“لن يستطيع الرئيس بشار الأسد، بعد تمديد ولايته بقرار منه، أن يصنع واقعاً جديداً ويبدل مسار الأحداث ويستعيد سوريا ويفرض سيطرته الكاملة عليها مجدداً وينهي الثورة الشعبية ويفلت من طوق العزلة العربية – الإقليمية – الدولية الواسعة وغير المسبوقة المفروضة عليه وعلى نظامه ويضع تالياً حداً للحرب ويبدأ مسيرة البناء والإعمار وإخراج البلد من محنته الهائلة وإعادة الأوضاع فيه طبيعية. فبقاء الأسد في السلطة، بعد انتخابات أشرف نظامه على كل مراحلها ووصفتها الأمم المتحدة والغالبية العظمى من الدول بأنها زائفة ورفضت الاعتراف بنتائجها، ليس مكسباً لسوريا دولة وشعباً ومجتمعاً، وليس هزيمة للثوار والمعارضين ولن يعزز مواقع الروس والإيرانيين حلفاء دمشق في مفاوضاتهم مع الدول الغربية والإقليمية المؤثرة والمعنية بهذه القضية”. هكذا لخص مسؤول أوروبي بارز الموقف بعد التمديد للأسد استناداً الى حصيلة المشاورات بين باريس وواشنطن وعواصم غربية وإقليمية معنية بالملف السوري. وركز المسؤول في هذا المجال على الأمور الرئيسية الآتية:
أولاً – بقاء الأسد في السلطة هو في الواقع عقاب لسوريا وللسوريين أياً تكن انتماءاتهم لأنه يعني تواصل حرب ألحقت الكوارث وتحولت مأزقاً للبلد وللشعب وللنظام ذاته لأن الرئيس السوري لن يستطيع أن يحسمها لمصلحته ولن يستطيع وقفها إذ ان ذلك يعني نهاية حكمه، وليس قادراً، في الوقت عينه، على معالجة تداعياتها ونتائجها. وقد أدت الى تشريد ما يقارب نصف الشعب في الداخل والخارج والى دمار وخراب هائلين والى وقوع خسائر تتجاوز 400 مليار دولار استناداً الى تقويم الخبراء الدوليين والى سقوط أعداد ضخمة من القتلى والمصابين. والنظام عاجز عن توحيد الشعب مجدداً وعن إعادة البناء والإعمار إذ ليس ممكناً تحقيق ذلك من طريق القوة والإكراه والقمع.
ثانياً – لن يستطيع الأسد أن يستغل مع حلفائه تمديد ولايته من أجل أن يفرض على الثوار والمعارضين والدول الداعمة لهم الحل السياسي الذي يريده والقاضي ببقاء نظامه، وهذا مرده الى عاملين: الأول ان بقاء النظام ليس مرتبطاً بالإنجازات العسكرية التي يمكن أن يحققها في بعض المواقع في مقابل فقدانه السيطرة على أكثر من نصف المناطق، بل إنه مرتبط أساساً بقدرته على الإمساك بالبلد مجدداً وحل مشاكله الهائلة التي تشمل كل القطاعات والمجالات. والنظام عاجز عن تحقيق ذلك. الثاني ان الدول الغربية والإقليمية المؤثرة الداعمة للثورة على اقتناع تام بأن إنقاذ سوريا يتطلب تغييراً جذرياً يحقق التطلعات المشروعة للشعب بكل مكوناته مما يجب أن يؤدي الى إنهاء حكم الأسد ونقل السلطة الى نظام جديد تعددي تكرسه إنتخابات نيابية ورئاسية حقيقية حرة وشفافة يقرر فيها السوريون مصيرهم بأنفسهم.
ثالثاً – تمديد الولاية ليس هزيمة للثوار والمعارضين لأنه لن يبدل شيئاً ولن يعيد الى الأسد الشرعية الحقيقية التي فقدها ولن يدفع أي دولة مهمة معادية له الى مد جسور الحوار والتفاهم معه. الواقع ان الثورة الشعبية ألحقت هزائم جوهرية بالنظام إذ انها أحدثت اهتزازاً عميقاً في بنيته وتركيبته وأفقدته القدرة على حكم البلد فعلاً وقلبت الأوضاع جذرياً فبات من المستحيل العودة الى مرحلة ما قبل انطلاق حركة الاحتجاج والى صيغة الحكم السابقة. وأظهرت الثورة وجود شعب محتج يتمسك بمطالب مشروعة فبات يستحيل إيجاد حل سياسي حقيقي شامل للأزمة من غير مشاركة الثوار والمعارضين في إنجازه.
رابعاً – تمديد الولاية لن يحقق مكاسب حقيقية للروس وللإيرانيين إذ انهم عاجزون وحدهم عن إيجاد حل سياسي حقيقي للأزمة بل انهم مضطرون الى التعاون مع الدول الغربية والإقليمية المؤثرة المعادية للأسد من أجل وقف الحرب وإنجاز الاستقرار مما يتطلب منهم أن يدفعوا ثمناً سياسياً يقضي بالموافقة على نقل السلطة الى نظام جديد. وإذا لم يدفعوا هذا الثمن فإن الحرب ستتواصل من غير أن يتمكن الأسد من حسمها لمصلحته. واستناداً الى المسؤول الأوروبي، فإن مسؤولاً عربياً بارزاً صارح مبعوثاً إيرانياً بقوله: “إذا كنتم قادرين فعلاً على الانتصار في سوريا وحسم المعركة لمصلحتكم فافعلوا ذلك من غير المطالبة بالتعاون معنا. أما إذا كنتم واقعيين وتدركون انكم عاجزون عن تحقيق الحسم والنصر وتريدون فعلاً وقف الحرب وإنقاذ البلد من طريق التعاون الجدي مع الدول المؤثرة فإن الثمن المطلوب معروف وهو العمل على إحداث تغيير جذري لمصلحة الشعب السوري بكل مكوناته مما يتطلب تغيير نظام الأسد”.