IMLebanon

انقلاب مسيحي على «حزب الله»

يخوض البطريرك بشارة الراعي معركة مزدوجة لكسر هيمنة «حزب الله» على قرار الطائفة المارونية السياسي، محليا واقليميا، ويأمل في ان تؤدي الى اخراج طائفته من حال التشرذم التي فرضها عليها الحزب بتحالفه مع احد اقطابها (ميشال عون) الذي يؤمّن منذ العام 2005، بموجب اتفاق عودته من المنفى، غطاء مسيحياً لتفرد الحزب بالقرار اللبناني، واقحام البلد في محور «الممانعة» بقيادة ايران.

والشق الاول في معركة البطريرك، دفاعه المستميت عن موقع رئاسة الجمهورية، حصة المسيحيين في ترويكا الدولة الى جانب رئاستي مجلسي النواب والوزراء، وتشديده على انتخاب رئيس في الموعد الدستوري قبل نهاية الشهر الحالي، وضرورة تجنب الفراغ الذي يعني بالنسبة اليه حرمان الموارنة من المشاركة في الحكم بطريقة صحيحة، و«قطع رأسهم» على حد تعبيره.

اما الشق الثاني، فيتعلق بالزيارة التي ينوي الراعي القيام بها الى الاراضي المقدسة ومناطق فلسطينية واقعة تحت السيادة الاسرائيلية، برغم ما تشكله من ضربة قاسية لمبدأ المقاطعة الذي يرفعه «حزب الله» شعارا ويستخدمه وسيلة سياسية للنيل من خصومه في الداخل والخارج، على رغم ان كلاهما يقف اقليميا، مباشرة او تلميحا، الى جانب النظام السوري في معركته للبقاء، ولو من منظورين مختلفين.

وفي موضوع الرئاسة، يحول «حزب الله» وحلفاؤه، بمن فيهم كتلة عون، دون اكتمال النصاب القانوني في مجلس النواب حتى الآن، ما لم يتم التفاهم على رئيس من فريقهم، او مقبول منه على الأقل. ويضعه ذلك في مواجهة مفتوحة مع البطريرك الذي كان سعى الى استباق هذا الوضع عندما جمع اقطاب الموارنة في بكركي قبل شهرين تقريباً ودعاهم الى تأكيد التزامهم انتخاب رئيس في المهلة الدستورية، لكن عون اغضب الراعي عندما خرق هذا الاجماع بعدما تبين له انه لا يخدم وصوله الى قصر بعبدا.

ويعتبر البطريرك ان الشيعة والسنة يختارون قياداتهم وممثليهم في الدولة، اما المسيحيون فمحرومون من هذا الحق الذي تمارسه الطائفتان المسلمتان بالنيابة عنهم، بسبب انقساماتهم التي تجعلهم يلتحقون بخيارات الآخرين. لكنه يعرف ان السنة حريصون، قولا وفعلا، على المحافظة على حقوق المسيحيين، واثبتوا ذلك منذ اتفاق الطائف، فيبقى «حزب الله” هو المتهم الوحيد بمنع الاجماع المسيحي، والمعني بالمواجهة الحالية معه.

اما بالنسبة الى زيارة الاراضي المقدسة والمدن والبلدات المسيحية في شمال اسرائيل، فيبدو البطريرك متمسكا بقوة بحرية خياره. ومع انه ساق للزيارة تبريرات كنسية، الا انه لا يخفى انها تعبير آخر عن رفض استمرار خضوع قرار المسيحيين اللبنانيين، سياسيا كان او دينيا، لاعتبارات الطوائف الاخرى، وخصوصاً «حزب الله» الذي يجاهر بتبنيه سياسات ايران وخضوعه لمرجعيتها. كما تشمل الزيارة لقاء المسيحيين الذين فروا مع عائلاتهم الى اسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان خوفا من عمليات انتقامية، وهو ملف يشغل الكنيسة التي ترى ان بنود المصالحة الوطنية يجب ان تنطبق على هؤلاء، بينما يصر الحزب على محاكمتهم وادانتهم.

لكن من الواضح ان رغبة البطريرك في توحيد كلمة الموارنة خصوصا والمسيحيين عموما، واستعادة استقلالية قرارهم، وتعزيز دورهم ورأيهم في السياسات اللبنانية، تصطدم اساسا بالثغرة الواسعة التي يشكلها التحالف بين «حزب الله» وعون، فهل تستطيع بكركي تحييد هذا الاخير لكف يد الحزب، ام تشمله بمعركتها؟