أثار وزير الخارجية الأميركي إشكالاً ديبلوماسياً مع نظيره اللبناني بعدما رفض الثاني شرط الأول أن يكون اللقاء بينهما، إبان زيارة كيري لبيروت أول من أمس، في المطار، فيما تعيش قوى 14 آذار تحت وقع الصدمة التي تلقتها من رئيس ديبلوماسية البلد الذي تعتبره راعيها منذ نشوئه
انشغلت الكواليس السياسية اللبنانية أمس بأبعاد زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لبيروت أول من أمس، من حيث الشكل والمضمون. وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية لـ«الأخبار» إن كيري كان يريد زيارة السراي بهدف توجيه رسالة دعم لحكومة الرئيس تمام سلام، كما أراد القيام بالجولة التقليدية التي تشمل مسؤولاً شيعياً وآخر مارونياً. الاول هو رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي غياب رئيس للجمهورية، اختار كيري البطريرك الماروني بشارة الراعي ممثلاً للموارنة.
لكنّ ثمة سؤالاً كبيراً مطروحاً عن سبب عدم حدوث لقاء بين كيري ووزير الخارجية جبران باسيل. وبحسب المصادر، فإن كيري أبلغ وزارة الخارجية اللبنانية رغبته لقاء باسيل، لكنه حدّد مكان اللقاء في مطار بيروت، «بسبب قصر وقت الزيارة». وهنا قلّب باسيل الأمر، قبل أن يستقر رأيه على عدم لقاء كيري، بسبب «الإهانة» البروتوكولية التي ستلحق بلبنان في حال وافق على لقاء نظيره الأميركي في المطار. وقالت مصادر دبلوماسية إن كيري الذي سبق أن رفض تحديد موعد للقاء باسيل في واشنطن، أصرّ على عدم زيارة مقر الخارجية اللبنانية، لأنه في تلك الحالة سيصبح مضطراً، بروتوكولياً، إلى عقد مؤتمر صحافي في قصر بسترس، مع باسيل، علماً بأنه أراد أن يكون مؤتمره الصحافي مشتركاً مع سلام، من باب تأكيد الدعم للأخير.
وبناءً على ذلك، ولعلم باسيل بأن كيري سيثير موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية وترشح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ما قد يسبب له إحراجاً، اعتذر عن عدم قدرته على لقاء كيري، متذرعاً بانشغاله بمؤتمر في الصين.
وفي السياق ذاته، لا تزال قوى 14 آذار تحاول الاستفاقة من «وقع الصدمة». فهي اعتادت في الأعوام الماضية أن توردها الادارة الأميركية في جدول زياراتها، ولو من أجل الصورة فقط، وهو ما لم يحصل في زيارة كيري. حاولوا بلع الأمر بطرق مختلفة؛ منهم من أقنع نفسه بأن «الزيارة كانت خاطفة وسريعة»، ومنهم من أشاع معلومات عن لقاء سرّي بين الوزير الأميركي وإحدى شخصيات 14 آذار. وكان وقع الصدمة أكبر لأن كيري دعا في مؤتمره الصحافي إيران وروسيا وحزب الله الى بذل جهد حقيقي لوضع حدّ للحرب في سوريا. سريعاً، وبحسب مصادر دبلوماسية، استنجد الآذاريون بعراب «ثورتهم»، السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان، وبصلة وصلهم السعودية، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. عبّروا عن غضبهم لأن كيري أوحى بتغيّر استراتيجية واشنطن تجاه حزب الله والكف عن اعتباره إرهابياً. وبحسب مصادر مطلعة، وعدهم فيلتمان وبعض أصدقائهم الأميركيين بأن بياناً سيصدر ظهر أمس عن الخارجية الأميركية يعيد تأكيد موقف واشنطن من حزب الله باعتباره منظمة «إرهابية»، والادعاء أن خطأً ما حصل في ترجمة كلام كيري. لكن حتى ساعة متأخرة من ليل أمس لم يكن البيان الموعود قد صدر بعد. وتلفت المصادر إلى أنه كان واضحاً أن كيري يقرأ تصريحه من على ورقة مطبوعة بحيث يصعب تبرير كلامه بخطأ في الترجمة. ويقول مصدر في فريق 14 آذار إن استثناءهم من جدول الأعمال الأميركي سببه «بعد الولايات المتحدة عن جوّ 14 آذار».
توتّر في جبهة
14 آذار بعد تصريحات كيري تجاه حزب الله
أما عن علاقة الزيارة بالاستحقاق الرئاسي، فيؤكد المصدر أن لا قيمة لها على هذا الصعيد، وإلا «لكانت تمت قبل 25 أيار»، لافتاً إلى أن «أولويات أميركا في هذه المرحلة تأمين الاستقرار». لكنه، رغم ذلك، أبدى انزعاجه من طلبها من إيران وحزب الله وروسيا تأمين الاستقرار في سوريا. وفي الموازاة رأى النائب نديم الجميل أنه «اتضحت معالم الغزل الحاصل بين إيران والولايات المتحدة في خطاب كيري حين دعا حزب الله الى الخروج من سوريا، علماً بأنّ إيران هي التي تسيّر عمليّات الحزب» (…) مشيراً إلى ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «توقّف بدوره عن مهاجمة الولايات المتّحدة في خطاباته».
إشكالات المؤسسات
سياسياً، لا تزال الإشكالات في شأن الاستحقاق الرئاسي وكيفية تسيير عمل المؤسسات الدستورية في ظل الشغور الرئاسي على حالها.
وفي هذا الاطار، قيّم الرئيس بري أمام زواره مساء أمس حصيلة لقاءاته واتصالاته الأخيرة، مشيراً إلى أن لا جديد بالنسبة إلى انتخاب رئيس الجمهورية الاثنين المقبل. وأوضح أن الاتصالات واللقاءات التي عقدها في الساعات الأخيرة «تركزت على تسيير عمل الحكومة ومجلس النواب. لكن بالنسبة إليّ، انتخابات الرئاسة هي الأساس، والأولوية تقتضي تركيز الاهتمام عليها. وفي الوقت نفسه لا يمكن تعطيل سائر السلطات إلى حين انتخاب الرئيس الجديد».
ولما سئل هل من قيود على عقد جلسات تشريع للمجلس؟ قال: «أرفض أي قيود من هذا النوع. المجلس يشرع بحسب الدستور ويجب أن تعمل الحكومة أيضاً لأنها بذلك تطبق الدستور. ليست هناك مواضيع ضرورية أو غير ضرورية للتشريع في المجلس. سلسلة الرتب والرواتب، قانون الانتخاب، مشروع الموازنة… أليست هذه مواضيع مهمة؟ كذلك هناك اقتراحات متعلقة بالوضعين المالي والنقدي، وفي المجلس عدد من اقتراحات القوانين المؤجلة لا يستطيع رئيس المجلس أن يردها أو أن يوافق عليها، بل إن القرار هو للهيئة العامة».
وعن لقائه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، قال بري: «تناول عقد جلسات تشريع للمجلس، وكان موقفه منفتحاً، وهو ما عبّر عنه بعد اللقاء». وأوضح بري أن عون أبلغه أنه سيدرس إمكان المشاركة في جلسات مجلس النواب بعدما لفته رئيس المجلس إلى عدم ملاءمة مقاطعتها، خصوصاً جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
وكان بري بحث أمس مع رئيس الحكومة تمام سلام في عين التينة ما يواجه عمل الحكومة والمجلس النيابي والاستحقاق الرئاسي. وبعد اللقاء لم يشأ سلام الإدلاء بأي تصريح.
كذلك عرض بري هذه المواضيع مع وزير الصحة وائل أبو فاعور موفداً من رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، في حضور وزير المالية علي حسن خليل.
وكان سلام تلقّى رسالة دعم دولية لحكومته عبّر عنها المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي الذي أكد «دعمنا لدولة الرئيس سلام ولحكومته وأهمية قدرة الحكومة وفقاً لأحكام الدستور على معالجة التحديات التي تواجه لبنان».
من جهتها، شددت كتلة المستقبل النيابية بعد اجتماعها أمس على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية. لكنها رأت في الوقت ذاته أن عمل الحكومة يجب أن يستمر في إدارة شؤون البلاد.
من جهة أخرى، وفيما لم تثمر اللقاءات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر نتائج عملية، أكد النائب أحمد فتفت استمرار الحوار، لكنه رأى أن «على عون أن يكون توافقياً مع الجميع في 14 آذار، خصوصاً مسيحييها، وإلا فهو ليس توافقياً، وكل ما يقال هو مضيعة للوقت»، فيما رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن «ما أفشل الانتخابات الرئاسية طريقة تصرف الفريق الآخر، بسبب تمسكه بمعادلة إما انتخاب عون رئيساً أو التعطيل».
وفي السياق، أطلع أعضاء المؤسسات المارونية البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على نتائج اللقاءات التي أجروها مع القادة الموارنة الأربعة. وسيزور الوفد لاحقاً الرئيسن بري وسلام.
في مجال آخر، لفت النائب البطريركي العام المطران بولس صياح الى أنه «لن يتغير شيء في العلاقات مع حزب الله، وكل إنسان له الحق في التعبير عن رأيه». وقال «الأمر يعود للحزب إذا أراد مقاطعة بكركي» بعد زيارة الراعي الاراضي المقدسة. وسأل في حديث تلفزيوني: «هل من قاتل الجيش، ومن هجّر وسرق الناس، أقل مسؤولية من الذين تعاملوا مع إسرائيل غصباً عنهم؟».