تكمل صورة مجلس النواب اليوم ما كان بدأ قبل أكثر من شهر ونصف شهر. لا يزال يتبقى من المهلة الدستورية عشرة أيام تطوي الولاية من غير ان يكون مؤكداً انتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان. يخرج من غير تسليم وتسلم على نحو دخوله قصر بعبدا قبل ست سنوات. بلا تسليم وتسلم
لا جديد متوقعا في الجلسة الرابعة لمجلس النواب لانتخاب الرئيس اليوم. في النصاب او المرشحين او في خيارات اخرى مغايرة. الا ان المفاجأة واقعة في الجلسة الاخيرة في المهلة الدستورية التي تنتهي في 25 ايار. فحوى المفاجأة ان المجلس سيكتمل نصابه القانوني، بما يتجاوز ثلثي اعضائه، ويحضر نواب تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله الذين قاطعوا ولا يزالون منذ الجلسة الاولى في 23 نيسان، وحالوا مذ ذاك دون اكتمال نصاب الثلثين للدورة الثانية من الاقتراع.
وبحسب ما تفصح عنه مراجع معنية، فان الفريقين المقاطعين اياهما سيثابران على تعطيل النصاب، جلسة تلو اخرى في الايام العشرة الاخيرة من المهلة الدستورية، الى ان يحدد رئيس المجلس نبيه بري موعد الجلسة الاخيرة في المهلة تلك، في الساعات القليلة التي تسبق انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان كي يحضراها.
في حساب هذين الفريقين، تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله، المعطيات الآتية:
1 ــــ توجيه اشارة بليغة الى انهما لا يصران على تعطيل النصاب دائما، بل لتأكيد حصوله قبل نهاية المهلة الدستورية، على ان يفضي الى انتخاب الرئيس الجديد. في نظر هذا الفريق يمثل موقفه نقلة نوعية: كما كانت للتغيب المتعمد وتعطيل النصاب مبررات يدافع عنها، فان ثمة مبررات تقضي بحضور الجلسة الاخيرة وتسهيل اكتمال نصابها، على ان تتحول الى جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون.
يتحدث المعنيون في هذا الفريق عن معادلة جديدة تبصر النور من اليوم الى موعد الجلسة الاخيرة في المهلة: اما يصبح انتخاب الرئيس مستعجلاً، او يتأخر اكثر مما يُعتقد ما بعد 25 ايار مع خلط كامل للاوراق.
2 ــــ من غير المؤكد ان انعقاد الجلسة الاخيرة سيؤدي حتما الى انتخاب الرئيس. هي بذلك جلسة نصاب لا جلسة انتخاب على صورة جلسة 23 نيسان.
3 ــــ في حال استمر المرشحان المعلنان اياهما، النائب هنري حلو ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وسط توازن القوى الذي بيّنته الدورة الاولى من الاقتراع في جلسة 23 نيسان، سيقترع تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله بالاوراق البيض مجددا، وان اقتضى الامر اجراء اقتراع دورة ثانية وثالثة ورابعة، بالنتائج المطابقة نفسها لجلسة 23 نيسان من غير ان يحظى اي من المرشحين هذين بالاكثرية المطلقة من الاصوات، الى ان يرفع رئيس المجلس الجلسة الى موعد آخر بعد المهلة الدستورية.
جلسة نصاب
تُصَّب فيها الأوراق البيض الى ان يُنتخب عون
4 ــــ مفاجأتان محتملتان من قلب المفاجأة الام في انعقاد النصاب من شأنهما ان تؤولا الى نتيجتين متناقضتين: انتخاب عون رئيساً، او الكشف عن اسماء اخرى غير متفق عليها سلفا قبل الجلسة، يصير عندئذ الى تطيير نصاب الثلثين. يأخذ فريقا النصاب في الحسبان موقفاً مفاجئاً لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بترشيح آخر سوى حلو، او التفاهم الضمني مع تيار المستقبل على مرشح آخر بما يوفر له النصف +1 للفوز.
ما يبدو قاطعا في تقدير فريقي النصاب عدم سماحهما بانتخاب رئيس سوى عون، او رئيس خارج نطاق تسوية متفق عليها قبلا.
5 ــــ لن يكون عون مرشحاً معلناً للجلسة الاخيرة تلك شأن أي مرشح، على غرار الجلسات السابقة، متمسكاً بوجهة النظر نفسها التي ساقها فيها. لا يريد منافسة مع جعجع او سواه تؤدي الى تعطيل متبادل للانتخاب، وامرار جلسات البرلمان بغية الانهاك المتبادل الذي يفضي في نهاية المطاف الى مرشح تسوية من خارج المرشحين المعلنين المعروفين. ما يريده عون ان يكون مرشحا للرئاسة ــــ اي رئيس سينتخب ــــ او لا جلسة انتخاب رئيس آخر.
6 ــــ يتصرف فريقا النصاب على انهما يتيحان اكتماله من اجل انجاز الاستحقاق في المهلة الدستورية. على ان اخفاق الجلسة في انتخاب الرئيس ــــ والمقصود هنا انتخاب عون بالذات فيها ــــ يجعل المرحلة التالية من شغور رئاسة الجمهورية مختلفة تماماً عما رافق المهلة الدستورية. لن يفسح رئيس تكتل التغيير والاصلاح بعد ذاك، بتضامن كامل مع حليفه حزب الله، في المجال امام انعقاد مجلس النواب في جلسات تشريع او تعديل دستوري لاتاحة انتخاب موظفي الفئة الاولى للرئاسة، وسيعاود مجدداً استخدام سلاح تعطيل النصاب. بل من غير المستبعد انسحاب الموقف السلبي نفسه على حكومة الرئيس تمام سلام.
7 ــــ يعوّل عون في استجابته اكتمال نصاب الجلسة الاخيرة في المهلة الدستورية على قطف ثمار التفاوض الطويل الذي بدأه مع الرئيس سعد الحريري، مباشرة في روما قبل اشهر او بالواسطة عبر الوزير جبران باسيل اخيرا، آخذاً في الاعتبار ان الاوان «ربما حان لنضج البراعم الملموسة». من السعودية وصلت الى بيروت في الساعات القليلة المنصرمة أنباء عن مسعى وزير الخارجية هناك، تحدث عن «مناخ جيد» لكنه «يحتاج الى مزيد مما ينبغي القيام به».
يعتقد عون بأنه اعطى كل ما اوتي لترجمة الرغبة في التواصل والانفتاح على الحريري، في تأليف الحكومة وتوزيع الحقائب والبيان الوزاري واستقرار حكومة سلام واصدار سلال تعيينات ادارية. يتفهم وزر الاحمال على اكتاف الحريري من حلفائه الرئيسيين في قوى 14 آذار، ويدرك كذلك ان ترشيح جعجع ليس قرار الحريري مقدار انطوائه على موقف سعودي بذلك. يتصرف على ان مفاوضه في الفريق الآخر الذي تلقف الحوار قادر على الامساك بزمام المبادرة، مع ان شطراً رئيساً منها يقع في الرياض وليس بين يديه. الا ان عون يريد ان يصدّق ان الحريري قادر على اعطاء التعهدات وانضاج اتفاق اثاره معه تناول الضمانات الثلاث لبناء الدولة في المرحلة المقبلة: عون رئيسا للجمهورية، بري رئيسا للمجلس، الحريري رئيسا للحكومة.
يتدرج هذا المنطق كي يقول انها الفرصة الحقيقية المتاحة لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة او مَن يسميه ربما. يتفهّم كذلك حاجة الحريري الى بعض الوقت لاستيعاب حلفائه والمحافظة على تماسكهم في قوى 14 آذار، وفي الوقت نفسه يتنكب البعض في تيار المستقبل ممن يرفضون الحوار مع عون. قبل ان يحرز تقدما ملموساً، لم يتوقف التواصل غير المباشر بين الرجلين عبر نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري وانضم اليهما الوزير نهاد المشنوق كأحد ابرز مؤيدي المضي في هذا الحوار. على المقلب الآخر يقف الرئيس فؤاد السنيورة وبعض المتصلبين في تيار المستقبل.