أعرب مسؤول كنسي عن أسفه، بل عتبه الشديد على النواب الذين قاطعوا جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، ولا سيما منهم الموارنة، لأنهم ارتكبوا بذلك خطيئة مميتة وأعطوا المثل السيئ للآخرين كي يفعلوا مثلهم عند كل استحقاق تحقيقا لأهداف داخلية أو خارجية بحيث تصبح المقاطعة قاعدة وليس استثناء، فتدخل البلاد في كل استحقاق خطر التعطيل والفراغ المفتوحين على فوضى عارمة وعلى شتى الاحتمالات. فعوض أن يُصنع رئيس الجمهورية في لبنان كما أكد كل القادة، فان المقاطعة قد تجعل الرئيس يُصنع في الخارج وعلى قياس مصالحه وعلى حساب مصالح لبنان وكأنهم لم يكونوا كلهم صادقين في ما أكدوه.
وأضاف المسؤول الكنسي أنه يجب على القادة الموارنة ان يتفقوا على مرشح واحد ليجعلوا الشريك المسلم يقترع له، خصوصا أن هذا الشريك أعلن انه مع المرشح الذي يتفق عليه المسيحيون، ولكن عندما لا يتفقون فان الخيار يقع عندئذ على المرشح المقبول من القوى السياسية الاساسية في البلاد او من غالبيتها وإن اعتبره البعض ضعيفا، مع ان الضعيف يصبح قويا بتأييد كل القوى له والقوي يصبح ضعيفا وإن كان قوياً في طائفته.
لقد تبين من دورة الاقتراع الاولى ومن الاتصالات بالقوى الأساسية ان لا نواب 8 آذار ينتخبون مرشح قوى 14 آذار، ولا نواب 14 آذار ينتخبون مرشح قوى 8 آذار إلا اذا كان الحوار الذي لا يزال مفتوحا بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري سينتهي الى نتائج كما يظن البعض، وهو ما أشار اليه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته لمناسبة عيد المقاومة والتحرير ووصفه بالجدي، وكأن اعلان ترشيح العماد عون للرئاسة يتوقف على جواب نهائي من الرئيس الحريري، وهو جواب لم يصدر حتى الآن، وكل ما صدر هو عن قريبين منه بالقول إن ليس الحريري من يقرر عن مسيحيي 14 آذار وإن على العماد عون أن يتفاهم معهم، وهذا معناه أن لا تفاهم إلا اذا حصلت معجزة أو حصلت تطورات اقليمية قضت بترشيح العماد عون وكان لهذا الترشيح ثمن يدفعه “حزب الله”، ولا شيء يدل حتى الآن على أن الحزب هو في وارد دفعه، أي الموافقة على وضع سلاحه في كنف الدولة والانسحاب من الحرب السورية تمهيدا لتنفيذ “إعلان بعبدا” عندما يقول السيد نصرالله بصوت مرتفع: “إن المقاومة لا تحتاج الى من يحميها إنما هي التي تحمي نفسها وتحمي الدولة والشعب ولبنان والكيان” الخ…
لذلك، على القادة الموارنة عندما يتبين لهم ان لا حظوظ لأي مرشح حزبي يوصف بالقوي بالفوز بالرئاسة الاولى، لأن الشريك المسلم يفضل مرشحا مستقلا يكون مرشح تسوية، أن يتفقوا على تسمية هذا المرشح ولا يتركوا لأي خارج تسميته، واذا لم يتفقوا فان عليهم أن يحتكموا لصندوق الاقتراع ولا يظلوا ينتظرون محاولات التوافق على مرشح مقبول من الجميع، حتى اذا لم يحصل يستمر الشغور في أعلى منصب في الدولة الى أجل غير معروف.
وتساءل المسؤول الكنسي: أليست هي المرة الثالثة التي يحصل فيها شغور رئاسي بسبب تعطيل النصاب وعدم الاتفاق، ولو عُرفاً، على اجراءات تمنع حصوله وذلك بجعل حضور النواب جلسات انتخاب الرئيس الزاميا لأنها ليست جلسات مشاريع يمكن تأجيل بتها؟ ففي عام 1988 استمر شغور الرئاسة الأولى سنتين ولم يتم ملؤها الا بعد حرب داخلية توقفت عند اقرار اتفاق الطائف وانتخاب رينه معوض رئيسا للجمهورية، وقد شغر موقعه باغتياله فخلفه الرئيس الياس الهراوي، وفي عام 2007 كان الشغور الرئاسي الثاني الذي استمر اكثر من ستة أشهر، وأدت أحداث 7 ايار الشهيرة الى عقد مؤتمر الدوحة الذي فرض على جميع القادة حلولا أخرجت لبنان من الشغور الرئاسي والحكومي والمجلسي وإن كانت مخالفة للدستور.
والسؤال الذي يثير قلق الناس هو: متى يخرج لبنان من الشغور الثالث وكيف؟ هل يعود القادة الى وطنيتهم وضمائرهم ويتفقون على مرشح واحد أو على لائحة مرشحين يتولى صندوق الاقتراع غربلتهم واعلان فوز من ينال الاكثرية المطلوبة، وهو ما تقضي به الممارسة الديموقراطية الصحيحة ولا يظل الوقت يضيع في البحث عن مرشح تسوية قد لا يتم التوصل الى اتفاق على اختياره، فيتولى الخارج عندئذ اختياره كما حصل في انتخابات رئاسية سابقة، خصوصا أن لا أحد يعرف أي خارج سيصنع الرئيس وهل يحتاج اختياره الى أحداث شبيهة بأحداث 7 أيار يدفع لبنان مرة أخرى ثمنها غاليا؟ وهل يكون الاختيار لمصلحة أي من المحورين المتصارعين ويكون في هذا الاختيار غالب ومغلوب، أم تكون الفرصة سانحة لاختيار رئيس لا يكون في اختياره غالب ومغلوب وذلك بالاتفاق على اخراج لبنان من صراعات المحاور خروجا نهائيا تطبيقا لـ”اعلان بعبدا” الذي لا بد من تطبيقه عاجلا أم آجلا لأنه السبيل الوحيد لاستقرار لبنان سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ولا يظل ثمة خوف على سيادته واستقلاله وكيانه؟
إن على القادة في حال لم يتفقوا على مرشح مقبول من الغالبية أن يحتكموا لصندوق الاقتراع أي للديموقراطية، ومنه يخرج الرئيس العتيد وبالمواصفات المطلوبة فيكون عندئذ من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج.