«اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
بهذه الكلمات اختتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رسالة أكثر من هامة وجهها أمس إلى الأمتين الإسلامية والعربية، وفي متنها شرح نوعية الخطر الداهم والسرطاني الذي يفتك بأمتنا حضارياً وثقافياً وأمنياً ووجودياً، فهو خطر لا يخلف بين أمتنا فقط ضحايا بآلالاف وبطرق شنيعة، ولا يترك في أثره دماراً يهدم المدن والقرى والدساكر في غير دولة عربية وإسلامية، ولكنه أيضاً، وهو الأخطر، يهدد بالتشويه المميت أسس حضارتنا الإسلامية العظيمة ويجعلنا أمة تعيش ظروف قلق الوجود انطلاقاً من كونها تفقد تاريخها الذي يحترق أمام عيوننا بفعل أفعال فئة إرهابية ضالة تستفيد من ظروف مركبة، منها تخاذل المجتمع الدولي في قمعها، وتشجيع أجندات خارجية لديها حقد على أمتنا العربية.
رسالة الملك عبدالله هي نداء تاريخي، وهي وثيقة لا يمكن لقارئ المستقبل أن يتخطاها. لقد وضع النقاط على حروف أوضاعنا الراهنة المحزنة والمقلقة والمخجلة غير المقروءة عن جهل أو عن قصد.
لقد رتب الملك عبدالله في كلمته المسوؤليات كتوجه منه لاطلاق صرخة التحذير الأخيرة لكل من يعنيه الأمر، للضالين علهم يعودون من بغيهم قبل خراب البصرة، للطغاة الطاغين قبل أن ترتد إليهم أعمالهم، لأن الإرهاب طريق باتجاهين، وللمجتمع الدولي الذي يضع على عينيه غشاءً غير مفهوم وغير مبرر.
لقد ذكر الملك عبدالله المجتمع الدولي بأنه كبلد ذي ثقل إسلامي وسياسي وعربي، مد يده للغرب منذ أعوام كي تسير جهات الأرض الأربعة في مسيرة حوار الحضارات، واليوم يكشف الملك عبدالله عن حقيقة مرعبة تفيد أن المجتمع الدولي لم يتفاعل مع مبادرته الهادفة لدمل جراح الفتن أو الاقتتال الديني البغيض.
إنها ملاحظة تأتي في سياق سؤال: لماذا؟ وإلى أين؟.هل غاب عن المجتمع الدولي حكمة التوقع واستباق الكارثة.؟
لقد عاد الملك عبدالله وذكر الحاقدين على أمتنا العربية، والذين لا يستوحون من التاريخ سوى أحقاد مدفونة في صدره، ان عليهم العودة إلى الرشد وممارسة سياسات بعيدة عن الرغبة بالطغيان والتجير والسيطرة. وضمن هذه الصورة تبدو منطقتنا العربية الإسلامية وكأنها تعيش بين معادلتي توحش: الإرهاب الغاشم المسيء لبعدنا الحضاري والهادم بالتالي لتاريخنا، وبين الطغيان الحاقد على يومنا والراغب بإعادتنا إلى عصور الظلام والظلامية كي يُثلج سواد قلبه.
كل مواطن عربي ومسلم مخلص على وجه هذه المسكونة، وخاصة في منطقتنا سمع وعيونه تجول فيها الدموع وقلبه يعتمل فيه الصلاة، رسالة الملك عبدالله، متوخياً أن يكون لها عظيم الصدى الإيجابي في الضمير العالمي وضمير دول منطقتنا وشعوبها.
مرة أخرى قال الملك عبدالله في ختام رسالته: «اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد..«.
إنها كلمات مقتبسة من فم الرسول الكريم، فهل يستجيب دعاة الإسلام لمعناها، أم أن منطقتنا تواجه قدراً لا يرحم، صنعه الأشرار والإرهابيين والطغاة، متحدين رغم ما يبدو بينهم من تباين، ومتداخلين عبر ساحات معقدة في لعبة أخذ منطقتنا إلى جهنم الدنيا وإلى خواء الحضارة وإلى انسداد المستقبل، وذلك تحت نظر عالم يغمض عيناه من دون أن ندرك تبريراً لذلك.
رئيس تحرير مجلة «الهديل»