كشفت الأيّام القليلة الماضية كم ان الملك عبدالله بن عبد العزيز على حقّ. فكلمته الموجهة إلى العرب والمسلمين والعالم لم تكن سوى تعبير عن رغبة أكيدة في التحذير من المخاطر التي ستترتب على أحداث المرحلة الراهنة التي بدأت تتكشف من العراق، إلى سوريا، إلى لبنان وصولا إلى غزّة واليمن. إنّها مخاطر ضخمة ناتجة عن التساهل مع ظاهرة الإرهاب الذي يعمّ المنطقة والذي لا يوجد من يريد التصدّي له بالأفعال وليس بمجرّد الكلام.
ليس من عادة خادم الحرمين الشريفين التحدث إلّا عندما يكون هناك بالفعل ما يستدعي قول كلمة حقّ.
ما يشير إلى جدّية التحذير الذي اطلقه العاهل السعودي دعوته «قادة الأمّة الإسلامية وعلماءها إلى إداء واجبهم تجاه الحقّ جلّ جلاله والوقوف في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنّه دين التطرّف والكراهية والإرهاب». لا يخفي خادم الحرمين أنّ هناك من يحاول اختطاف الإسلام. لديه قناعة واضحة بأن الحرب على الإرهاب تحتاج إلى أن تكون في أولوية الأولويات خصوصا «انّنا نمرّ اليوم بمرحلة تاريخية حرجة وسيكون التاريخ شاهدا على من كانوا الأداة التي استغلّها الأعداء لتفريق الأمّة وتمزيقها وتشويه الصورة النقيّة للإسلام».
هل مَن يريد أن يسمع ما يقوله الملك عبدالله الذي يعرف قبل غيره أنّ هناك حاجة حقيقية لحرب على الإرهاب وأنّه لا يمكن التفريق بين إرهاب وإرهاب. كلّ إرهاب هو إرهاب ولا شيء آخر، خصوصا عندما يُستخدم التطرّف المذهبي بكلّ أنواعه وأشكاله ومظاهره بغية تحقيق مآرب لا علاقة لها بما تدعو إليه الديانات السماوية من قريب أو بعيد؟.
لا شكّ أن الأحداث الأخيرة في العراق وممارسات «داعش»، التي توجّت بالإعتداء على المسيحيين في الموصل، دفعت الملك السعودي إلى الخروج عن صمته وقول ما كان واجبا عليه قوله. فالمملكة العربية السعودية تدرك تماما أنّ هناك ما يمكن أن يفجّر المنطقة في ضوء ممارسات «داعش» في الموصل وغير الموصل. لم يكن ممكنا وصول «داعش» إلى ما وصلت إليه لولا الشحن المذهبي في العراق الذي تسببت به الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران. هذه الممارسات تعبّر للأسف الشديد عن حقيقة ما يضمره رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي وما يمارسه على الأرض العراقية وحتّى في سوريا.
كلّ ما يدور في المنطقة يدعو إلى القلق وإلى تحمّل القيادات التي تمتلك حدّا أدنى من المنطق مسؤولياتها. سبق للسعودية أن اتخذت مواقف لا لبس فيها من الإرهاب والإرهابيين. كانت في طليعة من دان «داعش» ووصفها بالتنظيم الإرهابي. لم تتردّد في اتخاذ الموقف الواجب إتخاذه من الإخوان المسلمين الذين كادوا أن يضعوا مستقبل مصر وشعبها في مهبّ الريح. لم تتوقف السعودية عند التفاصيل. قدّمت كلّ ما يجب أن توفّره من مساعدات دعما لـ«ثورة الثلاثين من يونيو» التي اعادت مصر إلى المصريين. كانت تعرف تماما أن ليس في الإمكان ترك مصر تحت رحمة المزاج الأميركي والغربي. كان الدعم السعودي والإماراتي والكويتي والأردني لمصر دليلا على أن العرب الواعين قرّروا أخيرا الدخول جدّيا في خوض الحرب على الإرهاب. لم يأبه هؤلاء بالشعارات الجميلة من نوع «المقاومة» والممانعة»، التي تبيّن أنّها مجرّد شعارات حقّ، ظاهرا، يراد بها باطل في واقع الحال. وضعوا شعارا عمليا هو: «الحرب على الإرهاب أوّلا» في الواجهة.
قبل ذلك، لم يكن هناك تردّد من أي نوع كان في دعم الشعب السوري في ثورته على الظلم والطائفية اللذين يجسدّهما النظام القائم والذين يدعمونه بالمال والرجال والسلاح ويشاركونه في ذبح شعبه. ليست كلمة الملك عبدالله سوى دليل على وجود وعي عميق لوجود من يريد الإلتفاف على ثورة الشعب السوري وتحويل الضحيّة إلى مجرم والمجرم إلى ضحية. ليس سرّا من خلق «داعش» ومن استغلّها في البداية لضرب «الجيش السوري الحرّ» قبل أن ينقلب السحر على الساحر السوري، ثمّ، في مرحلة لاحقة، على الساحر الإيراني في العراق.
ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في غزّة جزء لا يتجزّأ من ظاهرة الإرهاب التي تجتاح العالم والتي استغلتها اسرائيل لإرتكاب المجازر. في هذا المجال قال الملك عبدالله إنّ «كلّ ذلك يحدث تحت سمع المجتمع الدولي وبصره بكلّ مؤسساته ومنظماته. هذا الصمت ليس له أيّ تبرير. إنّ ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف رافضا السلام ومؤمنا بصراع الحضارات لا بحوارها».
من راهن على الإرهاب وعلى «اختطاف الإسلام»، سيكون «أوّل ضحايا الإرهاب». تلك رسالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي بادر قبل عشر سنوات إلى انشاء «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب». أطلق صيحته في وجه الإرهاب باكرا. لسوء الحظ، لم يوجد من يريد خوض الحرب على الإرهاب بشكل جدّي، خصوصا بعدما غرقت الولايات المتحدة في المستنقع العراقي وسارعت إلى الخروج منه تاركة هذا البلد العربي المهمّ في عهدة ايران ورهانها على التصعيد ذي الطابع المذهبي خدمة للأهداف السياسية التي تسعى إلى تحقيقها.
نعم، من حقّ الملك عبدالله الشعور بـ«خيبة» بسبب «عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل جدّي مع انشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب».
يشكّل الكلام الأخير لخادم الحرمين الشريفين، الذي يضع الحرب على الإرهاب في أولوية الأولويات، خطوة على طريق تأكيد أنّ المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تتهاون في التصدّي لهذه الظاهرة. صارت الحرب على الإرهاب وعلى المتاجرين بالإسلام الذين يشوّهونه في صلب سياستها. ستفعل ذلك بغض النظر عن مدى انخراط المجتمع الدولي معها في هذه الحرب.
هناك بكلّ بساطة مجموعة عربية، على رأسها السعودية، تعي تماما أنّ لا خيار آخر أمامها سوى خوض الحرب على الإرهاب. كان دعم مصر بمثابة تأكيد لهذا التوجّه. فالمسألة ليست مسألة مرتبطة بتبادل وجهات النظر في شأن الإرهاب والمتاجرة بالدين ومدى خطورتهما. المسألة باتت مسألة تمسّ كلّ دولة، كما تمسّ المستقبل العربي ككلّ والمنظومة الأمنية في الإقليم.
بات هناك من يرفض الإستسلام للإرهاب، فيما هناك من هو مستعد لمساومات معه. هذا ما ترفضه السعودية، وهذا ما يبدو أنّه في صلب كلمة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي رفض دائما كل انواع المناورات وكلّ إلتفاف على المبادئ التي آمن بها وعمل دائما من أجلها.