تراوح الأزمات اللبنانية مكانها، في حين تتفاقم في بعض دول الجوار، وتلوح بوادر حلول في دول أخرى.. ويبقى الترقب والانتظار سيّدا الموقف! هذا الانتظار القاتل، الذي يذكّر اللبناني في كل ثانية، بأن مصيره ليس بيده، وأن من سلمهم دفة القيادة، هم بدورهم رهائن التحالفات الإقليمية، والأهواء الخارجية.
وإذا سلّم المواطن جدلاً بأن استحقاقاً بمستوى انتخاب رئيس للجمهورية، يحتم توافقاً سعودياً – إيرانياً برعاية دولية، إلا أن الملفات الداخلية اليومية والملحة، لا تتطلب سوى الحد الأدنى من المسؤولية، من قبل التيارات والأحزاب اللبنانية، بهدف التوصّل إلى توافق يحافظ على مقومات الدولة، ومفهوم المواطنية، وانتماءاتها السليمة.
ومع تراجع الخدمات، من كهرباء ومياه، وغياب المعالجة الجدية لهذين الملفين، اللذين تفوح منهما رائحة الصفقات الرسمية، والمعاناة الشعبية، مع تضاعف التكلفة لتأمينهما من دون جدوى، حيث لا خطوات عملية تحافظ على الطاقة كاعتماد الطاقة الشمسية، ولا حملات توعية حول كيفية ترشيد الكهرباء والمياه على حدّ سواء، خاصة أن الدولة نفسها، لا تعتمدها في ظل غياب السدود المناسبة في المكان المناسب، وليس السدود التجارية التي دمرت البيئة وأساءت للمناخ أكثر مما نفعته.
أما سلسلة الرتب والرواتب، فلا تزال المعضلة الكبرى، التي تُهدّد مختلف القطاعات العامة بالشلل، وسط غياب الحلول الوسطى، التي تضمن حقوق الموظفين والمعلمين ولو ضمن مهل ميسرة، لا تفوق طاقة الدولة وخزينتها على التحمّل، بعيداً عن التوظيف السياسي والطائفي لهذا الملف المعيشي بامتياز!
أما قضية إطلاق العسكريين اللبنانيين فتبقى على رأس قائمة الأولويات الوطنية، التي تتطلب توحيد الجهود، وتقديم كل التنازلات الممكنة، بغية إنقاذ من قدّم الغالي والنفيس حفاظاً على تراب الوطن، بعيداً عن المزايدات الرخيصة، والتعنت البغيض، في حين أثبتت التجربة السابقة مع مخطوفي أعزاز، أن الالتفاف الشعبي حول قضيتهم والدعم السياسي لمفاوضات تحريرهم، اللبنانية منها والإقليمية كالتركية والقطرية، والغطاء الكامل لتلبية مطالب الجهات الخاطفة، أثمرت النهاية السعيدة، ووضعت حداً لمأساة إنسانية دامت قرابة العام!
فهل نتعلم من دروس الماضي أم أن الاستنسابية لا تزال تتحكم بالأجواء السياسية، ولو أدت إلى إعادة التجربة مرّة واثنتين وثلاث… من دون أن نضمن عواقبها، معرّضين المؤسسة العسكرية وما تملك، من رموز الدولة الأخيرة الصامدة في وجه الفراغ، للاهتزاز والاهتراء!