لم يحدث في تاريخ وزارة التربية اللبنانيّة أن تصدّى وزيرٌ لحالة «بلطجة» سنويّة يعيشها تلامذة الشهادات الرسميّة، مثلما يفعل اليوم الوزير الياس بو صعب عندما يبتزّ أساتذتهم «الدولة» ويأخذون مصير ومستقبل هؤلاء «رهينة»، وللمناسبة ليس بجديد أنّ من يأخذ لبنان بأمّه وأبيه رهينة هو من دفع بهيئة التنسيق إلى هذه المغامرة مجدّداً ووضعها في مواجهة حادّة مع الوزير حتى غدا المشهد بالأمس مشروع «تكسير راس» الوزير الصعب والرجل ليس «صعب»، بل «بو صعب»، ويبدو أنّ له من اسمه نصيب، والمحزن أن «الأكاديمي» الآتي من الجامعة الأميركيّة في دبي اصطدم بحال «بلطجة» غير مسبوقة «يتلطّى» فيها خلف هيئة التنسيق حزب الله وحركة أمل في مناورة تدمير المؤسسات الرسميّة، ليجد نفسه يتصدّى لها منفرداً وسط صراخ «حنا غريب» و»نعمة محفوض»، ليظهر بالأمس في الصورة «علي بزي» بصفته مسؤولاً في حركة أمل!!
وحتى لا يشطّ التفكير بالبعض ويستهين بالتعليم وامتحانات الشهادات الرسمية في لبنان ما عليه إلا أن يتذكّر كيف أنقذ الرئيس الشهيد مئات الآلاف من تلامذة لبنان من براثن حركة أمل والحرب المذهبيّة التي كانت تخوضها ضدّ بيروت منذ العام 1984، وكيف فتح لهؤلاء أبواب العالم ليمنح لبنان جيلاً سلاحه العلم وخارج عن سطوة الميليشيات، موقف وزير التربية الياس بو صعب سيحفظه له تاريخ وزارة التربية والتعليم العالي، هي معركة لا بدّ للعلم فيها أن ينتصر على البلطجة، ونقطة على سطر مستقبل لبنان.
جُلّ ما يتمناه أهل تلامذة الامتحانات الرسميّة أن يبقى الوزير على موقفه، وأن لا يخضع لابتزاز معروف وموصوف، سيشعلون إطارات السيارات احتجاجاً، سيقطعون الطرق، سيمارسون كلّ بشاعاتهم المعروفة، ربما هم يفضّلون «الإفادات» لا «الشهادات»، ولكن مستقبل هؤلاء التلامذة ليس «وادي الذهب» ونهب الدولة، بل هو نهب لمستقبل ثروة لبنان الحقيقيّة!!
في العام 1980 كنت في الصف الثانوي الأوّل، أذكر إضراباً بغيضاً مارسه الأساتذة في ذاك العام وامتدّ لشهور حتى يئس التلامذة من التقدّم للامتحانات، وبعد أشهر عدنا إلى صفوفنا ليختصر الأساتذة الشهور التي مرت بأيام معدودة في عزّ القيظ، هذا السلوك حفر في ذاكرة أجيال متعاقبة، وهذا لا يحدث في أيّ دولة إلا في لبنان، قد يشلّ عمال القطارات النقل في أوروبا، وقد يعطّلون مطاراً، أو يوقفون أي أمر حيوي ليحصلوا على مطالبهم، لكننا لم نسمع مرّة عن تعطيل الأساتذة في العالم العربي أو في أوروبا سير العمليّة التعليميّة، والاستهانة بمصير الطلاب بمستقبلهم الجامعي، هذا يحدث في لبنان فقط، ولسببين: الأول أن الدولة لا تحترم من يبنون الأجيال ولا تعطيهم حقوقهم إلا بعد أن يستخدموا الوسائل المباحة وغير المباحة للحصول عليها، والثاني أنّ المعلم متى كان في ملاك الدولة يظنّ أنّه بات «ثابتاً» لا يستطيع أحد أن «يقبعو» من مكانه مهما بلغ تدني مستواه في معاملة تلاميذه أو مخاطبتهم، أو أدائه!!
نتمنّى فقط أن لا يسقط الوزير الياس بو صعب في امتحانه الكبير ليصبح مستقبل تلامذة لبنان وهو أمانة في عنقه رهينة و»ملفاً سياسياً»، عندها سيسقط مستقبل لبنان برمّته وسط معركة يتابعها الأهل والتلامذة ويناصرون موقف الوزير، وحتى لا يخيب أملنا في لبنان، وبأنه ما زال هناك وزراء يمارسون مهامهم بضمير وإخلاص.
2 ـ تعزية للدكتور سمير جعجع العزيز «الحكيم».. آلمني فقدك الوالد.. الفراق لحظة مُذهلة تندفع كالسّيْل، معها تنقلبُ وتتقلبُ وجوه أعمارنا كلّها..أخاف عليك من ألمِ هذه الأسئلة.. وبرغم ألم الفراق تَفتح هذه اللحظة العالمين اللذيْن خُلقنا عالقين بينهما؛ وما بين التراب الذي خلقنا منه وإليه نعود.. وما بين ملكوت السموات «برزخٌ» أو «مطهرٌ» نقف حائرين أمامه لأننا ما زلنا في دنيا التراب وجزء منّا سبقنا إلى هناك..
تعازيَّ القلبيّة لك وللحبيبة ستريدا.. وقبلكما للوالدة التي فارقت زوجها في لحظات العمر الصعبة.. ولوالدك الراحل الذي أنجب للبنان رجلاً مثلك رحمة الله الواسعة.