IMLebanon

انتخاب الرئيس شعبياً: كلام قديم لم يكتب على ورق

ليس اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب فكرة جديدة. تاريخها يعود الى زمن الحرب والحوارات اللبنانية والاقليمية. لكن اي قوة سياسية لم تترجم فكرتها على الورق

ليست المرة الاولى التي تتردد فيها مطالبات داخلية بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب. لا بل إن اصواتا متفرقة من فئات مختلفة الانتماءات السياسية والطائفية كانت تطرح اللجوء الى انتخابات رئاسية عبر الاقتراع الشعبي، في مراحل متفرقة من الحرب، وحين كان لبنان يصل في محطات رئيسية الى استحقاق الانتخابات، ويلوح في الافق تعثر حصولها.

جاءت مبادرة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في هذا المعنى مكملة لفكرة قديمة تطل من حين الى آخر وسرعان ما تطوى. الا انها هذه المرة اتت في اطار مشروع متكامل وبنود تفصيلية ومتقدمة عن الافكار التي كانت تطرح سابقا.

جوبهت فكرة عون برفض معظم القوى السياسية، المناوئة لتغيير جذري في بنية النظام اللبناني، كما كانت تُرفض الافكار المماثلة التي طرحت خلال الحرب او بعد انتهائها رسميا عام 1990 مع اتفاق الطائف.

لكن ثمة مفارقة جوهرية تتوقف عندها اوساط سياسية، في استعادة لمحاولات تغيير النظام اللبناني منذ ان اندلعت حرب 1975 حتى اتفاق الطائف. وتتلخص هذه المفارقة في أن كل القوى السياسية وعلى اختلاف تنوعها ولا سيما تلك التي كانت مناهضة لـ«المارونية السياسية» ولسيطرة الموارنة على السلطة في لبنان، لم تطرح في وثائقها السياسية الرسمية خلال النقاشات السياسية للاصلاح السياسي في لبنان، مبادرة مكتوبة لا لتغيير مذهب رئيس الجمهورية ولا لكيفية انتخاب رئيس الجمهورية او حتى لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، في اي مؤتمر حواري داخلي او اقليمي او دولي.

جاءت مبادرة عون مكملة لفكرة قديمة تطل من حين الى آخر وسرعان ما تطوى

ظلت فكرة الانتخاب الشعبي تتردد في الوسط السياسي، تأخذ مداها احيانا مع الحديث عن طغيان عددي للمسلمين على المسيحيين، ما يجعل فكرة الاقتراع الشعبي ملائمة للمسلمين كي يكونوا هم اصحاب القرار بانتخاب رئيس الجمهورية الماروني. واحيانا كان يطالب بها مسيحيون لاسباب سياسية بحت، لكن الواقع ان الفكرة ظلت شعارا اكثر منه واقعا مترجما على الارض، رغم الحيثيات والظروف التي كانت تحتمل طرح هذه الافكار، تحت وطأة الحرب والمدافع. لم يطالب اي فريق اسلامي او مسيحي عمليا بانتخاب رئيس من الشعب، في اي وثيقة او برنامج عمل رسمي قدم الى المؤتمرات التي عقدت في بيت الدين او بكفيا او الاتفاق الثلاثي في سوريا او الطائف. حتى في مؤتمر لوزان، ورد اقتراح مماثل في ورقة قدمها الرئيس عادل عسيران باسم «الشباب المثقف في الجنوب»، ولم ترد في ورقة العمل المشتركة للقوى الاسلامية. وكذلك اقترح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اثناء النقاشات في المؤتمر نفسه «إنشاء مجلس رئاسة ينتخبه الشعب وتكون رئاسته مداورة كل سنة»، ولم يرد الاقتراح في ورقة الهيئة العليا للطائفة الدرزية التي وقعها مع الامير مجيد ارسلان وشيخ عقل الطائفة الدرزية محمد ابو شقرا، وتضمنت «انتخاب رئيس الجمهورية في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ».

وقد خلت الوثائق الرسمية للقوى السياسية الرئيسية حينها من اي اشارة إلى هذا الموضوع، بل إن جل ما خلصت اليه هو انتخاب رئيس الجمهورية من مجلس النواب والشيوخ بعد استحداثه او انتخابه بنسبة 55 في المئة من الاصوات.

ففي عام 1976 اصدرت القوى الوطنية والتقدمية برنامجها المرحلي للاصلاح السياسي، وجاء فيه تحت بند «اصلاح السلطات العامة: يجري انتخاب رئيس الجمهورية في جلسة مشتركة يعقدها مجلس النواب ومجلس النشاطات اللبنانية الاساسية». وهذا المجلس «هو مجلس دستوري منتخب تتمثل فيه كل النشاطات المهنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعنوية».

وفي الوثيقة الدستورية التي اذاعها الرئيس سليمان فرنجيه ورد حصراً «التأكيد على العرف القائم بتوزيع الرئاسات الثلاث».

اما في الورقة المشتركة للاصلاح السياسي التي قدمها كل من الرؤساء عادل عسيران ورشيد كرامي وصائب سلام، ورئيس حركة امل نبيه بري وجنبلاط الى مؤتمر لوزان، فقد ورد تحت عنوان «الاصلاح في السلطة التنفيذية» المطالبة بانتخاب رئيس الجمهورية «في المجلس النيابي ومجلس الشيوخ باكثرية 55 في المئة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة». اما الرئيس امين الجميل، فقد اقترح في ورقته اعتماد «أكثرية 55 في المئة لانتخاب رئيس الجمهورية في الدورات التي تلي الدورة الاولى، ولترشيح رئيس الحكومة والاقتراع على الثقة».

وجاء اقتراح انتخاب الرئيس بحسب ما ورد في الاتفاق الثلاثي كالاتي: «يعتمد في انتخاب رئيس الجمهورية اكثرية الـ 55 في المئة من العدد القانوني لمجلس النواب في الدورات التي تلي الدورة الاولى. ويكون النصاب القانوني لاجراء الانتخاب في كل دوراته سبعة اعشار عدد اعضاء المجلس».

برغم كل الازمات والاقتتال الداخلي بقي هناك خيط رفيع من احترام ميثاق 1943 كاساس للعيش المشترك، سواء برغبة داخلية او خارجية، الا ان القوى السياسية حافظت على احترام موقع رئاسة الجمهورية عبر تأكيد مسيحيته ومارونيته، وعبر حصر انتخابه في مجلس النواب، وإن تعددت اقتراحات الاصوات التي يجب الحصول عليها.

في عام 1990 أبقى الطائف في التعديلات الدستورية، عملية انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب، وزاد عليه مهمة اختيار رئيس الحكومة، على قاعدة ان النظام اللبناني قائم على مجلس النواب، الذي يعبر بتركيبته الدقيقة عن العيش المشترك وعن الأسس التي أرستها مقدمة الدستور.

والأهمية التي أعطيت لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، عبرت عنها بوضوح النقاشات النيابية لاقرار الدستور الجديد عام 1926، والتي طرح فيها سؤال عن مصير الرئاسة اذا لم يحصل المرشح على أكثرية مطلقة في الدورتين الثانية والثالثة (كما كان نص المادة 49)، فكان جواب أعضاء في اللجنة بضرورة حل المجلس النيابي اذا لم يستطع انتخاب الرئيس. ما اعطى اهمية كبرى لدور المجلس النيابي في ادارة العملية الانتخابية.

اليوم يعود الاقتراح القديم الجديد الى الواجهة. وجديده انه يأتي في زمن السلم، ومن أحد الزعماء الموارنة.