الورقة البيضاء لا تصنع رئيساً لا يريده “حزب الله”
لا انتخابات رئاسية قريبة… وهذه أسباب تعطيلها
كل ما تكشف عن “حفلة التكاذب” الديموقراطية التي شهدها المجلس النيابي أمس يصب في خلاصة واحدة مفادها أن لا انتخاب لرئيس جديد للجمهورية في المدى المنظور، فيما تمخضت الجلسة، المتوقعة نتائجها أساساً، على تثبيت مجموعة الامور التي تطوي صفحة من الاستحقاق الرئاسي لتفتح صفحة جديدة على هذا المسار الطويل والشاق، ما لم تقطعه معجزة في لحظة اقليمية ودولية، تكون بتوقيتها وظروفها ومعطياتها مماثلة لتلك التي أثمرت تشكيل الحكومة السلامية بعد مخاض الاشهر العشرة.
لا شيء حتى الآن يعزز حظوظ مثل هذه المعجزة، خصوصاً في المعطى الخارجي، الذي يشكل العامل الابرز المؤثر في الانتخابات الرئاسية كما في كل استحقاق مماثل. أما في المعطى الداخلي، فقد سمحت الجلسة بتسجيل مجموعة من النقاط ستبنى على أساسها حسابات المرحلة المقبلة.
فبعد عملية جس النبض واختبار الثقة الذي أجرته الكتل النيابية في ما بينها، بات واضحاً أن الجلسة حسمت امورا كثيرة لا مناص من أخذها في الاعتبار مستقبلاً:
– ان قوى 14 آذار وعدت والتزمت وعدها لرئيس “القوات اللبنانية” بدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية، فاعطته أصواتها، بما يجعلها في حلٍ من هذا الالتزام في المرحلة المقبلة.
– ان جعجع نجح في انتزاع “براءة ذمة” من نصف المجلس النيابي وبات جعجع اعتبارا من يوم أمس مرشحا جديا للرئاسة برصيد حصده من تحت قبة البرلمان وليس من خارجه.
– ثبت أن رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون جزء لا يتجزأ من 8 آذار، وليس فقط حليفاً لها كما حرص دائماً على أن يكون، أقله أمام جمهوره المسيحي، الذي أدرك أمس أن خيار جنراله في الوصول الى الرئاسة رهن بقرار “حزب الله” وليس العكس كما فعل جعجع مع حليفه السني، اذ فرض ترشيحه وألزم حليفه السير به، علما أن النتيجة للزعيمين المسيحيين الاقوى تبقى هي نفسها: لا وصول لأي منهما من دون رضى وقبول وتسليم من الحلفاء.
– لا حظوظ لوصول الرئيس المسيحي القوي بارادة المسيحيين أنفسهم، ولا قدرة على فرض الرئيس القوي على غرار ما تفعله الطائفة المحمدية في شقيها الشيعي (رئاسة المجلس) والسني (رئاسة الحكومة).
– ان مرشح 8 آذار هو الورقة البيضاء التي تعني عمليا الفراغ والتعطيل وعدم تسهيل العملية الانتخابية وسير اللعبة الديموقراطية، وهذا يعني أن العماد عون لن يكون المرشح التوافقي، بل مرشح 8 آذار حصراً (بما أن الوسطيين بقيادة النائب وليد جنبلاط هربوا من المواجهة الى المخرج الجنبلاطي القاضي بانتخاب النائب هنري حلو).
– اي احتمالات لتفاهمات لاحقة على عون لن تجعله المرشح التوافقي حتى لو ارتسمت في الافق ملامح تحالف ثلاثي او رباعي جديد، ما لم يحظ بمباركة مسيحية من الخصم المسيحي الابرز سمير جعجع.
وهكذا، فان الفراغ الرئاسي سيكون سمة المرحلة المقبلة، والتي سيكون نجماها رئيس المجلس نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط اذ ستكون بيدهما بيضة القبان التي تسهل الوصول الى المرشح التوافقي.
وما يعزز الاتجاه نحو الفراغ واستبعاد امكان انعقاد جلسة انتخاب جديدة الاربعاء المقبل على مسافة اسبوعين من تحول المجلس الى هيئة ناخبة في انعقاد دائم حتى انتهاء الولاية الرئاسية، هو ما أعلنه الرئيس بري عن أن نصاب جلسة الانتخاب المقبلة سيكون الثلثين، علما ان الانتخاب يتم بالنصف زائد واحد.
فتحديد نصاب الجلسة بالثلثين، والذي تم بموجب قرار صادر عن هيئة مكتب المجلس التي تضم ممثلين لكل الكتل النيابية، يعني أمرين: الاول أن لا انتخاب بالنصف زائد واحد بل بأكثرية الثلثين، لأن عدم اكتمال النصاب لا يتيح اجراء العملية الانتخابية، وعدم تأمين النصاب يعني تعثر الوصول الى الرئيس التوافقي.
اما الأمر الثاني، فيتمثل بأن لا رغبة لدى فريق الثامن من آذار في انجاز الاستحقاق الآن وضمن المهل الدستورية، ولم يعارض فريق 14 آذار هذا التوجه، والا لما كان وافق على نصاب الثلثين، وهو يعي أنه عاجز عن تأمينه.
وهذا يرسم معادلة جديدة ستحكم المسار الانتخابي. فمن يريد انجاز الاستحقاق عاجز عن تأمين نصابه، في حين أن فريقاً لا يريد الانتخاب ويسعى نحو الفراغ، وهو قادر على ذلك. وعليه، يكون قرار التعطيل والفراغ في يد من لا يريد الانتخابات، اي “حزب الله”، كما هو قراره حيال ترشح عون.
وخيار الحزب الفراغ، يترجمه أمران: اولهما مشاركته في حكومة الرئيس تمام سلام التي تغطي وجوده في سوريا، في انتظار ظروف أفضل هناك تتيح له التفرغ مجدداً للملف اللبناني الداخلي، والأمر الثاني تذرعه بدعمه لعون، في حين ان رغبته في الفراغ نابعة من رغبته في عدم شرب كأس انتخاب عون رئيساً.
والخلاصة انه لو توافرت الرغبة الحقيقية في انجاز الاستحقاق الرئاسي، لما شُكلت حكومة الرئيس سلام. فالتزام حكومة جامعة يبقى أقل ضرراً من التزام رئيس للسنوات الست المقبلة!