IMLebanon

«النصرة» من قطر وإليها!

لا نعرف على وجه الدقة، كيف كان «الجو» الذي استقبل الوفد الرسمي إلى قطر، ولا إلى ماذا انتهت المباحثات (حتى لا نقول المفاوضات..) حول مصير الجنود المخطوفين، وبالتالي مصير البلدة الصابرة على الحرمان والتي تعيش من الحجر وبه، ومن عطايا «التخوم» بين الأشقاء ورزاياها.

فالطريق إلى قطر حقل ألغام، في الذهاب كما في الإياب، يشابه في مخاطره الطريق إلى المخطوفين في عرسال الواقعة من جريمة الخطف في منزلة بين المنزلتين، إذ جعلتها العصابات المسلحة كأنها الخاطف والمخطوف في آن معاً.

ويختلف قادة الخليج حول توصيف الإمارة المتمردة، قطر، كما حول دورها الذي يتجاوز حجمها بأكثر من المقبول فيحسم من دور كبيرهم المحصَّن بالمقدس ديناً ودنيا ومن أدوار «الأشقاء» الآخرين الذين لا يقلون عنها ثراء، وإن حجبتهم بوهجها المذهب.

هم يتساءلون: هل قطر خاطفة أم مخطوفة؟ هل اختطفها غرور السلطة المضروبة بالغاز فانتفخت وتصدت لأدوار تفوق طاقتها، أم ان الطاقة المخزونة فيها هي التي نفخت في غرورها وزينت لها انها أقدر من مملكة الإسلام والنفط معاً، ومعها إمارات الخليج الأخرى التي صارت بمجموعها مركزاً كونياً مؤثراً في سياسات العالم ومخططات الأكبر والأقوى والأغنى لمستقبله ومواقع الآخرين فيه؟!

ما يعنينا، نحن في لبنان، وقد عرفنا قطر في الوجهين: المعين في زمن المحنة، والمتعاظم نحو دور عالمي يستصغر فيه شأن سائر العرب مستقوياً بتقديم أرضه لتكون أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المشرق جميعاً، كما بعلاقاته الوثيقة مع العدو الإسرائيلي والذي أفاد منها للعب دور «الوسيط» في الحروب الإسرائيلية على غزة، لا سيما حربه الأخيرة على هذه «الجزيرة» الفلسطينية المحاصرة براً وبحراً وجواً..

ثم أننا عرفنا قطر التي ابتنى أميرها قصراً في أعلى تلة من ميسلون، باب دمشق، تدليلاً على التصاقه مصيرياً بالنظام السوري، تنقلب عليه فتقاتله فينا، بينما لم نكن مدعوّين إلى عرس التوحّد في الأهداف والغايات، ولا نحن قد تسببنا في «الطلاق» الذي أخذهما إلى الحرب، وجعَلَنا في موقع الضحية للجريمة والعقاب!

على هذا فإذا ما كانت قطر تفترض أنها تقاتل بالمخطوفين من الجنود اللبنانيين في عرسال النظام السوري فهي اذن ترتكب خطأ في التقدير يكاد يعادل الخطيئة. فلا عرسال كانت تقاتل إلى جانب هذا النظام بل هي كانت أقرب إلى معارضيه، ولا الجنود اللبنانيون الذين اختطفوا فيها، وما زالوا محتجزين في بعض جرودها، كانوا ذاهبين لنصرة النظام على معارضاته متعددة الرايات.

وإذا كانت قضية الجنود المخطوفين في عرسال قد بررت للدولة في لبنان أن تشارك في مؤتمر جدة، الذي انعقد تحت الرعاية الأميركية وبطلب منها، ولو من موقع «الشاهد» وصاحب الدليل الحسي على ان هذه المعارضات المسلحة تمارس الإرهاب المفتوح، وتبتز الدول بأبنائها، فإن قطر ملزمة بأن تقدم دليل براءتها من التورط في ارتكاب هذه الجريمة البشعة بأحد أمرين: اما التبرؤ من العلاقات الثابتة والمعروفة مع هذه العصابات الإرهابية (أو بعضها).. وهذا أمر يتجاوز أو يتناقض مع سعي قطر إلى دور يتجاوز حجمها المحاصر بالأقوى والأغنى منها، واما تأكيد هذه العلاقات (المؤكدة) عبر إلزام هذه التنظيمات «الصديقة» بالتخلي عن جوهر سياستها القائمة على الابتزاز بالإرهاب.

وإذا كان الأمير الأب لهذه الإمارة صغيرة الحجم والطامحة إلى تعظيم دورها قد انتهج «شراء» الرعايا من البحرين متسبباً في أزمة كادت تنفجر حرباً بين الإمارة الغنية و«المملكة» الفقيرة، وخلخلة الكيان الهش لمجلس التعاون الخليجي، فإن وريثه الذي تمسك بنهجه في رعاية التنظيمات الإسلامية الأعظم تطرفاً، يغض النظر عما ترتكبه من جرائم بحق الدين الحنيف والمؤمنين برسالته الحق.

لقد أحرج الأب من أعانه ومكّن له في إمارة الغاز الدولية فأُخرج.

وكان المأمول من الابن الذي رفعته «المقادير» إلى سدة السلطة أن يهدئ اللعب متعظاً من عقاب الأب على تجاوزه حدود دوره واندفاعه الطموح إلى تجاوز كل الحدود في أرض ملغّمة بكنوز الثروات الخرافية وحساسية الموقع الجغرافي الاستراتيجي.

يفتقر جنون العظمة إلى الحنكة السياسية. ويفتقر توظيف الثروة الهائلة إلى الحكمة التي تمنع تهديد الاستقرار الهش في دول قلقة، آبار نفطها (أو غازها) أهم بكثير من رعاياها الممنوعين من أن يكونوا «مواطنين».

.. وطالما أن «دولة قطر» تبحث عن رعايا إضافيين، شرط أن يكونوا مشبعين بالتراث الوهابي، فلتتفضل مشكورة بأن تأخذ إلى نعيم هويتها المذهّبة هؤلاء الذين جمعهم انعدام القيمة والدور في أوطانهم القلقة والتي يهددها الفقر وفشل سلطاتها في تأمين استقرار حياتهم فخرجوا على الناس لأخذهم ـ بقطع الرؤوس ـ إلى النعيم الأبدي، متحررين من شظف العيش وأعباء البحث عن حياة مقبولة.

لتتفضل قطر مشكورة بإسباغ هويتها المذهّبة على المجندين المهووسين في الجبهات العديدة، وأبرزها «جبهة النصرة» المتحصنين الآن في جرود عرسال مهددين أمن البلدة وأهلها بداية، بل الأمن في لبنان كله..

إن في ذلك كسباً لقطر وأميرها، يزيد من عديد شعبه، كما سيكون له أجر عند الله عظيم.

وهكذا تصير الدوحة دوحة للمؤمنين من المستضعفين في الأرض، ويكون لها بهذا جزاء عظيم في الدنيا والآخرة.

لقد بلغت. اللهم فاشهد.