لم تستوعب الحكومة السلامية «النعمة» التي آلت إليها بعد تعذر انتخاب رئيس جمهورية بدل الرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان، فابتدعت العوائق أمامها مستنبطة في ذلك إشكاليات دستورية كي لا تمارس الصلاحيات التي أولاها لها الدستور في المادة 62 منه. ومن الإشكاليات التي ابتدعت وساهمت في ظهور العوائق، نظرية أن خلو سدة رئاسة الجمهورية تعطّل ممارسة مجلس النواب ومجلس الوزراء لصلاحياتهما!
ويبدو واضحاً أن مثل هذه النظرية لا تتوافق مع أحكام الدستور، لا بل تشكل خرقاً لنصوصه ومفاهيمه. فبعد تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد لا يمكن القول إن سدة الرئاسة قد خلت، باعتبار أن المشترع نص في المادة 62 ـ دستور على أن مجلس الوزراء يمارس صلاحيات الرئاسة وكالة حتى انتخاب الرئيس الجديد، وهذا ما يتوافق مع مبدأ دستوري ثابت يقول بعدم جواز حصول فراغ أو خلو في المؤسسات. فالحكومة عندما تستقيل أو تُقال تستمر في تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة، وإذا ما انتهت ولاية رئيس المجلس لأي سبب كان أثناء استمرار ولاية المجلس، تؤول صلاحيات الرئاسة إلى نائب الرئيس، وإذا ما انتهت ولاية عضو أو رئيس المجلس الدستوري أو ولاية هذا المجلس يستمر في ممارسة صلاحياته ريثما يتعيّن البديل، وهكذا.. فوفق هذا المبدأ يمكن القول ان لا رجل، مهما علا شأنه، يمكن أن يعطل غيابه مسار الدولة والحكم.
ويستند دعاة تعطيل ممارسة مجلسي النواب والوزراء في حال تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد إلى مقولتين: كونه ممثلاً لطائفة في الحكم، والميثاقية. ولكن انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء لا ينقل تلك الصلاحيات إلى طوائف أخرى، فالحكومة تتشكل بموجب المادة 95 مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ولهذا فإن «الوزارة الرئاسية» لا يمكن أن تتخذ قراراً أو إجراء من دون موافقة من وزراء طائفة صاحب الفخامة. وفي مطلق الأحوال، فالذين يعطلون الانتخاب الرئاسي هم كتل أو نواب من طائفة رئيس الجمهورية، والمواقف المعلنة تؤكد ذلك.
أما ذريعة تعطيل المؤسسات لعدم توافر الميثاقية في الحكم في حال تعذر انتخاب الرئيس، فهي مستغربة. فالدستور نصّ على أن النظام في لبنان برلماني ديموقراطي، وهذه هي القاعدة التي يُبنى عليها أي تفسير إلا ما استُثني منها بموجب نص صريح. فعندما لم يكتف المشترع بتوصيف أصول ممارسة النظام وقال ان لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، كان ذلك استثناءً لمبادئ النظام الذي حدده بوضوح. وكما أي استثناء، فإن التفسير لا يمكن أن يكون مفتوحاً بل يحتاج بالضرورة إلى تحديد الاستثناءات، وما لا يُحدد منها يبقى خاضعاً لمبادئ النظام السياسي المعتمد في الدولة، أي البرلماني الديموقراطي. ولهذا جاء النص في المادة 24 ـ دستور على المناصفة في عدد النواب بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين. كما نصت المادة 95 على تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة، وربما ما هو غير ذلك أيضاً من الاستثناءات التي لا تتوافق مع مبادئ النظام البرلماني الديموقراطي المعتمد بموجب النص الدستوري. ولهذا فإن إقحام الميثاقية لتعطيل العمل بموجب المادة 62 ـ دستور، أو لتعطيل صلاحيات مجلس النواب التشريعية، باطل شرعاً ومخالف لأبسط المفاهيم الدستورية.