لا تُخفي بكركي قلقها من استمرار الشغور الرئاسي وإمكان امتداده واستفحاله، خصوصا مع الطروح التي تقترح إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، والتي يزيدها تعقيدا طموح الاقطاب الموارنة الاربعة في الوصول الى سدة الرئاسة واقتراحاتهم المتباينة لتسهيل الانتخابات الرئاسية. هذا القلق يعبّر عنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في كل مناسبة، ويدعو النواب الى النزول الى المجلس النيابي للانتخاب، وينبّه أعضاء المجلس من التشريع في ظل تقاعسهم عن إنجاز مهمتهم الاكثر إلحاحًا وهي انتخاب رئيس، والى جانبه كان تحرك المؤسسات المارونية بإتجاه الاقطاب الموارنة الاربعة، في محاولة لتقريب وجهات النظر حول الاستحقاق الرئاسي والذي لم يُفضِ الى النتيجة المرجوة. لذلك تسعى بكركي مجددا «إلى إطلاق عجلة مصالحة تبدأ بالبيت الماروني الداخلي تمهيدا لمصالحة وطنية شاملة»، على حد تعبير البطريرك الراعي، بما يتيح تأمين توافق ماروني ثم لبناني على رئيس للجمهورية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن الأمل بنجاح الاقتراح الجديد للبطريرك الراعي يبقى متفاوتا من قبل الاطراف المعنية، فالمثل السرياني القائل «إن الموارنة لا يمشون بالصف» يؤيده رئيس المؤسسة المارونية للانتشار الوزير السابق ميشال إده، بالقول «منذ مئات السنين الاتفاق بين الموارنة غير وارد، فهم من الناحية الاستراتيجية منحازون للبنان، أما في الحسابات الشخصية فمن الصعب التوصل الى اتفاق في ما بينهم لأن الحسابات الخاصة تطفو على السطح، وما يقوم به غبطة البطريرك هو محاولة لتسهيل الامور، لكن إذا أراد النواب تطبيق المادة 75 من الدستور فهم مجبورون على الاتفاق على إسم لرئيس الجمهورية، وهنا يتحمّل المجلس النيابي ورئيسه المسؤولية، فمنذ حصول الشغور الرئاسي تحول المجلس الى هيئة ناخبة عليها الاجتماع في جلسات متلاحقة لحين انتخاب رئيس جديد»، ويلفت إده الى ان «المؤسسات المارونية لن يكون لها تحرك إضافي غير التحرك الذي سبق أن قامت به، وبالتالي فهي ستستمر في تشجيع النواب على الانتخاب».
تجدر الاشارة الى أنه خلال جولة رؤساء المؤسسات المارونية الثلاث (المجلس الماروني العام والرابطة المارونية والمؤسسة المارونية للإنتشار) على الاقطاب الموارنة، تم تقديم اقتراحات للاتفاق على اسم رئيس مقبول من قوى 14 و8 آذار، لأنه، بحسب مصادر هذه المؤسسات، «لا يمكن التوافق على اسم من بين الاقطاب الاربعة، فكان جواب الاقطاب متماهيا مع موقف كل من قوى 14 و8 آذار من هذه الانتخابات». وتتمنى المصادر «أن يكون كلام بكركي عن مصالحة في البيت الماروني الداخلي خيرا لكنه برأيها «لن يعطي نتيجة، لأن الاقطاب الاربعة غير مقتنعين بتقديم تنازلات، والامور تحتاج الى مزيد من الجهد لإنضاجها، لن تألوا المؤسسات المارونية جهدا بالتعاون مع جميع الاطراف، للوصول الى هذا الهدف سواء أكانت داخلية أم خارجية «.
يوافق النواب والمقربون من الزعماء الموارنة الاربعة، على أن التوصل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يحتاج إلى مصالحة مارونية داخلية، بل إلى اتفاق سياسي عام بين الاطياف السياسية اللبنانية كافة، خصوصا أن بكركي سبق لها أن قامت بهذه المصالحة عند تسلم البطريرك الراعي سدة البطريركية، وفي هذا الاطار يلفت عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب فريد الخازن إلى أنه «كانت هناك محاولة لجمع الاقطاب الاربعة في بكركي، وتم تأجيل هذا اللقاء»، ويرى أن «أي اجتماع سيجري بين الاقطاب يجب أن يكون مثمرا، خصوصا أن بكركي لديها موقف مبدئي من الانتخابات الرئاسية والدخول في التفاصيل لا يعطي نتيجة، بمعنى أن هناك كلاماً صدر بالتواتر عن ان بكركي لديها مرشحين، فلا يمكن أن يكون لبكركي موقف مبدئي ويكون لديها مرشحون للرئاسة في الوقت نفسه، لأن التفاصيل تؤدي الى إشكالات وخصوصا أن الانتخابات الرئاسية يسودها الخلاف «.
ويعتبر الخازن «أن إجتماعاً جديداً للأقطاب الموارنة لا نتيجة منه وغير مثمر، فهو ليس لقاء تعارف وبالتالي علينا ان نعرف الى أين سيوصل»، ويضيف» أعتقد ان التواصل عبر قنوات موثوقة وبعيدة عن الاعلام أكثر جدوى، فالبطريرك له موقف يكرره والعماد عون لديه موقف أيضا، والموضوع ليس إنزال ورقة في صندوق الانتخابات بل موقف سياسي، والشروخ كبيرة حول الانتخابات الرئاسية، فما يحتاجه انتخاب رئيس في العام 2014 مختلف عن ظروف انتخاب رئيس في العام 2008 ( الذي تم بصفقة إقليمية ودولية) وفي عهد الوصاية السورية، وبالتالي فحوار عون الحريري لا بد منه في هذه الفترة لأنه إذا أدى إلى نتيجة يكون الامر إيجابيا على البلد وإذا لم يوصل الى ما نصبو إليه فلا ضرر منه، لأن انتخاب رئيس في هذه المرحلة يتم وسط تشنج طائفي ومذهبي داخليا وإقليميا، والاستقرار في ظل هذه الاوضاع أمر مهم وضروري، ولذلك تشكل الانتخابات الرئاسية مناسبة للحوار والتفاهم مع الذين لدينا خصومة معهم».
يؤكد الوزير السابق يوسف سعادة «أن الانقسام حول رئاسة الجمهورية سياسي وليس مارونياً، لأن الانقسام في البلد عمودي بين فريقين يضم كل منهما تلاوين طائفية متعددة، وبالتالي فالمسيحيون هم جزء من هذا الانقسام»، لافتا إلى أن «الجلوس للاتفاق على رئيس ليس سهلا لأن الانقسام في جزء منه سياسي، وفي حال تمت الدعوة مجددا من قبل بكركي، فموقف تيار المردة لن يتغير والممر الالزامي لأي اتفاق داخلي وإقليمي ودولي على الرئيس المقبل بالنسبة إلينا هو أن يكون له تمثيل شعبي وازن وإذا دعانا البطريرك الراعي إلى إجتماع يعتقد أنه سيؤدي الى نتيجة فسنعبّر عن هذا الرأي بوضوح»، مستبعدا «دخول بكركي في لعبة الاسماء» ومتمنيا أن «لا تطرح أسماء أخرى من خارج الاقطاب الاربعة».
ويوافق عضو الامانة العامة في قوى 14 آذار والقيادي في «القوات اللبنانية» إدي أبي اللمع على رأي سعادة بأن «بكركي لن تطرح أسماء لمرشحين لرئاسة الجمهورية، وقد عبّر البطريرك عن ذلك أكثر من مرة، لكن القوات اللبنانية مستعدة للمشاركة في أي اجتماع يمكن أن يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن «، لافتا إلى أن «القوات على تواصل مع بكركي بشكل متواصل، كما أن رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع طرح منذ أيام قليلة آلية حل للتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكنه لم يلقَ جوابا من الاطراف المعنية حتى الآن، وفي حال تم الاجتماع مجددا تحت مظلة بكركي، فإن القوات ستعاود طرح ما سبق أن اقترحه جعجع».
أما بالنسبة الى حزب «الكتائب» فهو «من حيث المبدأ يتجاوب مع اقتراحات بكركي» على حد تعبير وزير العمل سجعان قزي، مضيفا «نحن حريصون على التواصل والتنسيق مع بكركي لكن لم تصلنا الى الآن أي اقتراحات جديدة، لكن ما أريد التشديد عليه هو عدم وجود قطيعة مارونية، فالمصالحة تمت وجميع الاقطاب الموارنة يتواصلون مع بعضهم البعض، إما مباشرة أو عبر ممثلين عنهم وعبر اللجان التي انبثقت عن إجتماع بكركي الذي دعا إليه البطريرك الراعي في بداية توليه سدة البطريركية، وما يحصل اليوم هو خلافات سياسية على رئاسة الجمهورية، والحل هو نزول كل النواب الى المجلس النيابي لأن أي قطيعة هو جريمة بحق الوطن».