حتى الآن لم يستفق المسؤولون الاوروبيون المولجون في العواصم الاوروبية الكبرى من صدمة سقوط الموصل ومناطق شاسعة الى الشمال من بغداد بسرعة خاطفة بيد مجموعات تنظيم “داعش” المسلحة والقليلة العدد مقارنة بعشرات الآلاف من الجنود التابعين لمختلف قطعات الجيش العراقي الجديد! وحتى الآن لا يزال الخبراء الديبلوماسيون المتابعون لملفات الشرق الاوسط يجمعون كل ما امكنهم من معلومات ميدانية، وسياسية، واستخباراتية في العراق من اجل تكوين صورة واقعية لما حصل في الايام الاخيرة حيث انتقل الحدث الاساس في المنطقة من سوريا الى العراق الذي يدخل يوما بعد يوم حربا اهلية سنية – شيعية طويلة الامد.
في المعلومات الاولية التي استحصلت عليها دوائر غربية رفيعة المستوى، ان سقوط المناطق الواسعة في العراق حصل بفعل “انتفاضات” محلية تقاطعت مع هجوم تنظيم “داعش” القليل العدد مقارنة بعدد مسلحي العشائر، مما ادى الى انهيار الجيش التابع لقيادة حكومة نوري المالكي المنتهية ولايته، ومن هنا فإن التركيز على ان تنظيم “داعش” اسقط محافظات ومدنا بحجم الموصل ليس دقيقا. والمعلومات الاستخبارية الغربية تشير الى ان الدولة المركزية هي التي انهارت في المحافظات السنية، وان السيطرة على الارض تعود بشكل عام الى السكان المحليين الذين تقاطعت “انتفاضتهم” على حكومة المالكي وسياساتها مع هجوم “داعش”.
لقد ادت سياسات نوري المالكي، والاجندة الايرانية في العراق الى تمزيق البلاد مرة جديدة، والى تعميق الاحقاد المذهبية، مما ادى ويؤدي الى اشعال نار الحرب المذهبية على ارض العراق. وثمة تضخيم لدور تنظيم “داعش” الذي يبقى اقل اهمية من دور العشائر وابناء المناطق المعنية بالاحداث الاخيرة والذين يسيطرون على الارض.
ثمة انتفاضة في اجزاء كبيرة من العراق، ولا تزال الدوائر الغربية المعنية بالملف العراقي عاجزة عن قراءة الاحداث على حقيقتها. وثمة فشل كبير للخيار الاميركي بالتعاون مع ايران، وتسهيل وضع يدها على السلطة في العراق عبر المالكي والاحزاب التابعة لها، ادى الى احتقانات كبيرة في الوسط السني، الى ان انتهى الى حصول هذا الانهيار الكبير في محافظات الوسط.
ليس كل ما يحصل في العراق من صنع “الارهاب”. بل ان ما يحصل افاد منه تنظيم “داعش” بفعل سلوكيات ايران في العراق، وبفعل تقاطع سياسات واشنطن – طهران على النحو المعروف. ومن هنا فإن الحل ليس بالقوة العسكرية بمقدار ما هو بتغيير حقيقي في سياسات طهران في المنطقة.
خلاصة القول، ان سياسة طهران في المشرق العربي من العراق الى لبنان وفلسطين مرورا بسوريا، باتت الوقود الاساسي لحرب اهلية دخلتها المنطقة من بابها الواسع، انفجار العراق الاخير!