بات واضحاً للجميع أنّ منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة جديدة ومختلفة في ضوء التطوّرات الكبيرة التي تشهدها الساحة العراقية.
وفيما التضارب قائم حول تقويم الاتجاهات التي ستسلكها الاحداث بين قائل إنّ الحرب الأهلية وقعَت، وآخر أنّه أضحى للمتطرفين دولتهم القائمة والتي ستهدّد استقرار كلّ دول المنطقة، وثالث أنّ حدود سايكس – بيكو انهارت بعد التواصل الكامل الحاصل بين الوسطين العراقي والسوري، فإنّ الثابت هو أنّ الهلال الشيعي الذي عملت عليه إيران طويلاً ودفعت من أجله أثماناً باهظة في الحرب التي شهدتها سوريا، تلقّى ضربة موجعة في العراق، حيث بات التواصل الجغرافي صعباً ما بين طهران وشاطئ البحر الابيض المتوسط.
والواضح أنّ إيران تجري مراجعة سريعة لتقويم الأضرار التي لحقَت بمصالحها الحيوية في المنطقة، ووضع خطة مواجهة وسط خيارات محدودة تُراوح ما بين حماية مكاسبها التي حقّقتها في المفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية وبين إعادة إطلاق عجلتها الاقتصادية.
في المقابل تبدو واشنطن واثقة من انّ المفاوضات الجارية بينها وبين طهران لن تتأثّر كثيراً، بحيث إنّ التسوية بينهما سترى النور قريباً. طبعاً لا احد يخفي أنّ الواقع العراقي الجديد سيدفع في اتّجاه دَوزنةِ بعض جوانب هذا الاتفاق بسبب موازين القوى الجديدة، إلّا أنّ هذا شيءٌ وإنجاز التسوية شيء آخر.
كذلك لن تتأخّر روسيا في تنفيذ تحرّكها، وهي التي تعتبر نفسَها مستهدَفة مباشرة في مصالحها الأمنية الحيوية. تكفي الإشارة الى الترابط القوي القائم ما بين المجموعات المتطرفة وإسلاميي الشيشان، إضافةً الى الجمهوريات الأُخرى حيث الحضور الإسلامي الكبير.
كل ذلك أعاد رفع مستوى الجهوز العسكري في سوريا، والأمني في لبنان، على قاعدة الترابط الوثيق القائم بين شعوب الهلال الخصيب. صحيحٌ أنّ القرار بمهاجمة الأوكار التي يتمركز فيها المسلحون الإسلاميون في المناطق الجردية الواقعة قرب الحدود السورية – اللبنانية كان قد اتُّخذ قبل تطوّرات العراق، إلّا أنّ ما جرى ضاعفَ من أهمّية تلك الخطوة، وهو ما سيصيب لبنان بتأثيراته المباشرة.
فبعدما نجحَ الجيش السوري، ومعه حزب الله، في السيطرة عسكرياً على بلدات وقرى منطقة القلمون، لجأ المسلحون الى المغاور وجرود المنطقة وهي القريبة من الحدود البنانية، حيث أنشأوا قواعد جديدة لهم. وتُقدّر أعداد هؤلاء بما بين ستة إلى سبعة آلاف مسلّح. في المقابل تمكّن الجيش اللبناني من تضييق الخناق على طرق التواصل التي كانت قائمة ما بين جرود عرسال وجرود القلمون، ما دفعَ المسلحين المتطرفين الى التمركز في اماكن اخرى على الحدود اللبنانية في منطقة البقاع. وهذا سيعني أنّه مع بدء العملية فإنّ تسريب أعداد من هؤلاء إلى الداخل اللبناني أمرٌ واردٌ بقوّة.
في هذا الوقت سُجّل تحرّك بعض الخلايا النائمة في الداخل اللبناني على وقع التطوّرات الإقليمية الحاصلة، في محاولةٍ لاستعادة صورة التفجيرات الأمنية التي طاولت لبنان العام الفائت.
الأوساط الديبلوماسية الغربية التي تواكب من قرب الواقع الامني في لبنان، كانت في أجواء معلومات تشير الى وجود نيّة بتنفيذ اعتداء إرهابي يطاول إحدى مستشفيات الضاحية الجنوبية (وهو ما كانت «الجمهورية» قد أشارت اليه منذ اسبوعين). وخلال اليومين الماضيين استكملت هذه المعلومات لدى الاجهزة الامنية الرسمية، والتي أشارت الى تحرّك إحدى الخلايا النائمة التي ما تزال تخبّئ أربع سيارات كانت فُخِّخت سابقاً في القلمون ونُقِلت إلى لبنان لتنفيذ اعتداءٍ إرهابي يطاول مستشفى الرسول الأعظم أو مستشفى بهمَن، بغية إلحاق أكبر مقدار من الأذى والأضرار والضحايا.
هذا في وقت بدت فيه الخطط التي كانت قد وُضعت سابقاً لضبط اوضاع المخيّمات قد وصلت الى نتائج إيجابية. فإضافةً إلى تنفيذ رقابة أمنية على مخيّمي برج البراجنة وشاتيلا، نجحَت الاطراف المهتمة في الإمساك بمخيّم الميّة وميّة. إلّا أنّ الخطورة تبقى في مخيّم عين الحلوة حيث تتولّى الاجهزة الرسمية اللبنانية مهمّة التواصل مع مختلف القوى لتنفيذ رقابة تسمح بضبط العناصر المتطرّفة التي يتردّد أنّها كانت قد أنشأت مراكز قيادة لها، خصوصاً بعد وصول فلسطينيّي «مخيّم اليرموك» إليها، تتواصل مباشرةً مع قيادات التنظيمات المتطرّفة في سوريا والعراق ومع الخلايا النائمة في الداخل اللبناني.
وعلى الرغم من كلّ هذه المخاطر، فإنّ السفارات الغربية المهتمة تفصيلاً بالواقع الأمني في لبنان، تَعتبر أنّ الوضع «مقبول ولا بأس به حتى الآن» قياساً إلى الظروف التي تمرّ بها المنطقة، لكنّ الأهم أن يبقى كذلك.