لم يكن لبنان ولن يكون في معزل عن المؤثرات الخارجية والتطورات التي تحكم مسار المنطقة كلها. الجميع، من عرب وأجانب، لا يضع لبنان حالياً في أولوياته، لأن الوضع فيه مستقر أمنياً، واقتصادياً- مالياً، وليس من خطر يمكن أن يُفلت الأمور من عقالها، ما يشكّل خطراً حقيقياً على مصالح الخارج.
الانتخابات السورية في 3 حزيران المقبل، ورغم انسحاب الجيش السوري فانه لا يمكن القول إنّ لبنان صار في معزل، أو متحرراً من كل وصاية سورية، ولا يمكن حتى تاريخه الاتيان برئيس معادٍ للنظام السوري، لا لقدرة دمشق على رفضه ومنع انتخابه، أو منعه من تسلم الحكم، بل لأن حلفاء دمشق وطهران على السواء لن يسمحوا بذلك. وفي موازين القوى، فإنّ لهؤلاء، وعمادهم ” حزب الله”، التأثير الواسع، بل الحاسم، في مجريات الأمور.
في المقابل، لن تسمح المملكة العربية السعودية التي حققت انقلاباً على “الاخوان” في مصر، بأن يختار لبنان رئيساً معادياً لها، أو موالياً للنظام الأسدي، وفي هذا تتساوى قوّتا التعطيل.
الى ذلك تنتظر المملكة ومعها العالم نتائج الانتخابات المصرية، وتأثيراتها في الشارع، وهذه ان بدأت في 25 أيار، فان نتائجها لن تظهر قبل نحو اسبوع. ومثلها الانتخابات النيابية العراقية التي ستنتج حكومة جديدة (في 30 أيار) ترسم أطراً للتعامل مع ملفات المنطقة، وخصوصاً مع ايران كدولة أو الارتماء في حضنها.
ولا ننسَ المفاوضات الأميركية الايرانية التي لن تظهر نتائجها قبل تموز، وسيكون لها الانعكاس الكبير على مجمل الملفات العالقة في المنطقة.
اما في الداخل، فالحاجة الى مزيد من الوقت ملحّة، لأن الظروف لم تنضج بعد للذهاب الى البرلمان بمرشح توافقي من خارج لعبة الكبار. وهؤلاء لم يتهيأوا نفسياً بعد لتقديم التنازلات.
فالعماد ميشال عون يعلم تماماً ان لا حظوظ له اذا لم يدعم ترشيحه الرئيس سعد الحريري بضوء أخضر سعودي، وبغير ذلك فانه لن يترشح.
واذا كان المرشحان الأقويان مسيحياً، غير مرغوب فيهما، من معظم الأطراف، وحتى من حلفائهما، فانهما حتى تاريخه، لم يرضخا لهذا الواقع، وبالتالي فإنهما غير مستعدين لتقديم اي تنازل، ولن يتيحا الفرصة لأي حليف لكليهما بالترشح.
وإلى أن يتعبا، ويرضيا بتسوية ما، فان الوقت يدهمنا، وبالتالي فإن الفراغ بدأ يُطل برأسه. والفراغ المنهك سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وسيدفع في اتجاه سيناريو يحمل الى بعبدا رئيساً يرضي معظم الأطراف، ويعطي كلّ لاعب أساسي حصته في السلطة. وعندما يكتمل تقاسم الحصص، ويتعب المقاتلون، يتقدم المرشح التوافقي. وهذا السيناريو يحتاج الى انقضاء شهر تموز، عندها يبدأ البحث الجدّي، ويصير للبنان رئيس في آب او في مطلع أيلول.