تتجه شركة «كهرباء زحلة» إلى إنتاج الطاقة وتوزيعها خلال ساعات التقنين. مشروع قدّم نفسه لسكان المنطقة على أنه «خشبة خلاص» تنقذهم من معاناة التقنين القاسي، رغم أنه ببساطة عبارة عن مولّد كبير يُنتج الكهرباء ويبيعها بصورة غير نظامية مثله مثل مئات المولّدات المنتشرة في زحلة وباقي المناطق اللبنانية. كهرباء زحلة «تمتاز» عن باقي المولدات بأن لديها شبكة التوزيع القائمة حالياً
في نهاية السنة الجارية، تباشر شركة امتياز كهرباء زحلة بإنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها على المشتركين خلال أوقات التقنين. تدّعي الشركة أن هذا المشروع يمنحها القدرة على توزيع التيار الكهربائي على بلدات منطقة البقاع الأوسط 7/24، أي من دون توقف، غير أن ترجمته العملية تعني أن الشركة حسمت أمرها لجهة خياراتها المتصلة بكيفية إنتاج الكهرباء.
فهي لن تنتج الكهرباء على أساس الترخيص المتاح لها من خلال عقد الامتياز مع الدولة اللبنانية، بل ستنتجه على أساس أنها واحدة من المولدات الخاصة المنتشرة في كل لبنان بطريقة غير منظمة.
هذا الخيار، وإن كانت الشركة تحاول تفسيره انطلاقاً من «المادة الحادية عشرة من قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/2004، التي تمنح، بشكل صريح، شركات الامتياز حق إنتاج الكهرباء» وفق رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء زحلة أسعد نكد، إلا أنه في الواقع مبني على أساس أن خيار الترخيص سيجعل الكهرباء التي تنتجها خاضعة لتسعيرة مؤسسة كهرباء لبنان. هذا يعني أن إنتاج الكهرباء وفق هذا الخيار لن يتيح لها تحقيق أرباح «مقبولة»، ولعلّه يكبدها خسائر.
وعلى مدى السنوات الماضية، طالب أسعد نكد بالسماح له بإنتاج الكهرباء، لكن وزراء الطاقة المتعاقبين رفضوا منحه أي حقّ بالتسعير أو المشاركة في التسعير. عندها اندفع نكد نحو البحث عن خيارات أخرى لمشروعه التجاري، وقرّر أن يصبح صاحب أكبر مولّد خاص يملك شبكة توزيع كهرباء خاصة في لبنان، وهو مسلح بالترخيص الموجود في قانون تنظيم الكهرباء. بذلك، يكون نكد قد اجتنب الدخول في نزاع على التسعير مع وزارة الطاقة، ولجأ إلى خيارات تحاكي الظواهر المتوافرة في الشارع اللبناني. مولّدات نكد العملاقة تنتج كمية وافرة من الكهرباء «لتغطية مدينة زحلة و17 بلدة واقعة ضمن قضاء زحلة».
«امتياز زحلة»سيعتمد تسعيرتينعلى فاتورة واحدة
لم يكن مشروع نكد الأصلي شبيهاً بمولدات الأحياء، بل كان يسعى إلى إنتاج الكهرباء بصورة نظامية، أي بترخيص من وزارة الطاقة والمياه، إلا أن التوصيف الأدق لمشروعه يتطلب من الدولة قراراً بـ«خصخصة إنتاج الكهرباء»، وهو أمر لم يصبح واقعاً بعد. ويردّ نكد على الاتهامات التي تكال لمشروع كهذا بأنه مشروع خصخصة، بالإشارة إلى أن مشروعه تكميلي لا علاقة له بالخصخصة «جلّ ما نصبو إليه هو تأمين الطاقة خلال ساعات التقنين والإبقاء على استجرار الطاقة من مؤسسة كهرباء لبنان». ينفي الرجل أنه يسعى إلى الخصخصة «لسنا بوارد ذلك، لأن العقد (الامتياز) الموقع بيننا وبين مؤسسة كهرباء لبنان، يخضع لشروط معينة على طريقة BOT، بحيث تنتهي مفاعيله أواخر عام 2018، عندها يصبح لزوماً على شركتنا تسليم الدولة المحطات وكامل الشبكة ومعداتها من دون أي مقابل، على أن تكون جميعها بحالة جيدة جداً».
ما حصل لاحقاً، وفق رواية نكد، هو أن وزارة الطاقة والمياه لم تسمح له بالإنتاج. أما في الواقع، فإن وزارة الطاقة لم تسمح له بالتسعير، وهذا ما يراه «كيلاً بمكيالين على قاعدة صيف وشتاء تحت سقف واحد»، مشيراً إلى أن منعه من هذا الأمر «يخضع لحسابات سياسية وليست قانونية. يجب معاملتي بالمثل أسوة بشركات مشابهة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن شركة كهرباء امتياز جبيل، تنتج الطاقة خلال ساعات التقنين بواسطة مجموعة مولدات. وشركتنا ليست حديثة العهد، بل تأسست في عام 1923، وهي تستمر بتجديد عقود اتفاقاتها مع الدولة لاستجرار الطاقة من مؤسسة كهرباء لبنان منذ عام 1970 ولا تزال وفقاً للقوانين المرعيّة الإجراء».
يستغرب نكد متسائلاً: «كيف تشرّع الدولة عمل أصحاب المولدات من خلال إصدار بيان شهري يحدّد تعرفة أسعار فاتورة المولدات الخاصة، ولا تراعي الاتفاق الموقع بيننا وبين شركة كهرباء لبنان».
تقنياً، يوضح نكد أن تغطية الطلب على الكهرباء ضمن نطاق الامتياز تتطلب نحو 60 ميغاواط، وهي كمية تستجرّ حالياً من مؤسسة كهرباء لبنان «لكن معاملنا الحديثة التي تعمل بواسطة مادة الفيول، لديها القدرة على إنتاج نفس القوة وأكثر، لتغطي مدينة زحلة و17 من أصل 30 بلدة تقع ضمن قضائها».
إذاً، أصبح لدى نكد مولّدات عملاقة تنتج الكهرباء بواسطة الفيول، وبات بإمكانه بيع الكهرباء بأسعار السوق (مولدات الأحياء) وتغطية ساعات التقنين. أما بخصوص التعرفة التي سيعتمدها مقابل إنتاج الطاقة ذاتياً، فيوضح نكد: «نحن بصدد اعتماد فاتورة واحدة يتسلمها المشترك، تُدرج فيها قيمة الشطور التصاعديّة المستهلكة من كهرباء لبنان التي ستبقى على سعرها الرسمي، على أن يضاف إليها 100 ليرة لبنانية كحدّ أقصى، مقابل كل كيلواط واحد يستهلك خلال ساعات التغذية بالإنتاج الذاتي، وبذلك نكون قد وفّرنا على المشترك 50% من مجموع ما يدفعه مقابل فاتورتي الدولة والاشتراك بالمولدات الخاصة، وأمنّا له الطاقة كاملة بقوة 15 أمبير كحد أدنى».
من وجهة نظره، يرى نكد أن هذه الأسعار مقبولة «فنحن لسنا محتكرين في ظل مافيا أصحاب المولدات الخاصة التي أصبحت أقوى من الدولة على كافة الأراضي اللبنانيّة».
مشروع نكد أثار أصحاب المولدات العاملة في منطقة زحلة. «إذا كانت القصة قوم لأقعد مطرحك، فلن نسكت عن ذلك» يقول طوني مينا، وهو صاحب أكبر مجموعة مولدات خاصة في مدينة زحلة. موقف أصحاب المولدات يعبّر بالضرورة عن تضارب المصالح بين المولدات القديمة والوافد الجديد، لكن شكوك مينا مبنية على أساس أن المشروع هو عبارة عن ترخيص سيحمله نكد ويشهره فوق رؤوس الكل، بينما في الواقع إن وجود هذا المشروع مماثل لوجود المولدات الباقية، أي بفعل القوّة التي يتمتع بها جميع العاملين في هذا المجال. الفرق الوحيد بين المولدات السابقة ومولدات نكد، هو أن نكد يستفيد من امتلاك امتيازه شبكة التوزيع التي يستعملها لتوصيل كهرباء الدولة إلى المنازل، وسيستعملها لتوصيل إنتاجه الكهربائي الخاص.
في رأي مينا إن «نكد لم يكشف لوزارة الطاقة عن أسعار التعرفة التي سيعتمدها، ولتكن لديه الجرأة بالاستغناء عن كهرباء الدولة والاكتفاء بالإنتاج الذاتي، لنرى كيف سيوازي بين كلفة الإنتاج وبين التعرفة التي يطرحها، حتى لو كانت معامله تعمل على الفيول. يحاول نكد إقناع الناس بأن استخدام الفيول بدلاً من المازوت يحافظ على البيئة، هل سيشغّل معامله باستعمال ماء الزهر؟»، محذراً من أن «هناك نحو 700 عائلة في مدينة زحلة وحدها تعتاش من هذه المولدات».
كلام مينا يتكرّر على لسان جان ونّس وهو أحد أصحاب المولدات في منطقة زحلة الصناعيّة؛ ويقول ونّس: «عندما تؤمن الدولة الكهرباء 7/24 فعلى أصحاب المولدات الخاصة تفكيكها وبيعها والتفتيش عن مصدر رزق آخر، لأننا نضع نصب أعيننا منذ البداية أن هذه المصلحة مؤقتة وأنها بطبيعة الحال ستتوقف يوماً ما». ويطالب ونّس الدولة «بتحمل مسؤولياتها لجهة حفظ حقوق أصحاب المولدات، وعدم السماح للأسماك الكبيرة بابتلاع الأسماك الصغيرة».