لا تزال الساحة المحلية الرخوة تعيش مقولة «البلد الممسوك وغير المتماسك» في الوقت الذي بلغت فيه لعبة الامم الذروة، من خلال المخطط الجهنمي المندفع في المنطقة حيث تم تدمير سوريا الدولة لينتقل الامر الى العراق بعد اجتياح «الدولة الاسلامية في العراق والشام» كافة المناطق السنية بدعم ومشاركة من العشائر العراقية وفلول جيش صدام حسين.. لتعلن «دولة الخلافة» وتفتح ابواب تقسيم المنطقة على مصراعيها، حيث تبرز في الواقع الميداني العراقي بحسب اوساط مسيحية قيام ثلاث دول سنية وشيعية وكردية ستبقى متناحرة الى ان يقدّر الله امرا كان مفعولاً، وما الاجتياح السريع «لداعش» على الاراضي العراقية الا دلالة دامغة على ان التنظيم التكفيري يعمل وفق اجندة اميركية – اسرائيلية بامتياز بمباركة تركية ويؤكد ذلك ان اول شحنة نفط وصلت الى اسرائيل من اقليم كردستان كانت عبر الاراضي التركية، حيث ان انقرة تسعى لقطف ثمار «داعش» لتحقيق احلامها الامبراطورية بعودة الدولة العثمانية كحل لمشاكل المنطقة الطائفية والاتنية التي قسمها اتفاق سايكس – بيكو.
وتضيف الاوساط ان ما حصل في العراق جاء ضمن مخطط اميركي اسرائيلي يهدف بالدرجة الاولى الى كسر الهلال الشيعي وقطع الطريق بين طهران ودمشق وبيروت، لا سيما وان الادارة الاميركية كانت على علم مسبق باجتياح «داعش» للموصل وبقية المحافظات السنية، ولم تحرك ساكناً حتى الآن لتعمم الرعب في المنطقة من محيطها الى خليجها باستعمال اسلوب «البعبع» لتصبح الانظمة اكثر طواعية للاملاءات الاميركية ولمصالح واشنطن.
ووسط، المشاهد القاتمة والاكثر سوداوية على صعيد المجريات العراقية، فان الساحة المحلية الهشة تبدو الاكثر تأثراً بالحدث العراقي تقول الاوساط الذي طغى على المعارك في سوريا، وتجلى الامر بالكوابيس الامنية حيث تخوض الاجهزة اللبنانية حرباً استباقية ضد الارهاب بعدما قررت «داعش» نقل حربها الى الساحة المحلية بهدف خلق بيئة حاضنة لها مراهنة على الاحتقان المذهبي الذي بلغ الذروة، وسط الكلام عن اعادة ترسيم حدود الدول المستولدة في العراق وسوريا حيث يروج تقسيم الاخيرة الى دويلات علوية ودرزية والحاق الرقة ودير الزور بدولة الخلافة التي اعلنها ابو بكر البغدادي.
وتقول الاوساط ان الدولة العلوية وفق ما يروج ستمتد من الساحل السوري مرورا بمحافظة حمص وصولا الى دمشق بينما الدولة الدرزية ستربط جبل العرب بسوريا عبر الجولان وحاصبيا امتدادا الى جبل لبنان الدرزي، وما يشاع يثير هواجس المسيحيين حيال مصيرهم الوجودي في الشرق حيث لم تنس الذاكرة المسيحية عروض المبعوث الاميركي في السبعينات دين براون بترحيل المسيحيين اللبنانيين الى الغرب عبر الاساطيل الاميركية ورفض «الجبهة اللبنانية» انذاك الامر وقد ابلغوا براون ان لبنان سيكون مقبرة للثورة الفلسطينية التي نجحت بالسيطرة على 80% من الاراضي اللبنانية، وربما عروض براون هي من خلقت هاجس اقامة دويلة مسيحية عملت «القوات اللبنانية» على انشائها، واصبحت واقعا في الميدان ابان قيادة الدكتور سمير جعجع الذي عمل على انجازها من خلال استحداث، «مطار حالات» وبناء جيش مسيحي مزود بالمدرعات وبالمدفعية الثقيلة، وسعى آنذاك الى شق «اتوستراد القمم» لربط الخزان المسيحي في عكار بجبل لبنان المسيحي عبر وصل جرود بشري بجرود القبيات الا ان حروب «الالغاء» والصدام بين «القوات» وجيش العماد ميشال عون والتغيير في المعادلات الاقليمية والدولية حال دون ذلك.
ولعل اللافت انه وعلى الرغم من كابوس المسيحيين الوجودي والشغور الذي ضرب الموقع المسيحي الاول في الدولة لا يزال بعض اقطابهم يتناحرون حول جنس الملائكة الرئاسي وكأن البلد جزء لا يتجزأ من اوروبا، في وقت تسرح فيه السيارات المفخخة ويهدد «احرار السنة» باحراق «كنائس الشرك» ناهيك بما يحصل في طرابلس على ايدي غرباء يسعون الى فرض واقع جديد على المدينة من خلال استهداف الجيش اللبناني، اضافة الى بؤر الارهاب في سجن رومية ومخيم «عين الحلوة» حيث معاقل التكفيريين.