صحيح أن التوتر أقل مما كان خلال فترة الشغور الرئاسي السابقة، لكن كل أدوات أزمة 2006 – 2008 وأسلحتها أخرجت من مخابئها، بما فيها خصوصاً مسألة “الميثاقية” التي تُشهَر أو تُسحَب كلما أريد تعطيل الدولة ومؤسساتها للظروف. والأكثر ثرثرة عن “الميثاق الوطني” هم الذين أمعنوا في الإساءة الى التعايش بين اللبنانيين، وأثبتوا منذ 2005 أنهم لا يستطيعون العيش إلا بإدامة الانقسام الوطني. في تلك الأزمة كان الهدف معاقبة الحكومة واسقاطها لأنها محضت المحكمة الدولية مشروعية لبنانية، بل كان الهدف من الاعتصام في قلب بيروت اقتحام السرايا الحكومية و”تحريرها”.
هذه المرة أصبح الهدف اجتياح القصر الرئاسي في بعبدا و”تحريره” بواسطة “الرئيس الجديد”. لم يكن ذلك العنصر المسلح (الذي ظهر في “فيديو” رصاص الابتهاج بذكرى تحرير الجنوب من العدو الاسرائيلي) ليقول “الله ونصرالله وبعبدا كلها… وعقبال ما نحررها بالرئيس الجديد” لو لم يسمع هذه الأمنية من قادته، الذين حقنهم بها قادتهم الأعلى فالأعلى. ولو لم يكن “تحرير بعبدا” على جدول أعمال حسن نصرالله وقاسم سليماني لما شقّ طريقه الى ألسنة المحازبين.
فمثل هذه الأماني لا ينقدح تلقائياً من خواطر المسلحين بل ينفلت منهم باندفاع حماسي، ليكشف بعض فضائح “التثقيف” السياسي الذي تأكد مراراً أنه نزع من أذهان الحزبيين وجود شيء اسمه “دولة” في لبنان وأن هذه الدولة ليست لطائفة أو لفئة، وأنها ليست لـ”حزب الله” تحديداً. والسؤال هو: أين “الميثاقية” في هذا التثقيف، ولماذا هذان الشحن والتحقيد تارة ضد رئاسة الوزراء وطوراً ضد رئاسة الجمهورية؟
لا داعي للتساؤل أي “رئيس جديد” يفترض “حزب الله” أنه “سيحرر” قصر بعبدا لمصلحته، فالخطاب الأخير لنصرالله وفّر الجواب. ولا أحد يتوقّع أن يسمع ردّاً أو توضيحاً أو نأياً بالنفس من جانب “المرشح الجدّي الوفاقي”، فظروف المعركة الانتخابية تغذّي فضيلة الصمت، خصوصاً أن قوات النظام السوري انتهكت في أيلول 1990 قصر بعبدا الرئاسي ووزارة الدفاع في اليرزة. غير أن الصمت لا يمنع السعي الى تعطيل مجلسي الوزراء والنواب، لفرض مرشح “حزب الله” كائناً من يكون، وليس حرصاً على “الميثاقية” كما يتقوّلون.
ولا يضاهي كلام العنصر المسلح عن “تحرير بعبدا” سوى كلام أحد قادة الحزب عن التصويت لبشار الاسد في لبنان، اذ قال إنه “استفتاء حقيقي وتعبير واقعي عن ارادة الشعب السوري”. وعدا أن “حزب الله” يعتمد مفهوماً “غير ميثاقي” لتحديد “ارادة الشعب”، فإنه بإشرافه على تنظيم العراضة الانتخابية كان يحتفل أيضاً بمشاركته ايران في تحرير “قصر المهاجرين” واحتلاله. لكن، اذا لم يفز مرشحهم لتحرير “قصر بعبدا”، فهل سيقولون لمحازبيهم إن الرئيس التوافقي هدفٌ معادٍ وينبغي اسقاطه؟