيدها أنّه إذا اضطرّت إلى القيام بعمل برّي فسيكون لها تأييد دوليّ واسع من جهة أخرى، في حين نشطت الوساطات القطرية ـ التركية لبلوَرة صيغة مشتركة مع الأتراك لوقف النار.
في الموازاة، تتّجه الأنظار الى سوريا بعد خطاب القسم لرئيسها بشّار الأسد الذي توعّد فيه الدول العربية والإقليمية والغربية بأنّها ستدفع ثمناً غالياً لأنها دعمت الإرهاب في بلاده، ووعد بتخليص الرقّة «من الإرهابيين، وبالعمل حتى تعود حلب آمنة مطمئنة»، وحيّا «حزب الله» قائلاً: «لا ننسى الأوفياء من أبناء المقاومة اللبنانية، الأبطال الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع أبطال جيشنا، وخاضوا المعارك المشرّفة سويّةً على طرفي الحدود». وقد اعتبرَت واشنطن أنّ الأسد يقف في طريق السلام ومستقبل سوريا، وأنّ رفضَه التنحّي لا يسهم إلّا في إطالة معاناة الشعب السوري.
ولا شكّ في أنّ هذه الأجواء الإقليمية الملبّدة تُلقي بظلالها على الساحة اللبنانية، وتتضاءل معها يوماً بعد يوم فرَص إيجاد الحلول للأزمات المستعصية، وفي مقدّمها المأزق الرئاسي، وما استتبعه من مأزق تشريعي وتالياً حكومي، إذ حالت التجاذبات السياسية الحاصلة دون الاتفاق حتى اليوم على عقد جلسة تشريعية وأخرى حكومية، وعليه، تبقى عجلة التشريع والعمل الحكومي معلّقة حتى إشعار آخر.
فرنجية في الديمان
في غضون ذلك، توجّه رئيس تيار»المرَده» النائب سليمان فرنجيه الى الديمان، وعقد خلوة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دامت أكثر من ساعة ونصف الساعة، عُرضت خلالها الأوضاع السياسية وموضوع الاستحقاق الرئاسي وتطوّرات المنطقة، بالاضافة الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الضاغط محلياً.
مظلوم
وأوضحَ النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم الذي شاركَ في اجتماع عُقد قبل الخلوة لـ»الجمهورية» أنّ «اللقاء مع فرنجية كان إيجابياً، وجرت خلاله جولة أفق حول أحداث لبنان والمنطقة».
وأشار إلى انّ البطريرك «كرّر أمام فرنجية موقفَه الثابت بوجوب تأمين نصاب جلسة الانتخاب، والسعي الجاد لانتخاب رئيس جمهورية جديد في أقرب وقت، لكنّ فرنجية كان له نظرة خاصة، وهي أنّ الوضع الداخلي مرتبط بالخارج، ويعتبر أنّ مقاطعة النواب حقّ دستوري لهم، ولكن عندما تنضج الظروف سينزل النواب المقاطعون الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس، وحتّى الساعة الطبخة غير ناضجة بعد».
ونفى مظلوم، ردّاً على سؤال، أن يكون الراعي قد طلب من فرنجية أن يؤدّي دورَ الوسيط مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون كي يقنعه بحضور جلسة الانتخاب أو التخلّي عن ترشيحه».
وأكّد من جهة ثانية أن لا مبادرات لبكركي حاليّاً لجَمعِ عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع. وأشار إلى أنّ اللجنة التي شكّلتها بكركي برئاسته والمولجة الاهتمام بالملف الرئاسي «لم يُطلب منها التوقّف عن العمل، لكن لا شيء جديداً بالنسبة للرئاسة، في انتظار التطوّرات الداخلية المرتبطة بالأحداث الإقليمية».
الحريري يُقارب كلّ الملفات
وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» إنّ الرئيس سعد الحريري أنجَز بالتعاون بين مختلف مستشاريه وقيادات تيار «المستقبل» الذين عادوا أمس وأمس الأوّل إلى بيروت، العناوينَ الأساسية للخطاب الذي سيلقيه في إفطار التيّار المركزي غداً الجمعة، وهو سيتناول مختلف التطوّرات العربية والإقليمية واللبنانية من جوانبها المختلفة، وسيضع النقاط على حروف الأزمة وتشعّباتها.
وأكّدت المصادر أنّ الحصيلة النهائية للمشاورات التي أجراها الحريري ومستشاروه لم تصل الى ما يمكن اعتباره مبادرة بكلّ ما للكلمة من معنى، ذلك انّ المواقف بين مختلف الأطراف في لبنان ما زالت متناقضة الى حدود بعيدة وليس سهلاً البحث عن قواسم مشتركة في القريب العاجل، لا على مستوى سدّ الشغور في رئاسة الجمهورية ولا حلحَلة القضايا الكبرى. ولذلك فإنّ أيّ طرح يفقد قيمته ما لم تتوافر له ردّات الفعل الإيجابية، وهو أمر مستبعَد في الوقت الراهن، وإنّ أيّ مبادرة ليست مضمونة النتائج بانتظار الوقت المناسب.
وقالت المصادر إنّ الحريري سيقارب الملفات من وجهة نظر «المستقبل» الذي يرفض اللجوء الى كل وسائل الإرهاب وإدانة التطرّف، ولذلك سيسجّل موقفاً تحذيرياً ممّا يجري من موجات تضرب المنطقة ولبنان، وسيحذّر من التمادي في القتل في سوريا على حساب حرّية الشعب السوري وحقّه بالحرّية.
كذلك سيؤكّد الحريري على مخاطر استمرار الشغور في قصر بعبدا، وسيدعو إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد في أسرع وقت ممكن لتنتظم العلاقات بين المؤسسات الدستورية كافّةً.
وأضافت المصادر أنّ الحريري سيدين بشدّة الحرب الأخيرة على غزّة، مُتّهماً إسرائيل بضرب كلّ المحاولات التي كانت جارية على قدم وساق من اجل المصالحة الفلسطينية وتعطيل أي أمل في التوافق الفلسطيني الذي يُعيد اللحمة الى الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية.
جنبلاط متمسّك بحلو
وفي ملف الاستحقاق الرئاسي، جدّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط تمسّكه بترشيح النائب هنري حلو، لافتاً إلى أنّ الكلام المتداول عن أنّ «اللقاء» مستعدّ لسحب ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة غير دقيق. وناشدَ القوى السياسيّة الذهاب إلى المجلس النيابي لتأخذ المنافسةُ الديموقراطيّة مداها ويُنتخبَ رئيس جمهوريّة جديد.
بو فاعور
من جهته، أكّد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور «أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي هو أوّلاً وأخيراً مسؤولية لبنانية، واستمرار الشغور في موقع الرئاسة الأولى هو من مسؤولية القوى السياسية، خصوصاً تلك التي ترفض حتى الساعة فتح الباب أمام التوافق على شخصية وفاقية لرئاسة الجمهورية». ودعا إلى عدم انتظار أيّ حراك إقليمي أو قرار دولي لإنجاز انتخابات الرئاسة».
ملفّ الرواتب
وفي ملفّ الرواتب، اعتبر وزير المال علي حسن خليل أنّ تيار «المستقبل» قد أقفلَ باب النقاش الإيجابي حول نقطة أساسية وهي تشريع فتح الاعتماد لتغطية رواتب الموظفين في الدولة.
وأكّد خليل الذي زار رئيس الحكومة تمّام سلام أمس، التزامَه الكامل بتطبيق الأنظمة والقوانين، مشيراً إلى أنّ «مسؤولية وزير المال هي المحافظة على الإنفاق في المالية العامّة في إطار القانون، وأن لا يتجاوز الحدود الممنوحة له وللحكومة، وبالتالي نحن لا نريد افتعال مشكلة مع أحد ولا نريد أن نوقظ لا شياطين ولا غيرَها… الشياطين تحضر عندما تُخالَف القوانين، وليس عندما يكون هناك إصرارٌ على تطبيقها».
وقال: «هناك نيّة ظهرت في بيان «المستقبل» أنّ المطلوب تسوية الحسابات عن السنوات الماضية، هذا الأمر يجب أن يُبَتّ ويعالَج، لكن ليس عبر إيقاع كلّ المسؤولين في الخطأ نفسه وتكرار التجربة نفسها، بل من خلال ورشة إعادة تكوين الحسابات القائمة حاليّاً في المالية، تمهيداً لرفع خلاصة عملها إلى مجلس الخدمة المدنية للموافقة، فتُحال بعدها إلى مجلس النواب لإقرار قطع الحسابات وفق الأصول».
وجدّد خليل تأكيده أنّه «لن نقع في أيّ مخالفة» وقال: «يجب ان نكون في مركب التفتيش والبحث عن حلول وتسويات قانونية، وخارج هذا الأمر أنا غير معنيّ، والمسؤولية تقع على من يعرقل انعقاد الجلسة العامة وليس على من يطالب بحفظ حقوق الناس». ولفت الى أنّ هناك فَرقاً بين الأعراف والأصول القانونية.
وعن الحوار بين حركة «أمل» و»المستقبل»، أكّد خليل حِرصه «على استمرار التواصل ومتابعة الملفات التي تهمّ استقرار اللبنانيين وأمورهم الحياتية وانتظام عمل المؤسسات، لكن لا نستطيع التراجع عن ثوابتنا». ونفى أن يكون هناك أيّ مبادرات جوّالة، بل هي فقط حركة اتصالات لتأمين جلسة تبحث سلسلة الرتب والرواتب كبندٍ أساس يضاف إليها فتح اعتماد لتغطية الرواتب وطلب إجازة للحكومة من أجل شراء اليوروبوند.
«سلسلة» وجامعة وامتحانات
وعلى الخط النقابي، نفّذت هيئة التنسيق النقابية أمس الأربعاء إضرابها الأسبوعي، وكرّرت مواقفها السابقة لجهة مواصلة التحرّكات لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ومواصلة مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية.
بو صعب
وفي هذا السياق، لوَّح وزير التربية الياس بو صعب بالاستقالة، وحذّر من أنّه «إذا لم يبدأ التصحيح بعد 4 أيام ندخل في المحظور، والعام الدراسيّ المقبل سيكون مهدّداً». واعتبر بو صعب أنّ «الإفادة هي ضربة للتربية»، وقال: «إذا اضطررنا للّجوء الى هذا الحلّ فليختاروا وزيراً آخر للتربية»، مؤكّداً أنّ «المشكلة ليست ماليّة، بل هي سياسية، ولن يتمّ أيّ تشريع من دون الأخذ في الاعتبار موضوع السلسلة».
كرم
وفي وقت يحتدم النقاش والخلاف على تعيينات الجامعة اللبنانية بين فريق 14 آذار و»التيار الوطني الحرّ»، يغيَّب رأي حزب «القوّات اللبنانية» الذي اختار البقاءَ خارج الحكومة.
وفي هذا السياق، يؤكّد عضو كتلة «القوات» النائب فادي كرم لـ«الجمهورية» أنّ «نزاع المحاصَصة هو داخل الحكومة، و»القوّات» ضدّ هذه التركيبة وضدّ منطق المحاصصة، وعندما اخترنا عدم المشاركة في الحكومة كنّا نعلم أنّنا سنصل الى هذه المرحلة»، لافتاً إلى أنّ «وزير التربية الياس بو صعب سيَّس ملفّ الجامعة إلى حدٍّ غير مقبول، وبهذه السياسة سيدمّرها».
وشدّد كرم على أنّ «التركيبة الحكومية ستفشل في صَوغ حلول، لأنّها تُغلّب منطق المحاصصة على الكفاءة، على رغم أنّ حلفاءَنا يناقشون موضوع الكفاءَة في التعيينات»، مؤكّداً أنّ «ملفّ الجامعة لن يمرّ، وكلّ الملفات المطروحة ستسقط لأنّنا دخلنا مرحلة المراوحة الحكوميّة».
جابر لـ«الجمهورية»
في سياق متّصل، قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية» إنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أعلن في الجلسة التشريعية الأخيرة أنّ الجلسات ستبقى مفتوحة، وتالياً، وبحُكم النظام الداخلي، أيُّ جلسة ستُعقد بعدها يجب أن تستكمل البحث في الملف الذي أغلِقت عليه الجلسة السابقة. انطلاقاً من ذلك، فإنّ موضوع «السلسلة» موجود حُكماً على جدول الأعمال، ولا يمكن الهروب من طرحه».
ودعا جابر النوّاب للذهاب الى مجلس النواب وافتتاح الجلسة ثمّ الاستماع الى وجهات نظر أو مآخذ كلّ فريق بموضوعية عن السلسلة، وإذا بقي كلّ فريق مُصِرّاً على مواقفه، وعلى ما يبدو أن لا تفاهم حتى الآن، فلنذهب الى التصويت بدلاً من المقاطعة وتعطيل المجلس. ولنفترض أنّ السلسلة لم تمرّ بالتصويت، فلننتقل الى موضوع آخر.
غريب
وكان عضو هيئة التنسيق النقابية حنّا غريب طالبَ «المسؤولين الذين يقاطعون المجلس النيابي ولا يُقرّون حقوقَنا، بتحييد الملفات الاجتماعية والمعيشية والتربوية عن الاصطفافات والانقسامات الحزبية». وأكّد أنّ الهيئة «مستعدّة لأوسع حشدٍ للنزول إلى الشارع من أجل إقرار الحقوق وبَتّ الملف».