IMLebanon

اليوم الأوّل للفراغ غداً وإنجازٌ حكــــوميّ في ملفّ النازحين

 

قدَرُ اللبنانيين ألّا يشهدوا تسليماً وتسلّماً في الرئاسة الأولى، وقدَر المسيحيين أن يبقى موقعهم الأبرز في الدولة شاغراً وفارغاً، وقدَر الجمهورية أن تبقى معلّقة وعاجزة عن إتمام استحقاقاتها الدستورية، في صورةٍ تعكس حقيقة الوضع اللبناني وتُذكّر اللبنانيين بواقعهم المريض. ومع منتصف هذا الليل تُطوى مرحلة بكلّ ما فيها من وقائع ومحطات وأحداث يبقى للتاريخ وحدَه الحكم عليها، لتُفتحَ أخرى على المجهول، فلا رئيس في بعبدا، والتجارب مع الفراغ مريرة، والانقسام العمودي على أشدّه، رغم المناخات التبريدية التي أوجدَتها الحكومة السلامية والمرشّحة إلى التسخين مجدّداً على خلفية الضغط لتسريعِ الانتخابات الرئاسية، في ظلّ الحديث عن مقاطعة تشريعية، وربّما حكومية، فيما لا يبدو لغاية اللحظة أنّ الضغوط الدولية كافية لتقصير فترة الفراغ وتكرار التسوية الحكومية رئاسياً.وفي موازاة المشهد الرئاسي القاتم الذي استحوَذ على كلّ متابعة واهتمام، نجحَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في تحويل زيارته إلى الأراضي المقدّسة حدثاً سياسياً عبر إصراره على هذه الزيارة التي خرَقت الحدث الرئاسي، وتأكيده أنّه لا يزور القدس للتطبيع، بل هو ذاهبٌ للقول إنّ «القدس لنا وليست لهم، ولتشجيع المسيحيّين على البقاء في أرضهم»…

إعتباراً من الغد، يتربّع الفراغ وإلى أجل غير مسمّى، على عرش قصر بعبدا الذي يغادره رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بعد ظهر اليوم الى اليرزة، ليَستقبل غداً في عمشيت «من واكبوا مسيرته»، واثقاً في قدرة الحكومة على إدارة الأوضاع، ومُبدياً خشيته من وجود متضرّرين من الاستقرار قد يعمدون إلى الاصطياد في الماء العكِر، وعزا تأخّر أمور كثيرة إلى «التعطيل السياسي».

سليمان الذي يودّع اللبنانيين في خطاب اليوم، بعدما كان ودّع الإعلاميين وموظفي القصر الجمهوري امس، شدّد وعشية «عيد المقاومة والتحرير» وخطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في هذه المناسبة على «أنّ «المقاومة لا تتضرر من نشوء الدولة، لا بل يُحمى دورها»، وتساءل: «لماذا التحرير إن لم يؤدّ إلى دولة ديموقراطية راقية مبنية على العدالة وتكافؤ الفرص؟ ورأى انّ هدف التحرير هو ان يتحرر الإنسان من العبودية، ملاحظاً «أنّ مَن ضحّى وحرّر ودفع دماءه يريد هذا النوع من التحرير، إلّا أنّ الاستغلال السياسي لا يريده».

نفي عروض الحريري

وفي المقابل نفَت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» ما رُوّج من عروض قدّمها نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بشأن التمديد سنة واحدة لسليمان «تجنّباً للفراغ ومَنحاً لمزيد من الوقت للعلاقة الناشئة بين عون والحريري والتي قد توصِل، بمساعدة ظروف إقليميّة ودوليّة، الى تبنّي ترشّح عون لرئاسة الجمهوريّة».

وقالت هذه المصادر قبل نفي الرواية وجبَ نفي قيام الزيارة قبل البحث في مضمونها. فالحريري الذي التقى امس عدداًَ من أصدقائه نفى علمه بهذه المعلومات والطروحات لافتاً الى انّه امضى ليل أمس الأول في «بيت الوسط» حيث عقدت قوى 14 آذار إجتماعاً موسّعاً لها خُصّص لتقويم التطورات وسبل مقاربة المرحلة المقبلة من الشغور وتحديد أطُر العمل من أجل تقصير مدّة الشغور قدر الإمكان والقيام بما يلزم من خطوات من أجل ذلك.

وحول زيارته الى العاصمة السعودية قبل ايام اكّدت اوساط نادر الحريري لـ»الجمهورية» القيام بها لكنّها كانت زيارة خاصة، فله أعماله وزياراته الى المملكة، وهي لا ترتبط بالعمل السياسي في أكثرالمحطات.

وفي هذا الإطار، كانت هذه المساعي ونتائج اللقاءات التي عُقدت مدار تقويم في معراب بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ومستشار الرئيس سعد الحريري النائب السابق غطاس خوري، حيث تناول البحث مستجدات الاستحقاق الرئاسي، ولا سيّما بعد تعطيل جلسة الانتخاب الخامسة والخطوات التي يجب اتّخاذها في المرحلة المقبلة.

قهوجي

وعلى وقع الشغور الرئاسي، والمخاوف من انعكاساته على الأوضاع الامنية، نبّه قائد الجيش العماد جان قهوجي الى انّ المرحلة المقبلة حسّاسة ودقيقة، ودعا العسكريين الى العمل بكلّ وعي وانضباط من أجل الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره.

قهوجي الذي شارك اللبنانيين «تطلّعاتهم بانتخاب رئيسٍ للجمهورية في ما تبقّى من المهلة الدستورية»، قال»: «نقدّر بمهابةٍ دقّة الأوضاع الراهنة وخطورتها، في وقتٍ يعيش لبنان على وقع الخوف من الشغور الرئاسي للمرّة الثالثة في هذه الفترة الحساسة من تاريخه».

جنبلاط

في غضون ذلك، أكّد رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط «أنّه على رفضه لترشيح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع المعلن، وترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون المضمَر لرئاسة الجمهورية».

وشدّد في حديث تلفزيوني على وجوب « تلاقي تسويات اقليمية ومحلية للخروج من الفراغ»، آملاً أن «لا يجرّنا بعض الافرقاء الى المزايدة الطائفية ويعرّضوا الحكومة الى الاستقالة».

وأعربَ جنبلاط عن «عدم خوفه على الاستقرار الداخلي، ولكن من الافضل ان نتلاقى»، معتبراً أنّ «بوجود رئيس، أفضل للبلاد أمنياً واقتصادياً واجتماعيا».

مواقف ديبلوماسية

وفي هذه الأجواء، زار السفير الأميركي ديفيد هيل رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة وعرض معه للأوضاع الراهنة من مختلف جوانبها.

في هذا الوقت، اعلنَت فرنسا انّها تنتظر الجلسات المقبلة لمجلس النواب «علّها تأتي برئيس وتمنع الفراغ». وقال سفيرها باتريس باولي :»إنّنا نؤمن بأنّ لدى اللبنانيين القدرة، ولدى النواب الخيار للإتيان برئيس جديد حسب القواعد الدستورية، وهذا هو موقف فرنسا».

من جهته، قال السفير البريطاني طوم فليتشر من عين التينة: «نحن ننتقل اليوم الى مرحلة جديدة، كلّ مَن يدّعي قيادته للبلد لديه مسؤولية لإيجاد سبلٍ للعمل سويّاً لتفادي شغور طويل الأمد، على المصلحة الوطنية أن تأتي أوّلاً. واعتبر انّ تخطّي يوم الأحد سيكون نكسة للبنان»

حرب

وكشفَ وزير الإتصالات بطرس حرب لـ»الجمهورية» أنّ «قوى 14 آذار ستعقد اجتماعاً في الـ48 ساعة المقبلة من أجل الخروج بموقف موحّد في كيفية التعامل مع مرحلة الفراغ، ومن ضمنها استمراريتها في الحكومة، بعدما طرح إمكانية استقالة الوزراء المسيحيّين منها»، مرجّحاً أن «لا يقدم وزراء 14 آذار المسيحيّين على تقديم استقالتهم من الحكومة، لكي لا تذهب البلاد الى الفراغ غير المحسوب». وأكّد حرب أنّ «مسيحيّي «14 آذار يرفضون التشريع في ظلّ غياب رئيس للجمهورية لأنه لا يمكن الاستمرار بلا رئيس وكأنّ لا شيء في البلاد».

وتعليقاً على الطرح الذي يقول إمّا عون رئيساً أو الفوضى، رأى حرب أنّ «هذا الطرح ليس جديداً، وقد جرّب اللبنانيون نمط حكم عون، وذاكرتُهم لا تنسى ماذا فعل سابقاً».

«الكتائب»

بدوره، دعا حزب الكتائب النوابَ الى التقاط الساعات الباقية لانتخاب رئيس، معتبراً انّه لا يجوز التكيّف مع حال الشغور خوفاً من ارتدادات خطيرة على المعادلة الميثاقية والوطن بحدّ ذاته.

وعلمت «الجمهورية» أنّ المكتب السياسي للحزب اتّخذ قراراً بالمشاركة في جلسات مجلس النواب التي يُدعى اليها لممارسة دور المجلس التشريعي في أيّ عمل يؤدي الى «إنبثاق سلطة»، لأنّ في هذه المهمة فقط يمكن القبول بأيّ دور إضافي للمجلس عدا عن كونه

هيئة ناخبة لا تشريعية.

وعُلم أنّ نوّاب الكتائب ونوّاباً مسيحيين لن يشاركوا في جلسة 27 الشهر الجاري للبحث في مصير موارد سلسلة الرتب والرواتب ولا في أيّ جلسة أخرى يمكن ان يُدعوا إليها، غير الجلسة التي يمكن ان تنتخب رئيساً للجمهورية أو للبحث في قانون انتخابيّ جديد لإقراره.

وعن مواقف الكتل النيابية المسيحية الأخرى، قالت مصادر إنّ نوّاب «القوات اللبنانية» سيكونون في الموقف عينه وكذلك نواب «التيار الوطني الحر» الذين سيضيفون شكلاً من أشكال المقاطعة لعمل مجلس الوزراء، كما قال وزير الخارجية جبران باسيل قبيل جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا امس.

المرَدة

إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ «تيار المردة» اتخذ قراراً بعدم تقديم استقالته من الحكومة حتّى لو قرّر وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» الإستقالة، وعزت اوساطهم السبب الى انّه «لا يمكنهم تطيير الحكومة وإدخال البلاد في المجهول».

مجلس وزراء

وعشية نهاية العهد الرئاسي، وفي انتظار هبوط الوحي الخارجي لانتخاب رئيس جمهورية جديد، على رغم التغنّي بشعار لبنَنة الاستحقاق، عَقدت الحكومة التي ستنتقل اليها صلاحيات الرئاسة، جلسة أخيرة في قصر بعبدا في عهد سليمان الذي أولمَ لدى انتهائها على شرف اعضائها الوزراء وعقيلاتهم.

وقد شكّل مجلس الوزراء خليّة وزارة لمتابعة مختلف أوجه نزوح السوريين إلى لبنان، برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الخارجية والداخلية والشؤون الاجتماعية، على أن تتّخذ اللجنة التوصيات اللازمة لمواجهة حالة تدفّق النزوح، بالتنسيق مع مختلف الإدارات المعنية، لا سيّما لجهة تكليف وزير الداخلية العمل بعد المناقشة مع جميع الأطراف على تنظيم عملية النزوح وفقاً للمعايير الدولية وتأمين عودتهم اللازمة إلى بلادهم، وتكليف وزير الخارجية السعي لإقامة مخيّمات آمنة في سوريا أو في المنطقة الحدودية العازلة بين لبنان وسوريا، بالتعاون مع الجهات والهيئات المعنية. وتكليف وزير الشؤون الاجتماعية تحديد وتنظيم العلاقة مع سائر المنظّمات المعنية واتّخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تدفّق أعداد النازحين، وتأمين حاجاتهم الملحّة وتعزيز قدرات المجتمعات المحلّية المضيفة للنازحين.

ولم يقرّ المجلس ملف تعيينات الجامعة اللبنانية المطروح من خارج جدول الأعمال لحاجته الى مزيد من البحث والدراسة.

أبو صعب لـ«الجمهورية»

وقال وزير التربية الياس أبو صعب لـ«الجمهورية»: «ما حصل هو نكبة للجامعة اللبنانية، وكان لدينا أمل في إنقاذها عبر تعيين مجلس جامعة وبَتّ ملف التفرّغ العالق منذ 10 سنوات. وليس صحيحاً أنّ السبب هو أنّ عدد الاساتذة المتعاقدين كبير جداً وهو ألف، لأنّ الجامعة تستوعب بعد ألف أستاذ آخر، ولا يجوز ان تكون نسبة الأساتذة المتفرّغين 25% فقط والمتعاقدين 75%، لأنّ النِسب يجب ان تكون معاكسة عندما نتحدّث عن الجامعة اللبنانية. فلا يُزايدنّ أحد بالأرقام أو يتحدث بها، وليس كلّ الامور تعالج بالأرقام، فالتربية والتعليم ليسا أرقاماً.

وأوضحَ أبو صعب أنّه قام بمروحة اتصالات واسعة مع كلّ الأحزاب اللبنانية، ونال موافقتها قبل ان يحمل الملف الى مجلس الوزراء، لكنّه فوجئ بأنّ رئيس الحكومة هو من اعترض عليه وطلب الفصل بين مجلس الجامعة (تعيين عمداء للفروع) وملفّ التفرّغ، «وكنتُ سابقاً ربطتُ المشروعين بعضهما ببعض كي لا نصل الى تجزئته، وخوفي كان في محلّه».

وختم: «كان لدينا فرصة لإنقاذ الجامعة، لكنّها الى مزيد من الفراغ والمشاكل ربّما الى حين ولادة حكومة جديدة».

باسيل

وقال باسيل لـ»الجمهورية: «إنّ أهمّ ما حصل في جلسة بعبدا الختامية اليوم (أمس) انّها شكّلت خلية وزارية وأصبح لدينا للمرّة الأولى سياسة حكومية واضحة للحدّ من نزوح السوريين، بعد ما عاناه هذا الملف على مدى 3 سنوات من صراع كلّفنا الكثير، فأنا وحدي أعددتُ 300 نص للوصول الى صياغة ولم ننجح في السابق. إنّ أهمّ عمل قامت به الحكومة في آخر عهد الرئيس هو انّها أخذت قراراً حدّدت فيه التوجهات السياسية العامة التي تقضي بالحدّ من النزوح وتأمين عودة النازحين وإنشاء تجمعات سكنية آمنة داخل سوريا أو على الحدود وليس في لبنان. أصبح لدينا قرار حكوميّ في ملف النازحين نستطيع التحدّث به مع الدول بلغة واحدة وضمن ضوابط ومعايير على الحدود وتأمين شبكة اتصالات لتجميع النازحين.

وأكّدت مصادر وزارية لـ»الجمهورية انّ أجواء الجلسة كانت مريحة جداً، حتى عند إقرار ملف الجامعة اللبنانية في الدقائق الخمس الاخيرة، فلم يتعكّر الجوّ بل رُفعت الجلسة بهدوء، بعدما فضّل رئيس الحكومة عدم طرحه من خارج الجدول طالباً أن تتمّ دراسته بعمق.

ورأت المصادر أنّ رئيس الجمهورية هو مَن لا يريد ان يبتّ ملف الجامعة لأنّه لا يريد ان يتمّ سلقُه في آخر عهده.

زيارة الراعي

وخرق مشهدَ الامس زيارة البطريرك الراعي الى الاردن التي وصل اليها ظهر أمس لاستقبال البابا فرنسيس، ومنها الى الأراضي المقدّسة، حيث لم تنجح كل الإعتراضات في ثنيِه عن القيام بهذه الزيارة.

وفي تطوّر بارز في العلاقة بين الراعي وعون، هاجمَت وسائل الإعلام المحسوبة على «التيار الوطني الحرّ» هذه الزيارة، معتبرةً أنّ لها أهدافاً سياسية وليست رعوية فقط، وذلك ردّاً على الانتقاد القاسي الذي وجّهه الراعي لعون على خلفية مقاطعته الجلسات الانتخابية الرئاسية.

وقد حظيَ الراعي فورَ وصوله الى عمان باستقبال رسميّ رفيع، والتقى رئيس الحكومة الأردنية عبدالله النسور الذي رحّب «بالضيف الكبير، الذي يزور الأردن»، معتبراً أنّه «رجل وطنيّ بامتياز».

من جهته، جدّد الراعي دعوته الى انتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ الفراغ أمر خطير، وعلى النواب القيام بمسؤولياتهم. بعد ذلك، ترأّس الراعي، قدّاساً احتفالياً في كنيسة مار شربل للموارنة في عمان، بحضور ومشاركة وزير الأشغال العامة في المملكة الأردنية سامي الهلسة ولفيف من الأساقفة والكهنة والرهبان وحشد من المؤمنين، ودعا الراعي في عظته إلى نبذِ العنف والتطرّف والسلاح، والعمل من أجل السلام.