IMLebanon

المواجهة الحادّة بين برّي و”المستقبل”: ما الخلفيات؟ ولماذا أخفقت وساطة جنبلاط؟

منذ نحو خمسة أيام ورئيس مجلس النواب نبيه بري يعبر يومياً عبر رسائل صحافية عن استياء عارم من السلوك السياسي لتيار “المستقبل” الى درجة انه نعى حواراً بدأه قبل أيام مع هذا التيار بدعم من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

واضح ان بري راهن على امكان أن يفضي هذا الحوار الى إعادة كتلة نواب التيار الى حلقة التشريع والفعل في المجلس النيابي المعطل بغية أن يستعيد هذا المجلس حيويته المفقودة.

ولهذه المعركة الشرسة التي قرر بري ان يخوضها بغية منع تحويل المجلس النيابي مؤسسة متقاعدة، جذورها وفلسفتها وأبعادها الحاضرة والمستقبلية لدى كلا الطرفين، تجعلهما بالتالي “يعجزان” أو يقصران عن ايجاد قواسم مشتركة تضع حداً لهذا السجال، خصوصاً ان رئيس المجلس قرر أن يخوض هذه المعركة حتى خواتيمها.

لم يعد خافياً ان كل الاطراف السياسية على ضفتي 8 و14 آذار تتصرف على أساس ان الشغور الرئاسي مديد، وان حدود المناورة في هذه المسألة تكاد تعادل صفراً، وعليه صار عنوان المعركة السياسية منذ نحو شهرين يتمحور حول أي من المؤسسات الرئاسية الثلاث تبقى فاعلة وتمتلك الحيوية، وتمسك استطراداً بناصية القرار السياسي الاول في البلاد.

الرئيس بري كان السباق في هذا المجال، فسارع مبكراً كما هو معلوم، الى محاولة “تشريع” العمل التشريعي في المجلس في ظل الشغور الرئاسي الأمر الذي لم يلق قابلية لدى فريق 14 آذار وبالتحديد لدى عصبه الاساسي أي تيار “المستقبل” الذي سعى جهاراً الى تعطيل هذا المسعى متكئاً على معطيات وأسانيد متعددة أبرزها:

– ان كل القوى المسيحية الممثلة في مجلس النواب، بما فيها المحسوبون على حلف بري السياسي، لم يكونوا أصلاً متحمسين لتوجه بري، وقد صارت تفاصيل السجال بين بري وتكتل “التغيير والاصلاح” برئاسة العماد ميشال عون حيال هذا الموضوع معروفة، وكادت توتر العلاقة بينهما قبل أن يستدرك عون الامر ويرأب الصدع بفعل تدخل سعاة الخير وفي مقدمهم النائب السابق ايلي الفرزلي.

– الاكيد ان “المستقبل” يتسلح ببند دستوري جوهره انه في حال الشغور يتحول دور المجلس الى هيئة ناخبة فقط لرئيس الجمهورية. وهو أمر اعترض عليه بري ومعه جمهرة من الدستوريين.

– نشر “المستقبل” مناخاً فحواه ان بري يريد فرض نظام مجلسي على حساب الطائف.

– في هذا الخضم يستظل تيار “المستقبل” بتوجه مماثل من جانب مرجعية بكركي التي تجاهر وبشكل يومي باصرارها على انتخاب رئيس جديد للحيلولة دون اضعاف المنصب المسيحي الاول في رأس هرم السلطة.

وعموماً بذل تيار “المستقبل” جهداً مركزاً بغية ترسيخ أسس معادلة سياسية جديدة عمادها الآتي: شغور الرئاسة الاولى ينبغي أن يقابله تعطل الرئاسة الثانية. وفي مقابل هذه المعادلة الصعبة يبدو جلياً ان “المستقبل” يراهن على أن يبقى الميدان مفتوحاً امام حكومة تمام سلام لتأخذ هي وحدها بزمام صلاحياتها وصلاحيات الرئاسة الأولى وتشرع في رحلة تصريف اعمال مهما طالت فترة الشغور الرئاسي.

ولا شك في أن “المستقبل” ينطلق في هذه الفرضية من مسألة أساسية هي حاجة جميع الأفرقاء من دون استثناء لاستمرار الحكومة الحالية والحؤول دون فرط عقدها.

وبناء على ذلك دارت منذ بداية الشغور، بل قبلها بفترة، معركة عض اصابع بين بري و”المستقبل” كانت في المراحل الأولى بعيدة عن الأنظار، لكنها صارت في الأيام القليلة الماضية معلنة لا سيما بعدما سقطت وساطة جنبلاط من جهة، وبعدما يئس بري من التوصل إلى تفاهم وقواسم مشتركة مع رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة، خصوصاً أن رئيس المجلس تصرف في بعض المراحل على اساس ان الأمور يمكن ان تسلك مع “المستقبل” مهما طال الكباش في حين أن السنيورة كان، وفق مصادر مقربة من عين التينة، يسعى دائماً الى تشريع “المخالفات” التي جرت ابان حكومته الأولى وبالتحديد عندما كان الثنائي الشيعي خارجها، لكن جهوده لم تجد الصدى المطلوب لدى سيد المجلس النيابي.

ولم يعد خافياً ان بري قد بلغ اليأس به مبلغاً كبيراً دفعه الى ركوب المركب الخشن أخيراً وبالتحديد عندما خرج وزير المال علي حسن خليل على الاعلام ليعلن صراحة أن لا رواتب للقطاع العام ما لم يأخذ تشريعاً قانونياً من المجلس لكي يواصل الصرف والانفاق، لأن فقدان هذا التشريع معناه ان يمضي قدماً في مخالفة لن يسير إليها بقدم ولن يخط فيها بقلم. وقرن خليل هذا الأمر بموضوع تشريع من المجلس يبيح اصدار سندات خزينة بالأوروبوند. إذن من مدخل المال العام ومن الباب الأكثر اهمية وهو رواتب مئات آلاف الموظفين، ولج بري هذه المرة إلى ميدان “المكاسرة” مع الفريق الآخر، وهذا يعني انه قرر الذهاب في معركة عض الأصابع إلى النهايات القصوى، خارجاً عن حدود نص السلوك السياسي المعروف عنه. لذا فالسؤال المطروح بإلحاح: “كيف ستنتهي الأمور ما دام الضرب قد تجاوز الى المناطق المحرمة.

بالطبع المواجهة صعبة وقاسية ولا يملك أحد الجواب القاطع، الا ان الدعوة إلى انتظار فصول أخرى من التأزم توقف لغة الكلام والتفاوض خصوصاً ان جنبلاط يوشك أن يرفع يديه استسلاماً وقنوطاً.