دفعت مخاطر التطرف التي تمثلت بإعلان دولة الخلافة الإسلامية وممارساتها الإرهابية من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، وتهجير الأقليات والاعتداء على المسيحيين خلال الأحداث التي حصلت في الموصل، بالإضافة إلى ممارسات الإرهاب في الرقة ودير الزور وصولاً إلى محاولة احتلال عرسال الفاشلة والتعويض عن الهزيمة بخطف عسكريين للجيش اللبناني، إلى التحرك على أكثر من صعيد من أجل تدعيم الوحدة اللبنانية رغم كل ما يحصل وما يحيط بهذا البلد من أخطار، ليس عن طريق اعتبار المسيحيين في لبنان أقلية، وطلب الحماية من أنظمة ديكتاتورية تدعي حماية الأقليات، فيما هي تمعن في قتل شعوبها ونحر كل من يتحرك مطالباً بالحرية، بل عن طريق الحوار لمواجهة التطرف والإرهاب وتجديد العلاقات الإسلامية المسيحية في المنطقة، بهدف تحريم وتجريم الاعتداء على المسيحيين وكنائسهم، وبهدف مواجهة الإرهاب وإطلاق حوار سني شيعي لمنع الفتنة ونبذ التطرف والغلو الذي يروّج باسم الدين الإسلامي وهو منه براء.
لا يشكك الأمين العام للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الشيخ خلدون عريمط «باعتبار ظاهرة التطرف والغلو ظاهرة مرضية في المجتمع، وهذه الأمراض التي يعانيها العرب الآن، ناتجة من سببين أساسيين، السبب الأول هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والسبب الثاني هو تمدد النفوذ الإيراني باتجاه المنطقة العربية. فالمسلمون في المنطقة العربية شعروا أن هناك أخطارا تهدد وجودهم، ولذلك بدأ المجتمع يفرز حالات مرضية، وهذه الحالات المرضية التي تمثلها «القاعدة» أو «النصرة» أو «داعش»، وإن كانت مرفوضة شرعياً وأخلاقياً ووطنياً، هي إفرازات طبيعية لما يحدث في المنطقة».
ويوضح: «إن تدخل «حزب الله» في سوريا، وتدخل إيران في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومعاناة المجتمع العربي من نسبة أمية عالية، كلها عوامل أدت إلى ما نحن عليه اليوم»، مشيراً إلى أن «هذه الظواهر «الداعشية» أو «القاعدية» أو «النصرية» تتم معالجتها ومعالجة أسبابها، لأن القضاء على «داعش» الآن، ويجب أن يقضى عليها، سيفرز في المجتمع «دواعش» أخرى متعددة ما دامت الأسباب التي أدت إلى هذه الحالات موجودة وقائمة».
ويشدد على ان «دور العلماء المسلمين والمراجع الدينية في منع ظواهر التطرف أساسي، ولا سيما في ترشيد الناس، والمساجد تلعب دوراً أساسياً في التوعية وفي إظهار الوجه الحقيقي للإسلام، فما تفعله «داعش» لا علاقة له بالإسلام، وما يفعله «حزب الله» و«الحرس الثوري» لا علاقة له بالتشيّع، فالحرس الثوري يسيء إلى التشيّع وإلى آل البيت و«حزب الله» يسيء و«داعش» و«النصرة» و«القاعدة» كذلك تسيء إلى الإسلام. الإسلام هو دين الرحمة ودين التعارف ودين التلاقي انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وقوله سبحانه وتعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن»، وقوله سبحانه وتعالى «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». هذا المدى الواسع للإسلام كعقيدة، أما قطع الأعناق وقتل الصحافيين والإساءة إلى خلق الله، فيسيء إلى حقيقة الإسلام وإلى رسالة الإسلام».
وعن الدعوات التي تصدر لحماية الأقليات واعتبار المسيحيين اقلية في المنطقة، وعقد مؤتمرات من أجل تأمين حماية لهم، يعتبر عريمط أن «المؤتمر الذي يجري تنظيمه تحت عنوان حماية الأقليات في الشرق الأوسط ويعقد في الولايات المتحدة، لا يمثل اللبنانيين، ففي لبنان والمنطقة العربية لا وجود لأقليات وأكثريات في عقلنا الإسلامي، نحن جميعاً أبناء أمة واحدة، منا من اعتنق الإسلام ومنا من اعتنق المسيحية، الأقليات تطلق على الجاليات، المسيحيون في لبنان وفي المنطقة العربية هم أبناء أمتنا وأبناء جلدتنا وأبناء قومنا وليسوا أقلية، وإنما هناك فئة من المواطنين اللبنانيين أو العرب اعتنقوا المسيحية، والمسيحية دين أنزله الله، كما أن الإسلام دين أنزله الله سبحانه وتعالى، هناك قسم اعتنق الإسلام في منطقتنا وقسم اعتنق المسيحية، أما كلمة الأقليات فلا يجوز إطلاقها على المسيحيين».
ويتابع: «في شرقنا العربي لا يوجد جاليات مسيحية أو أقليات، المؤتمر المنوي عقده لمساعدة مسيحيي الشرق هو مناسبة لتوضيح رسالة الإسلام، الذي احتضن المسيحية ودافع عنها منذ 1400 عام في كل العهود الأموية أو العباسية وحتى العثمانية، وإن كانت هناك اخطاء ارتكبت في نهاية العهد العثماني، اما العهود الاسلامية التي مرت في شرقنا العربي والاسلامي فكانت تحتضن المسيحية وتدافع عنها. وصية الخليفة الاسلامي الاول ابو بكر الصديق للجيش المقاتل الذي اتجه نحو بلاد الشام، وهي وصية مستمدة من النبي محمد عليه السلام «لا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة ولا اسيراً ولا تقطعوا شجرة». ويكمل «ستجدون اناساً في صوامعهم فدعوهم وما يعبدون»، كما كانت وصية الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما دخل الى القدس، وخط الوصية العمرية، والتي ما زال مسيحيو القدس يعتزون بالعهدة العمرية لسيدنا عمر بن الخطاب الذي دخل الى القدس فاتحاً، اذ اعطى الامان للمسيحيين وصلبانهم وكنائسهم واملاكهم، وطلب عدم ايذاء اي منهم، وان لا يقترب احد من كنائسهم، او يحاول الاعتداء عليهم، وهذه العهدة مكتوبة ومعلقة في كنيسة القيامة حتى الآن».
ويؤكد عريمط ان المؤتمر الاسلامي المسيحي الذي سيعقد في الأزهر الشريف في تشرين الثاني «امر جيد ويهدف الى تفعيل الصحوة الاسلامية، وأي مؤتمر آخر قد يعقد في مكة المكرمة او الرياض او القاهرة او اي بلد عربي او اسلامي، يجب ان يعالج مشكلات العالم العربي، لأن مثل هذه المشكلات لا تعالج في واشنطن ولا في لندن ولا في باريس، لأنها مشكلة عربية داخلية تحل بالتحاور بين ابناء الأمة وقياداتها وعلمائها».
ويرى ان على «المسلمين السنة العمل على نبذ التطرف، وعلى الشيعة ايقاف «الغلو» ونبش الماضي ووقف التحريض، لأن الصراع الآن اخذ منحى مذهبياً خطيراً، تستفيد منه اسرائيل، والمسيحيون في الشرق يدفعون الثمن، وهم ضحية التطرف والغلو، التطرف لدى مجموعة قليلة من المسلمين السنة، ولدى مجموعة لا بأس بها من الشيعة وغلوهم، ومحاولة اعادة المجتمع والأمة الى ما قبل 1400 عام، والمطلوب من كلا المجموعتين اتقاء الله، وان ننظر الى المستقبل، لا ان ننبش الماضي وسلبياته، والمطلوب من ايران اتقاء الله وعدم العبث بأمن المنطقة، وان لا تتوهم أنها قادرة على التحكم والسيطرة على المنطقة. داعش والنصرة هما البنتان البكر للنفوذ الايراني، ولمحاولة السيطرة الايرانية على المنطقة، ولتدخل «حزب الله» في سوريا والعراق وهيمنته على لبنان».
ويشدد على ان «القضاء على ظاهرة «داعش» لا تكفي، وانما يجب معالجة الاسباب لمثل هذه الظاهر المرضية، «حزب الله» ظاهرة مرضية، و«داعش» ايضاً، والنفوذ الايراني ظاهرة مرضية، فلا بد من معالجة كل هذه الظواهر سياسياً ودينياً وأخلاقياً».
من جهته، يقول الأمين العام للمجلس الاسلامي العربي العلامة السيد محمد علي الحسيني، انه لا يمكن ابدا النظر الى الاوضاع في لبنان بمعزل عن الاوضاع العامة في المنطقة، فنحن في مواجهة أقوى موجة من موجات التطرف الديني، ونحن ما ألمحنا ثيرا، أن التطرف الديني الذي قد أصبح وللأسف ظاهرة، تختبئ خلفه أهداف وغايات وأجندة إقليمية، وان واحدة من هذه الاهداف المرسومة هي المساس بالامن الاجتماعي لدول المنطقة ومن ضمنها لبنان»، معربا عن اعتقاده ان هناك «حاجة الى العمل لمعالجة هذا الموضوع وفق آلية واضحة تون في مستوى التهديد والخطر البير المحدق بالمنطقة ل».
ويشير الى ان هذه الآلية بطبيعة الحال، يجب أن تستند الى عدة رائز أهمها، التوعية الدينية والتأيد على روح التسامح والوسطية والاعتدال في الدين الاسلامي»، معتبرا ان المحاولات التي يجري الحديث عنها من مؤتمرات ولقاءات على أهميتها لا تكفي، كونها لا تمتلك عوامل النجاح الاساسية التي تحتاج الى أرضية يبنى عليها، لأن التطرف الديني، الذي للأسف ناد أن نراه وهو ينتقل الى أديان أخرى، يجب ان يواجه بمشروع فري يقضي على التطرف، ويحتاج الى تاتف وتعاضد بين رجال الدين من مختلف الديانات، ي يتم التنسيق للعمل ولمواجهة الخطر».
وقال: «هناك شروط لإنجاح المحاولات المبذولة لمواجهة الاوضاع المتوترة، والتي قد تقود المنطقة برمتها نحو الهاوية، أهم هذه الشروط، أن يتم العمل من أجل تحديد العوامل، والاسباب التي تقف خلف التطرف الديني ومن مختلف النواحي، والعمل على إعداد خطة أو منهاج عمل لمواجهة تلك العوامل، وصولا الى تحديد وتحجيم دورها. ما انه من الضروري عقد مؤتمر مفصل خاص للعلماء المسلمين من جانب، وللعلماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين من جانب آخر، لتسليط الاضواء على ظاهرة التطرف الديني وخطورتها وإرشاد الناس الى الخطورة التي تشلها هذه الظاهرة على البنية الاجتماعية والفكرية».