IMLebanon

 الوسيط القطري إجتمع بالخاطفين وتسلَّم مطالبهم لإطلاق المخطوفين

على رغم تحوّل «داعش» إلى همّ دولي يتصدّر كل اهتمام ومتابعة من مواقف رؤساء الدول إلى القمم المتصلة، وآخرها قمّة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبداية تشكّل تحالف دولي لمواجهة «داعش»، فإنّ تدويل هذه المسألة لم يخفّف من الهمّ اللبناني الذي بقي مشدوداً على ملفين: ملف العسكريين المخطوفين، وملف الوضع العسكري والأمني في عرسال وجرودها، في ظل المخاوف من تجدّد المواجهات وتطورها. وقد فرضت دقة الموقف وحراجته على الحكومة تأليف خليّة أزمة لمتابعة الوضع لحظة بلحظة، فيما دخلت قطر على خط التفاوض، بعدما كانت توافقت الحكومة على التفاوض غير المباشر. وهذا التطور رغم التعقيدات الطبيعية التي ستعترض مهمته، يشكّل عاملاً إيجابياً ومساعداً ومطمئناً لأهالي المخطوفين واللبنانيين، وخصوصا أن التجربتين السابقتين لمخطوفي أعزاز ومعلولا وصلتا إلى برّ الأمان. وفي غضون ذلك يطلق اليوم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مواقف عالية النبرة من كل الملفات الساخنة، وتحديداً رئاسة الجمهورية والإرهاب ووضع المسيحيين، في الوقت الذي يتطلع كثيرون إلى ما يحمله مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية حسين مير عبد اللهيان في زيارته إلى لبنان الأسبوع المقبل، ولا سيما بعد لقاءاته مع المسؤولين السعوديين، وما يمكن أن تحمله هذه الزيارة من رسائل ومؤشرات.

ظلّ ملف المخطوفين العسكريين لدى الإرهابيين في صدارة الاهتمام، فيما لم يخرج ملف الاستحقاق الرئاسي من دائرة المراوحة بعد، بينما تواصلت عملية تقديم طلبات الترشيح للانتخابات النيابية، وبلغ عددها حتى مساء أمس عشرة.

ملف التفاوض

ودخل ملف التفاوض مع الإرهابيين منعطفاً جديداً مع دخول الوسيط القطري جدياً ورسمياً على خط التفاوض. وعلمت «الجمهورية» أن موفداً قطرياً من الجنسية السورية موجود في عرسال منذ أمس الأول، ويجري مفاوضات مع جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش»، وقد أحيطت بتكتم شديد.

وقد تعرّضت هذه المفاوضات لانتكاسة في البداية، تمثلت باتهام «داعش» الوسيط القطري الموكل إليه التفاوض من قبل الحكومة اللبنانية، بأنه يراوغ بمقابلة الجهات المختصة بالتفاوض من قبل «الدولة الإسلامية»، وحمّلته المسؤولية المباشرة عن عرقلة المفاوضات وعن دماء العسكريين، وختمت: «والله من وراء القصد».

ثم شهدت جولة المفاوضات الثانية بعض الحلحلة، وانعكست في بيان أصدرته «الدولة الإسلامية»ـ ولاية دمشق ـ قاطع القلمون، تؤكد فيه أنها اجتمعت بالوسيط القطري، وتبيّن لها أنّ هناك عرقلة للمفاوضات من أطراف اخرى، وتم الاتفاق على اعتماد الوسيط القطري كقناة وحيدة لعملية التفاوض. كذلك تم تحميل الوسيط القطري نسخة عن مطالب «الدولة الإسلامية».

خلية الأزمة

وعقدت اللجنة الوزارية مساء أمس اجتماعها في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، في غياب عضو اللجنة علي حسن خليل بداعي السفر. كذلك غاب عن الاجتماع أهالي العسكريين المخطوفين الذين كانوا دُعوا إلى المشاركة فيه.

وأبدى سلام ارتياحه الى الإجماع السياسي الذي تجلّى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة حول المبادىء الأساسيّة التي يجب أن تُعتمد في مقاربة هذا الملف. وقال إنّ أهميّة هذا الموضوع وحساسيّته تُحتِّمان تلاقي جميع المكوّنات الوطنيّة حول موقف واضح، بما لا يسمح بظهور أيّ تصدّع داخليّ قد يثير البلبلة أو الفتنة الداخلية التي هي الهدف الأول والأخير للخاطفين.

وأكد أنّ قضية المفقودين التي تمسّ اللبنانيين بكل فئاتهم وانتماءاتهم، هي الشغل الشاغل للحكومة، ويتمّ التعاطي معها باعتبارها قضيّة وطنيّة لا تتقدّم عليها في الوقت الحاضر أي أولوية أخرى.

وأعرب المجتمعون عن تعاطفهم مع أهالي العسكريين المفقودين، وأكدوا وجوب التعامل مع هذه المشكلة المأسوية بكثير من الصبر والحكمة، وبعيداً عن التشنّج والإثارة. وتداولوا في آخر المعطيات المتعلقة بالملف، واطلعوا على ما وصلت إليه المساعي المبذولة في غير اتجاه. واتّخذت القرارات المناسبة.

المناقشات سرية

وعلمت «الجمهورية» أن الاجتماع الذي استمر نحو الساعتين، خصّص للبحث في آخر التطورات التي رافقت انطلاق الوساطة القطرية في جرود عرسال والظروف التي قادت إليها. وناقش المجتمعون عدداً من السيناريوهات التي تتحفظ «الجمهورية» عن نشرها بفعل السرية المطلقة التي تقرّر اعتمادها حفاظاً على سلامة العسكريين المخطوفين، ولضمان المفاوضات الجارية على غير مستوى، فلا يقتصر الأمر على الوفد القطري الذي باشر وساطته في المنطقة.

وشدّد سلام على أهمية أن تبقى المناقشات سرية ضنّاً بالمصلحة الوطنية وبسلامة المفاوضات. وعبّر أحد الوزراء عن ارتياحه إلى سير عملية التفاوض، لافتاً إلى أن العملية طويلة ولا يمكن أن تتم خلال أيام، مؤكداً أهمية انطلاق المبادرة القطرية التي يقوم بها «أحد كبار المفاوضين» مع المجموعات المسلحة. وقال: «قررنا التعاطي مع دول وليس منظمات، وهي في النتيجة خطوة إيجابية نأمل في أن تتكلل بالنجاح».

ريفي

وأكد وزير العدل أشرف ريفي، بعد انتهاء الاجتماع، أن «الجيش سيتولى القيام بالإجراءات العسكرية اللازمة في عرسال، بغطاء سياسي من الحكومة».

وهل الإجراءات العسكرية للجيش تنعكس سلباً على قضية المخطوفين، أجاب: «لِمَ ستنعكس سلباً عليهم؟ دعونا لا نتحدّث عن افتراضات، إذ إنّ أي خطوة نقوم بها، قد تكون لها تداعيات مقلقة، ولكن الحكومة، كسلطة سياسية، خرجت أخيراً بموقفٍ موحّد، وهو أمر مهم جداً، وثانياً ارتأت بكل وضوح أنّ هذه القضية هي أولوية لدينا جميعاً»، ولفت إلى ضرورة تفهّم «مشاعر أهالي العسكريين، بالمعنيين الأبوي والوطني، في ظلّ الظروف القاسية التي يمرّون بها وجهلهم مصير أبنائهم».

وأكد للأهالي أنّ الحكومة «تعتبر ملف العسكريين المخطوفين أولى أولوياتها، وهي تحرص على إقامة علاقة تواصلية معهم في شكل دائم لإحاطتهم بكل ما تفعله اللجنة لتحرير أبنائهم، لأننا سنقوم بكل ما يلزم وما يمكن القيام به لإعادتهم سالمين إلى أحضان ذويهم وعائلاتهم»، مشيراً إلى «أننا نقوم بمساعٍ للقاء أهاليهم قريباً».

وأكد ريفي لـ»الجمهورية» أنّ المجتمعين أكدوا ضرورة التزام السرية في التعاطي مع هذا الملف، مشيراً إلى أن القضية «باتت همّاً وطنياً ولم تعد قضية طائفة أو فريق مهما كانت المحاولات الجارية لتسييسها أو لتطييفها، وأكد «أن الأجواء إيجابية والسرية مطلوبة في كل الخطوات الجارية».

وعن جريمة العبادية التي ارتكبت في حق أم وولدها على يد لاجئين سوريين، أوضح ريفي أن القضية جنائية بحت، عازياً السبب إلى عملية سرقة تعرّض لها المغدوران. نافياً أن يكون الذبح الوسيلة التي اعتمدت في قتلهما لأن التحقيقات دلّت على مقتلهما طعناً بخنجر أو بسكين.

وعن توقيف ثلاثة متهمين بتأليف مجموعة لتنفيذ أعمال تخريب وتفجير في طرابلس، قال ريفي: «إن توقيفهم تم قبل يومين، والتحقيقات جارية للتثبت من التهم التي وجّهت إليهم».

باسيل

من جهته، قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل «إننا أوكلنا الجيش اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضبط الوضع الأمني في عرسال ومحيطها، وتحرير العسكريين المخطوفين والتصدّي بحزم لكل ما يهدّد حياتهم»، مؤكداً أنّ «تعاطي الحكومة يتم الآن مع دولة قطر كونها الوسيط مع الخاطفين».

تحريض جديد

وكانت جبهة «النصرة» قد بثت شريط فيديو يظهر فيه 9 عسكريين مخطوفين يتحدثون عن رفضهم تدخل «حزب الله» في سوريا، ومطالبتهم الحزب بالانسحاب من سوريا. كذلك دعوا»الطائفة الشيعية إلى الوقوف في وجه الحزب». وحذر الفيديو «السنّة في لبنان من دفع ثمن تورّطهم في حرب في صفّ الجيش اللبناني ضد مقاتلي النصرة».

جعجع

في غضون ذلك، تشخص الأنظار إلى الكلمة التي سيلقيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في قداس شهداء المقاومة اللبنانية عصر

اليوم في معراب. وعلمت «الجمهورية» أن جعجع سيتطرق إلى ظاهرة «داعش» التي هي، في رأيه، مشبوهة، وخرجت إلى الضوء بسحر ساحر وقدرة أسد، ولا تمت لا إلى الإسلام ولا إلى العروبة بأي صلة، وسيعتبر أن نظام الرئيس بشار الأسد لا يقلّ وحشية عن «داعش» عندما يضرب شعبه ومدنه بالسلاح الكيماوي.

وسيجري مقارنة بين «داعش» وما تفعله في الإعلام، وبين من اغتالوا قيادات قوى 14 آذار في الخفاء. فهما، في نظره، «وجهان لعملة واحدة»، لا بل إن دواعش القفازات المخملية أشد خطراً وفتكاً من داعشية غبية استجلبت إجماعاً دولياً قلّ نظيره.

كذلك سيدعو جعجع الرأي العام اللبناني والدولي والإقليمي إلى درس الأسباب التي أدّت إلى ظهور حركات إرهابية في المجتمعات العربية من العراق إلى سوريا وباقي الدول، ليخلص إلى التأكيد أنّ محاربة «داعش» تكون بإزالة هذه المسبّبات وبتعميم مفاهيم الحرية والديموقراطية والمدنية والإنسانية.

وفي الملف الرئاسي، سيؤكد جعجع أنّ من يعبث بالدستور يسعى إلى قطع رأس الجمهورية وأخذ البلد رهينة. وسيشدد على أن تفريغ الجمهورية اللبنانية من رئيسها المسيحي يُعدّ جريمة سياسية موصوفة، وسيؤكد أنّ إذا كان السلوك «الداعشي» في الموصل قد استوجب تحركاً دولياً جامعاً، فإن التعطيل السياسي في لبنان يستوجب تكاتفاً وطنياً لتحرير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من التعطيل.

كذلك سيؤكد جعجع رفضه منطق الأمن الذاتي رفضاً مطلقاً، والعمل على تشجيع هذا الأمن والدعوة إلى التسلّح تحت أي ذرائع، إنما هو محاولة لاستكمال ضرب المؤسسات وركائز الدولة، والذي بدأ بتعطيل الاستحقاق الرئاسي وشل المجلس النيابي. وسيوجّه رسائل تطمين إلى المسيحيين مذكّراً بصمودهم القوي في لبنان عبر التاريخ.

الانتخابات الرئاسية

وفي المواقف من الاستحقاق الرئاسي، أكدت فرنسا وقوفها الدائم إلى جانب اللبنانيين لتسهيل الحوار والتفاهم في ما بينهم لانتخاب رئيس جمهوريّة جديد، وأشار سفيرها باتريس باولي إلى لقاء قريب «مع السلطات اللبنانية برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام في نيويورك في 26 أيلول لتّأكيد دعمنا للجيش اللّبنانيّ والاقتصاد اللبناني»، وشدد على أنّ «ما يهمّ فرنسا وجميع أصدقاء لبنان هو انتخاب رئيس في القريب العاجل، لأنّ لبنان لا يمكنه أن يتأقلم ويُكمل بلا رئيس للجمهوريّة وبلا مؤسّسات دستوريّة فاعلة».

وكان باولي قد نقل إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رسالة تضامن بلاده مع مسيحيّي لبنان والشّرق، وأكد أن مكان مسيحيّي العراق هو العراق، ومكان مسيحيّي سوريا هو سوريا، ومكان مسيحيّي لبنان هو لبنان.

التصميم الدولي

وعلى المقلب الدولي بدأ التصميم على محاربة مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، يأخذ طريقه إلى التنفيذ مع إعلان واشنطن أمس تشكيل «تحالف أساسي» لمحاربته، ويضم إليها، كلاً من بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وألمانيا وتركيا وإيطاليا وبولندا والدنمارك، مع وضع خطة عسكرية وسياسية لذلك.

وأكد الرئيس باراك أوباما في ختام أعمال قمة الناتو، وجوب انضمام دول سنّية إلى تحالف القضاء على «داعش»، وقال: «من المهم أن تكون معنا دول عربية سنّية وخصوصاً تلك الرافضة لتطرّف «داعش» لنبيّن أن أفعال هذا التنظيم لا تمت إلى الإسلام بصلة»، وشدّد على أهمية دور العشائر السنّية والاستخبارات في مواجهة التنظيم.

وتحدّث عن توافق داخل «الناتو» حول التهديد الذي يمثله «داعش» على أمن شمال الأطلسي، مشيراً إلى أن الضربات الجوية الأميركية مكّنت من زعزعة قدراته. وذكر أن وزير الخارجية جون كيري سيتوجه إلى المنطقة لبحث وسائل القضاء على «داعش» مع الحلفاء. وشدّد على ضرورة ضرب أهداف محددة لـ»داعش» وأهمية دعم القوات على الأرض للضربات الجوية.

وقال أوباما: «من الضروري دحر «داعش» على غرار ما جرى مع أتباع «القاعدة» في الصومال». وأكد ضرورة إيجاد شركاء على الأرض في سوريا للقضاء على داعش، ورأى أن ليس من الضروري وجود قوات أميركية برّية لتحقيق الهدف. وأعلن أنّ حلف شمال الأطلسي اتفق على استراتيجية جديدة وعلى نشر قوة تدخل سريع لدعم دول البلطيق ومنطقة البحر الأسود.

كيري وهيغل

وكان كيري ووزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل قد أكدا في بيان مشترك أصدراه عقب محادثات أجرياها على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، ضرورة بناء شراكة دولية لمواجهة الخطر الجديّ الذي تشكله «الدولة الإسلامية» على العراق والمنطقة بأسرها والعالم.

وشدّد الوزيران على وجوب أن يلحق التحالف الدولي الهزيمة بـ»الدولة الإسلامية» من خلال: تأمين الدعم العسكري للقوّات العراقية ووقف تدفق المقاتلين الأجانب ومكافحة قنوات تمويل هذا التنظيم ودعمه ونزع الشرعية عن إيديولوجيته. وأكد البيان أن البحث جرى في الفصل السابع من شرعة مجلس الأمن الدولي لناحية محاربة تمويل «داعش» ووقف انضمام المقاتلين الأجانب إلى صفوفه عبر الأراضي السورية.

وفيما تسعى واشنطن إلى توسيع التحالف الدولي ليضمّ دولاً عربية، لفت ما اوردته محطة «بي بي سي»، نقلاً عن مصادر إيرانية، من أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي وافق على تولي رئيس «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني تنسيق العمليات ضد «داعش» في شمال العراق التي تشنّها القوات الأميركية والكردية والعراقية ضد «الدولة الإسلامية».

وفي الوقت الذي سارعت فيه واشنطن إلى الإعلان أنها لا تنوي التعاون عسكرياً وأمنياً مع ايران للتصدّي لتنظيم الدولة الإسلامية، نفت إيران ما أوردته الـ»بي بي سي»، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجیة الإیرانیة مرضیة أفخم «إن مواقفنا فی هذا المجال معلنة، وإن الخبر المذکور لیس له أي أساس من الصحة».