استفاق لبنان أمس على صدمة التفجير الانتحاري الثالث الذي وقع مساء أول من أمس في فندق «دو روي» في منطقة الروشة في بيروت، فيما تكشفت تفاصيل جديدة حول نجاح الأمن العام اللبناني في تنفيذ العملية الاستباقية لإلقاء القبض على الانتحاريين السعوديين اللذين قتل أحدهما بعدما فجر حزاماً ناسفاً بالقوة الخاصة التي سعت لتوقيفهما، بينما نجا رفيقه وبدأ يدلي باعترافات ساد التكتم حولها من المصادر الأمنية والقضائية. وسارعت المملكة العربية السعودية الى تهنئة الأجهزة الأمنية اللبنانية مبدية استعدادها للتعاون معها في مواجهة الإرهاب، بعد إدانتها تفجير الروشة واصفة إياه بأنه «عمل إرهابي لا يمت الى القيم الإنسانية أو الإسلامية بأي صلة…».
وبينما أكدت مصادر أمنية أن الانتحاري الذي قضى يدعى عبدالرحمن ناصر الشنيفي، فيما رفيقه الموقوف هو علي إبراهيم الثويني، أكد السفير السعودي في بيروت علي بن عواض عسيري أن السفارة على تنسيق مع أجهزة الأمن للتدقيق في صحة هويتيهما، فربما تكونان مزورتين، بينما ذكر أن الأول مطلوب للسلطات السعودية. (للمزيد)
وعلمت «الحياة» أن اتصالاً جرى بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ونظيره السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ليل الاربعاء تم خلاله التأكيد أن الإرهاب عدو مشترك وأن العمليات الأمنية الاستباقية التي نفذتها القوى الأمنية اللبنانية تدعو الى الاطمئنان وهذا ما أربك المجموعات الإرهابية.
وأبلغ الوزير السعودي المشنوق أن ما تحقق على يد الأجهزة الأمنية اللبنانية دليل تقدم كبير في عملها في مكافحة الإرهاب والتصدي للمجموعات الانتحارية، «ونحن نشد على أيديكم».
واتُفق على استمرار التنسيق والتعاون في المجال الأمني في مواجهة المجموعات الإرهابية.
وكان المشنوق التقى مطولاً ليل أول من أمس السفير السعودي، الذي أكد له دعم المملكة للبنان في مواجهة المجموعات الإرهابية والتصدي لها.
وفيما قالت مصادر مواكبة للتحقيق مع الثويني إنه والشنيفي ينتميان الى تنظيم «داعش»، فإن العملية الأمنية الاستباقية التي نفذها الأمن العام اللبناني أمس، بمؤازرة من الجيش وقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات فيها، استُكملت ليلاً بحملة مداهمات واسعة في العاصمة بدءاً من محيط فندق «دو روي»، بحسب تأكيد مصدر أمني رفيع لـ «الحياة»، حيث أجرت القوى الأمنية مسحاً أمنياً لكل الفنادق والشقق المفروشة في بيروت الكبرى وضواحيها، ومنها فندق «السفير» المواجه لفندق «دو روي».
وعلمت «الحياة» أن الشنيفي والثويني كانا قدما الى لبنان في 11 حزيران (يونيو) الجاري عن طريق إسطنبول وحجزا لنفسيهما غرفة في فندق «دو روي» وأخرى في شقة مفروشة وثالثة في منزل «إيليت»، لكنهما أقاما في الأول. وأكدت مصادر أمنية متطابقة أن الشنيفي بادر الى رمي حزام ناسف على باب الغرفة حين شعر بأن قوة الأمن العام بلغت باب الغرفة، فانفجر الباب وأصيب قائد القوة الضابط طارق الضيقة وعنصران آخران بجروح وحروق بليغة، فيما قذف الانفجار بالانتحاري الى جدار الغرفة فاحترق جسمه من الأمام بالكامل وتشوّه بينما بقي ظهره سليماً، وأصيب زميله بحروق غير خطرة في أعلى جسمه. وأفادت المصادر بأن حال الجرحى، مع عنصر من قوى الأمن مستقرة في مستشفى الجامعة الأميركية.
واتضح أن الشخص الثالث الذي قيل إنه من ضمن الخلية وتعقبته الأجهزة الأمنية وكان متوارياً لحظة اقتحام فندق «دو روي»، لبناني الجنسية ويحمل الجنسية السويدية، بعدما كان تردد أنه سعودي، ثم سوري. وأصدرت المديرية العامة للأمن العام بياناً مساء أمس عممت من خلاله صورته وبأنه مشتبه بتأمينه الأحزمة الناسفة لشبكة «دو روي» وهو من مواليد 1990 في عكار شمال لبنان. وأوضح الأمن العام أنه يقود سيارتين، نيسان لونها بيج، ومرسيدس رمادية موديل 2005 ويحتمل أن تكونا مفخختين.
وقال المصدر الأمني الرفيع لـ «الحياة» إن المسح الأمني تلازم مع التدقيق في لوائح النزلاء التي تزود إدارات الفنادق والشقق المفروشة الأمن العام بها، لأن هناك حاجة للقيام بجردة كاملة عليها نظراً الى وجود عدد كبير من النزلاء فيها وللتأكد من أن ليس بينهم مشتبه بهم.
وأشار الى أن التدقيق في هذه اللوائح أدى الى حصول بعض الاستثناءات فاضطرت الأجهزة الأمنية لإحضار عدد قليل من النزلاء لوجود شكوك حولهم لكن سرعان ما أعيدوا الى الأماكن التي أحضروا منها، بعد التأكد من أن لا شبهة عليهم.
وكشف عن أن التنسيق بين الجيش وقوى الأمن والأمن العام بلغ في الأيام الماضية أوَجَه بعد تلقي معلومات عن وجود مخطط تنوي مجموعات إرهابية تنفيذه في لبنان، وأن التنسيق يتم من خلال التواصل الدائم بين ثلاثة ضباط يمثلون هذه الأجهزة.
وعلمت «الحياة» أن العمليات الاستباقية ضد الخلايا الإرهابية النائمة بدأت مع تلقي كبار المسؤولين، معلومات موثوقة من الاستخبارات الأميركية والألمانية تقاطعت مع معلومات عن أن هذه المجموعات تخطط لتنفيذ عمليات انتحارية، منذ يوم الخميس الماضي في 13 الجاري، أي قبل يوم واحد من التفجير الانتحاري الجمعة الماضي، وهذا ما يفسر حملة الدهم التي نفذتها قوة مشتركة من فرع المعلومات والأمن العام في وقت مبكر من صباح اليوم نفسه وأدت الى توقيف فرنسي من أصول افريقية (جزر القمر) في فندق «نابوليون» في الحمراء.
وفيما تأثر عدد من النزلاء العرب والأجانب نتيجة تفجير أول من أمس فغادروا الفنادق وعاد بعضهم الى بلاده خوفاً، فإن مصادر أمنية أوضحت لـ «الحياة» أن لا رابط بين تفجير ضهر البيدر الجمعة الماضي وتفجير الطيونة ليل الاثنين – الثلثاء وتفجير «دو روي»، وأن الخلايا الإرهابية منفصلة بعضها عن بعض، ولا يعرف أعضاء كل منها عناصر الأخرى، وأن مشغل كل واحدة منها يتواصل مع الانتحاري ليؤمن له الحزام الناسف أو المتفجرات أو السيارة المفخخة. كما تبين أن الموقوف الفرنسي لا يعلم شيئاً عن الخلايا الأخرى وأنه كان ينتظر تأمين متفجرة له والتعليمات حول مكان تفجيرها.
وتردد أن سودانياً يعمل في «دو روي» أوقف للاشتباه بأنه أعلم أحد الانتحاريين بقدوم دورية الأمن العام، ما أتاح للمشتبه به الثالث الهرب.
وأكدت المصادر الأمنية أن حقيبة المتفجرات التي وجدت في غرفة الانتحاريين وزنتها 5 كيلوغرام، يعتقد أنها كانت ستستخدم لإعداد حزام ناسف.
وكانت التطورات الأمنية مدار بحث في جلسة مجلس الوزراء قبل الظهر. وأعلن رئيس الحكومة تمام سلام أن أجواء الأمن في البلاد على رغم الاستهداف الذي حصل، مستقرة ومتينة وممسوكة. وقال إنه تم إحباط 3 استهدافات لكن قد يكون هناك الكثير من الاستهدافات أيضاً… وأبرز ما فيها هو محاولة النيل من الوحدة الوطنية. وإذ حيّا سلام الأجهزة الأمنية، أكد التنسيق بينها ومع الأجهزة والمخابرات العالمية، وأنه «لن ينجح أي مخطط إرهابي في زرع الفتنة بيننا».
وشدد سلام على التوافق على إدارة الحكومة الشغور الرئاسي وناشد الجميع العمل على انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي السياق السياسي اجتمع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس في باريس. وقالت مصادر غربية إن الوزير الأميركي نبّه من خطورة الفراغ الرئاسي في لبنان، وشدد على أن واشنطن لن تترك المجال لـ «داعش» بأن تقوم بالأعمال الإرهابية في العراق وسورية.
وقالت المصادر الديبلوماسية الغربية إنه كان مهماً جداً الاستماع الى رأي الحريري حول الرئاسة وكانت الرسالة الأميركية أن الإدارة محايدة وترى ضرورة انتخاب رئيس في أسرع وقت، وطلب الحريري من كيري تشجيع جميع أصدقاء واشنطن على التوصل الى اتفاق حول مرشح رئاسي توافقي. ووصفت المصادر أجواء الاجتماع بأنها كانت جيدة.
ودان مسؤول أميركي تفجير فندق «دو روي».