IMLebanon

بانتظار رئيس ليس من صنع لبنان!

اليوم (24 ايار-مايو 2014) ينتقل الرئيس اللبناني ميشال سليمان من قصر بعبدا الى بلدته عمشيت، منهياً بذلك ولاية استمرت ست سنوات، حرص خلالها على تجنب العواصف السياسية التي ضربت المنطقة في منتصف عهده.

وكما اختير هو في الدوحة رئيساً توافقياً قبلت به مختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية… هكذا يُتوقع من خلَفِهِ أن يكون رئيساً مُعبراً عن صيغة جديدة قادرة على الصمود وسط انهيارات الأنظمة العربية وتحولاتها الخطيرة.

ومن المتوقع أن يتسلم رئيس الحكومة تمام سلام، بدءاً من يوم غد، صلاحيات الرئيس سليمان مع أعضاء الوزارة… تماماً مثلما فعل سلفه فؤاد السنيورة بعد انتقال الرئيس إميل لحود الى بلدته بعبدات.

صحيح أن مهمة الحكومة مجتمعة ستقتصر على تصريف الأعمال، ولكن الصحيح أيضاً أن أداءها سيمهد لانتخاب رئيس يملك المواصفات التي وضعها أصحاب الحل والربط. وهي مواصفات صعبة التحقيق في ظل الأوضاع القائمة، خصوصاً أن المنطقة مقبلة على تغيير جذري يتعلق بتفكيك التحالفات السابقة، وبناء تحالفات جديدة مكانها. وأكبر مَثل على ذلك ما يمكن أن تفرزه عملية انتخاب الرئيس بشار الأسد، الشهر المقبل، على الساحة اللبنانية.

ويرى المراقبون أن نجاح الأسد في ولاية ثالثة لن يؤدي الى انسحاب قوات «حزب الله» من سورية. والدليل ما قاله الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام، من أن وجود الحزب في سورية ضروري، وأساسي، الى حين تتغير الظروف ميدانياً وسياسياً.

ولكن نجاح الأسد في انتخابات الرئاسة لا يعني حسم معركة نظامه، ميدانياً وسياسياً.

ففي الحال الأولى، ستستأنف المعارضة عملياتها العسكرية ضد النظام بطريقة تشغله عن تحقيق مشاريع الإعمار، الأمر الذي يؤكد بقاء خمسة ملايين نازح خارج البلاد. وفي الحال الثانية، ستخلق المعارضة – بدعم من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي – حملات من التشكيك بشرعية رئيس جدَّد حكمه على جثث 162 ألف قتيل ودمار أهم ست مدن كبرى.

وتتوقع العواصم الكبرى استمرار مراوحة الأزمة الى حين اتفاق ايران والدول العربية والغربية على رسم خطوط حدود نفوذ أكثر من ثلاثين دولة داخل الجامعة العربية. أي أن هناك 8 دول جديدة ستنضم الى الجامعة.

وفي هذا السياق، يصعب تقدير الدويلات الثلاث التي ستفرزها خلافات النظام السوري مع خصومه، وما إذا كانت ستنتهي قبل عام 2021 أم بعده.

والثابت بعد هذا التحول، هو انتهاء الدور السوري المحوري في المنطقة، وإدخاله بواسطة «حزب الله» تحت المظلة الايرانية التي وُصِفت بأنها تمتد من بحر قزوين شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً. وفي ظل المتغيرات المتوقعة، يصبح تأثير الرئيس السوري في قرار الرئيس اللبناني معدوماً تقريباً بسبب انتقال النفوذ من قصر الروضة في دمشق الى الضاحية الجنوبية في بيروت.

بقي السؤال المتعلق بطبيعة المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط، وأثرها على إنتاج رئيس جمهورية لبنان القادم.

بدأت فكرة التغيير لدى الرئيس الاميركي باراك اوباما عقب اجتماعه بأربعة وزراء خارجية سابقين، بينهم هنري كيسنجر. ونصح الوزراء بضرورة فتح حوار مع ايران لعل الديبلوماسية تنجح حيث فشلت المقاطعة والعقوبات.

واختير للقيام بتلك المهمة الحساسة بيل بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. وقد امتدحه كيسنجر بكلمات قليلة قال فيها: «هو مستشار وديبلوماسي ماهر، ومَثل للموظف الرصين والمنضبط والمقنع. وأنا أرتاح لخياراته، وأستطيع التعلم منها. وهذا وصف لا أتطوع بمنحه في الغالب لكثير من الناس».

على مدى تسعة أشهر، عقد بيرنز ومساعده جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي، خمسة اجتماعات في سلطنة عُمان وسويسرا. ولم تظهر مهمته الى العلن إلا بعدما توصلت طهران مع أعضاء مجموعة الست، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الى اتفاق يقضي بالحد من البرنامج النووي الايراني لمدة ستة أشهر مقابل رفع العقوبات.

وبعد مضي فترة قصيرة، أعلن وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عُمان يوسف بن علوي بن عبدالله عن دور بلاده في التقارب الاميركي-الايراني، وقال إن زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني للسلطنة تؤكد عمق العلاقة التي تجمع الدولتين الجارتين.

الرئيس اوباما طمأن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنامين نتانياهو الى أنه لن يكون لإيران سلاح ذري خلال مدة ولايته، أي لغاية كانون الثاني (يناير) 2017.

كذلك طلب اوباما إزالة إسم ايران من مجموعة «دول الشر»، لأن روحاني، في نظره، يمثل تيار المعتدلين العقلانيين الذين يمكن التعاون معهم في القضايا الاقليمية. وفي لقائه مع أحد القادة العرب، قال اوباما إن طهران وعدته بضبط الأمن في أفغانستان بعد استكمال خروج القوات الاميركية في نهاية هذه السنة. كما وعدته بالتعاون في العراق وسورية ولبنان، حيث لإيران تأثير كبير.

دول مجلس التعاون الخليجي اكتشفت في الصفقة الاميركية-الايرانية تنازلات سياسية استفادت منها طهران لتعزيز نفوذها العسكري في اثيوبيا وأريتريا وجيبوتي والصومال والسودان. وقد وضعت القرن الافريقي في طليعة اهتماماتها الاستراتيجية بهدف السيطرة على الممرات المائية.

وكان من نتيجة ذلك التوسع أن نجحت إيران في تهريب الأسلحة الى الحوثيين في اليمن ومنظمة «الشباب» في الصومال، ومساعدة مقاتلي «القاعدة» على الانتقال من أفغانستان الى جنوب اليمن. كذلك اهتمت طهران بتوطيد علاقتها مع السودان الذي تستخدمه كممر لنقل الصواريخ والأسلحة الى حركة «حماس» في قطاع غزة.

وكما تتعاون مع السودان، كذلك تتعاون ايران مع دول افريقية تطل على البحر الأحمر، مثل جيبوتي وأريتريا، بغرض تأسيس موقع عسكري مؤثر على البحر الأحمر يؤدي الى خليج ايلات وقناة السويس.

وكان من الطبيعي أن يربك هذا الحضور العسكري المتنامي حول قاعدة «ليمونييه» في جيبوتي القوة الاميركية المتمركزة في ذلك الميناء، والذي منه تنطلق الطائرات من دون طيّار لتضرب تنظيم «القاعدة» في اليمن، وحركة «الشباب» في الصومال.

زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الذين زاروا واشنطن، أعربوا للرئيس اوباما عن مخاوفهم من استغلال ايران عامل الوقت بحيث تستفيد من رفع العقوبات لضمان حصولها على السلاح النووي. وأرسل اوباما وزير الدفاع تشاك هيغل الى المنطقة على أمل تطمين الدول الخليجية، وتأكيد حرص واشنطن على منع امتداد نفوذ طهران الى الخليج. وقد شارك هيغل في الاجتماع التشاوري الأول لمجلس الدفاع المشترك الذي عُقد في جدة بهدف تبادل وجهات النظر وتنسيق الخطط تجاه المستجدات والمفاجآت.

وحذر ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز من التردد والتقاعس عن مجابهة الأزمات الاقليمية، داعياً الى ضرورة حماية الأمن الخليجي حفاظاً على الاستقرار والمصالح المشتركة.

وذكرت الصحف المحلية أن الوزير الاميركي تعرض للانتقاد من جانب المسؤولين الذين التقاهم بسبب السياسة الفاشلة التي عكستها علاقة بلاده مع طهران. وشكك البعض في نيّة الولايات المتحدة، ومن الأخطار السلبية التي ستجنيها دول الخليج نتيجة هذا الانعطاف السياسي غير المبرَّر.

والثابت من مراجعة سجل التحولات العربية، أن دولاً خليجية اتفقت مع مصر على برامج طويلة الأمد تعهّد المشير عبدالفتاح السيسي تنفيذها عقب انتخابه رئيساً. ويرى المشير أن دول مجلس التعاون الخليجي تشكل العمق العربي الاستراتيجي لمصر، وأن أمنها القومي سيبقى موضع اهتمام من جانب أكبر دولة عربية.

ورداً على هذا التعهد، أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بضرورة دعم مصر اقتصادياً، والتعويض عمّا حرمتها منه المساعدات الاميركية الضئيلة. وقد حضّ هذا الموقف دولة الامارات المتحدة لإعانة مصر في مشاريعها السياحية والانمائية. كما دفعها الى ترسيخ علاقاتها التجارية مع القاهرة لمساعدتها على تخطي العجز.

ومعنى هذا أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت تسعى الى تكوين تكامل سياسي-اقتصادي مع مصر من طريق المؤسسات الرسمية والخاصة، الأمر الذي يمكِّن المصريين من التحكم بمصيرهم.

في ضوء هذه الخلفية السياسية المتوترة، ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر انفتاح بين الرياض وطهران، عززتها زيارة هاشمي رفسنجاني الى السفير السعودي الجديد في طهران عبدالرحمن الشهري.

وبما أن كل تحرك ديبلوماسي من هذا النوع يجب أن يخضع لتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن منطق الجمهورية يفسر خطوة الرئيس السابق وكأنها عمل مبرمج بواسطة أعلى الجهات. وعليه يتوقع المراقبون أن تكون زيارة السفارة السعودية مقدمة لزيارة المملكة والاجتماع بالملك عبدالله بن عبدالعزيز، خصوصاً أن المنافسة الاقليمية بين دولتين تمثلان قوتين دينيتين أساسيتين لا يجوز أن تبقى رهينة المواجهة العلنية.

ومن هذا المنطلق، تبدو المعطيات الجديدة حافلة بالمفاجآت المشتركة، خصوصاً قبل اختيار الرؤساء في سورية ولبنان ومصر.

ومع انتظار هذا الحدث، تبدو أزمة رئاسة الجمهورية اللبنانية مدخلاً للتهدئة والتفاهم بين السعودية وإيران. كما يبدو الرئيس المنتَظر وكأنه صنع خارج لبنان، مثله مثل ميشال سليمان الذي انتقل اليوم الى بلدته عمشيت استعداداً لتشكيل حزب سياسي يضم جماعة 14 آذار، على أن تكون شعاراته مستمدة من وثيقة بعبدا… وأن يكون حليفه السياسي وليد جنبلاط!