وليد شقير
لا يخفي غير مصدر مخاوفه من بقاء الوضع في بلدة عرسال ومنطقة البقاع الشمالي معرضاً للاهتزاز، بفعل مؤشرات سياسية وميدانية، أبرزها بقاء العسكريين المحتجزين في حوزة مسلحين من «داعش» و «جبهة النصرة» وصعوبة المفاوضات لإطلاقهم، بعد أن اقتصر آخر جهود الوساطات من قبل «هيئة العلماء المسلمين» وغيرها على النجاح في الإفراج عن عنصرين من قوى الأمن الداخلي في 17 آب (أغسطس).
وإذ يؤكد مصدر وزاري وأوساط أخرى رسمية معنية بالمفاوضات في شأن العسكريين المحتجزين أن مرورها بمرحلة صعبة، نظراً إلى إصرار قادة المسلحين على ابتزاز الجانب اللبناني ورفضه مبادلة إخلاء العسكريين بموقوفين لدى السلطات اللبنانية القضائية والأمنية، يبقي الوضع في عرسال معرضاً لشتى الاحتمالات، فإن أوساطاً أخرى سياسية وأمنية تعزو حال التأهب والتنبه إلى جملة عوامل أخرى يمكن ذكر الآتي منها:
1 – الأنباء عن أن المسلحين السوريين المتمركزين في جرود عرسال ومنطقة القلمون المحاذية لها يتزايد عددهم، في إطار الكر والفر بينهم وبين الجيش النظامي السوري ومقاتلي «حزب الله» في المعارك الدائرة في ريف دمشق وغيره، حيث باتت مغاور القلمون ملجأ لبعضهم من قصف الطيران السوري وبراميله المتفجرة. وفيما يشير بعض المعلومات إلى أن جزءاً لا بأس به من هؤلاء المسلحين ينتمي إلى «داعش»، فإن أوساطاً بقاعية تحدثت عن دخول بعض المسلحين بلدة عرسال خلال الأيام الماضية.
إلا أن مصادر معنية بالجانب الأمني لفتت إلى أن تزايد أعداد المسلحين في جرود عرسال والقلمون يعود إلى أن الجيش النظامي السوري يدفع هؤلاء إلى التمركز في هذه المناطق ويتركهم يلجأون إلى المغاور والوديان، كما أن بعض مسلحي فصائل المعارضة الأخرى دخلوا مناطق في الأراضي اللبنانية في إطار الكر والفر بينهم وبين جيش النظام من جهة وبينهم وبين «داعش» نفسها من جهة أخرى. واضطر هذا الأمر السلطات الأمنية اللبنانية إلى اتخاذ تدابير على الحدود، خصوصاً أن بعض المجموعات حاول استخدام المعابر الشرعية، بهدف منع استخدام لبنان في المعارك الدائرة في سورية.
وتشير مصادر لبنانية رسمية لـ «الحياة» إلى عامل آخر قد يزيد من احتمال استخدام لبنان، هو أن التركيز الجاري على مواجهة تمدد «داعش» في العراق وعلى قصف مواقعها هناك يجبر مقاتليها على الانكفاء منه إلى سورية هرباً من ملاحقات الطائرات الحربية الأميركية والطائرات من دون طيار. وهذا يحمل مخاطر ازدياد عدد هؤلاء المقاتلين في مناطق على الحدود مع لبنان، كما يحصل في القلمون، في ظل سياسة النظام «دفشهم» إليها.
الحملة على الجيش
2 – بالإضافة إلى المؤشرات الميدانية والأمنية، فإن أوساطاً سياسية، ولا سيما قيادة تيار «المستقبل»، أبدت قلقها من الحملة المركزة من أوساط في قوى 8 آذار على الجيش وقيادته بحجة أدائها في معارك عرسال وقضية العسكريين المحتجزين، معتبرة أن من خلفياتها انزعاج هذه القوى وحلفاء سورية من عدم تجاوب الجيش مع الخطة التي كان يراد له الانزلاق إليها في معارك عرسال مع مسلحي «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما، وكانت تقضي باندفاع الجيش في هذه المعارك إلى أبعد من استرداد مراكزه التي احتلها المسلحون، والى عدم إتاحة المجال لهم كي ينسحبوا مجدداً إلى جرود البلدة. وترى قيادة «المستقبل» ان مجريات معارك عرسال دلّت على أن دفع المسلحين إلى جرود عرسال من قبل الجيش السوري كان يُؤمل منه أن يكون الجيش في واجهة المعارك معهم من الجهة اللبنانية بدلاً من «حزب الله»، الذي لا يستطيع دخول عرسال، ولكان الثمن خسائر في الأرواح بين المدنيين في البلدة وفي مخيمات النازحين السوريين التي لم تسلم من المعركة، فجرى الاكتفاء باسترداد الجيش مواقعه وبالوساطة التي أدت إلى انسحاب المسلحين، وهذا سبب امتعاض حلفاء سورية، كما تقول الأوساط القيادية في تيار «المستقبل»، بدليل الحملة على الجيش. وتعتبر الأوساط نفسها أن هذا ما يفسر رد قائد الجيش العماد جان قهوجي على الحملة بقوله: هل كانوا يريدوننا أن ندمر عرسال؟
وتضيف أن قهوجي تصرف بعقلانية لجهة تجنيب عرسال الخسائر بالأرواح والممتلكات وتدارك مساوئ المعركة التي أجبره المسلحون على خوضها وهو كان واضحاً باطلاع السلطة السياسية ممثلة برئيس الحكومة تمام سلام ووزيري الدفاع والداخلية على خيارات المعركة. وتسأل هذه المصادر: «هل المطلوب إدخال عرسال والجيش ولبنان في معركة تبدأ بـ «داعش» ثم ضد سائر فصائل المعارضة السورية فنتورط في المعارك؟ وهل الحملات على الجيش هي جزء من حملة تعبئة تدفع نحو ادخاله وإقناع الوسط السياسي اللبناني بالتورط إلى جانب «حزب الله» في المعركة السورية؟ وترى هذه الأوساط أن هناك من يعمل على استخدام مسألة استعادة العسكريين المحتجزين الذين تتركز الجهود للإفراج عنهم، من أجل تبرير اشتراك الجيش اللبناني في هذه المعارك، مثلما استخدمت قضية مخطوفي أعزاز إحدى وسائل التعبئة الإعلامية لتبرير اشتراك «حزب الله» في معارك سورية.
التخلي عن النأي
3 – تزايد الإصرار السوري على التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري تحت عنوان التعاون في المعركة مع الإرهاب. وتقول المصادر الرسمية إن هناك تواصلاً بين الجيشين، وبعض المسؤولين الأمنيين في اتصال يومي مع نظرائهم السوريين بعلم السلطة السياسية وباطلاع منها على مقتضيات هذا التواصل. إلا أن النظام السوري يريد خروج السلطات السياسية اللبنانية عن سياسة النأي بالنفس من جهة وانتزاع اعتراف سياسي بشرعيته من الدولة اللبنانية من جهة ثانية، في سياق سعيه إلى الحصول على اعتراف دول غربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية به، لمناسبة أولوية الحرب على الإرهاب و «داعش»، وهو يريد من التنسيق بين الجيشين في المعارك جر الحكومة إلى التواصل مع الحكومة السورية ولا يكتفي باللقاءات التي يعقدها وزير الخارجية جبران باسيل مع السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي، بل يتوسل الوضع المفتوح على كل الاحتمالات في القلمون من أجل رفع مستوى التواصل اللبناني- السوري.