بري صاحب «ارانب الحلول» والوصفات «السحرية» يصرخ: لوين رايحين بالبلد؟ الحوار مع «المستقبل» لم يتوقف
لكن لا سبيل للهروب من السلسلة او رواتب الموظفين قبلنا باقتصار التشريع على «الضروري»
فلماذا لا يذهبوا الى المجلس؟
طباخ الحلول ومدّور الزوايا، وصاحب الارانب في الاكمام السحرية، حلاّل العقد.. محتار اليوم في امره، بل في امر الاخرين…
الرئيس بري يرصده زوّاره، يتكلم بحسرة ومرارة عما وصلت اليه البلاد من سوء وتردّ بسبب الشلل الذي بات عنوان المرحلة.
هذا الرجل الميّال دائما الى التفاؤل في احلك الظروف واصعبها… هو اليوم لا يخفي من تشاؤمه فالوضع الذي نعيشه لم يعدّ مقبولا، ولا يمكن السكوت عليه. بحسب الزوار الذين يقولون انه رغم تغليب منطق المصالحة، والتوافق، والموازنة في السياسة وغيرها يشعر رئيس المجلس ان هناك من يتمسك بتصلبه وتعنّته حتى لو تأكد بأنه على خطأ وينقلون عنه ان المنطقة تغلي، وما يجري من حولنا يهددنا جميعا… ومع ذلك هناك من يحاول ان يمارس سياسة «الانتقائية» في التعامل مع عمل وديمومة المؤسسات..
وهذه السياسة هي التي تساهم بشكل رئيسي في جعل البلاد اسيرة هذا الفراغ والشلل القاتل.
منذ استقالة حكومة الرئىس نجيب ميقاتي وحتى قبلها تعرض المجلس النيابي، ام وأب المؤسسات الدستورية، الى حملة تعطيل منظمة يقول مصدر نيابي مقرب من بري مارسها فريق في الداخل وربما ايضا بمساندة ودعم من الخارج..
قالوا انه لا يجوز ولا مسموح التشريع في ظل حكومة مستقيلة، واخترعوا هذه البدعة لتطبيق قرار التعطيل مع العلم ان الدستور صريح ولا لبس في تفسير نصوصه ومواده بالنسبة لهذه الحال.
كان الضغط يومذاك يضيف المصدر يرمي الى التأثير على الكتل النيابية الاخرى او الفريق الاخر علّه وعسى يوافقون على تسمية من يسعى دائما للعودة الى الكرسي الثالثة… وبعد المعادلة الداخلية – الخارجية التي اتت بالرئيس تمام سلام، استمر التعطيل بسبب تأخر ولادة الحكومة وبقيت البلاد في حالة قلق وانتظار.. والكلم يعرف ماذا فعل وقدم الرئيس بري من حلول وصيغ سحرية لكي تتشكل الحكومة على ما هي عليه اليوم.
وما ان ولدت الحكومة بتوافق يرفع منسوب التفاؤل، وحققت بعض الخطوات على حدّ قول المصدر لا سيما على الصعيد الامني حتى انشغل الجميع في الاستحقاق الانتخابي الذي كان لا بدّ من الانصراف اليه قبل كل شيء وهذا ما جعل بعض الملفات الحيوية والحسّاسة تبقى رهينة الانتظار.
ويعلم الجميع ايضا كيف انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان من دون انتخاب رئيس جديد، وكيف نحن اليوم ننتظر معادلة جديدة مماثلة للمعادلة التي ولّدت الحكومة لكي يصبح عندنا رئيس جمهورية.
وبعيدا عن السجالات والاتهامات المتبادلة… فلنقل ان الجميع مسؤول عن عدم انتخاب الرئيس حتى الان، ويسأل المصدر هل هذا يبرر ان نأخذ المؤسسات الاخرى رهينة ونعطلها بدلا من ان نعمل على خطين:
الخط الاول في الضغط والدفع باتجاه حسم هذا الاستحقاق الابرز، والثاني في ترك المؤسسات الاخرى تقوم بعملها ومسؤولياتها تجاه الاستحقاقات والملفات الداخلية والخارجية معا، لا سيما ان المنطقة على فوهة بركان وتفترض من ان يكون لبنان جاهزا وحاضرا بقوة لكل الاحتمالات بدلا من ان يبقى مشلولا ومقطع اليدين وربما الرجلين ايضا.
قالوا مرة اخرى يضيف المصدر بذريعة الشغور الرئاسي هذه المرة لا يجوز التشريع في غياب الرئيس مع ان رئيس تكتل «المستقبل» فؤاد السنيورة قائد حملة المقاطعة منذ حكومة ميقاتي اعترف من ساحة النجمة بأن المجلس يحق له التشريع في مثل هذا الحال، ثم تراجع مرة متضامنا مع حلفائه المسيحيين في 14 آذار ومرة في وجه اقرار سلسلة الرتب والرواتب.
ثم قالوا انه يمكن التشريع على قاعدة «الضرورات» وشاركهم التيار الوطني الحر هذا الرأي، وعندما اتى الى المجلس لحسم السلسلة تخلفوا، واشترطوا التوافق خارج البرلمان على كل التفاصيل قبل المجيء الى القاعة العامة، لكنهم كانوا عمليا «يلعبون بالتفاصيل» ليفرغوا السلسلة من مضمونها… والقرار الحقيقي اما التعطيل او تفعلون ما نريد.
ولأن البلاد في وضع دقيق يقول المصدر النيابي القريب من بري وخطير جراء الرياح الساخنة بل النار التي تحاصرها من كل جانب، ولان الشارع يغلي بالاضرابات والاعتصامات، ولان مصير عشرات بل مئات الالوف من الطلاب والعائلات على المحك، ثم لان الموظفين يريدون رواتبهم…
كل ذلك جعل الرئيس بري يقبل بالتغاضي، ان صح التعبير، عن حق المجلس في التشريع بكل شيء والاكتفاء بالتشريع الضروري… مع العلم انه كان السبّاق الى المحافظة على التوازن الطائفي وحتى السياسي في البلد «كرمال الوفاق»… والجميع يعرف انه وضع النصوص جانبا في العديد من الحالات لهذا الهدف، ولم يترأس جلسة في غياب شريحة او طائفة او مذهب رغم ان النصاب في تلك الجلسات «كان مؤمنا وزيادة».
ويقول الرئيس بري امام زواره هيئة مكتب المجلس ان حرصه على هذا التوازن جعله ايضا يقيّد حركة اقتراحات القوانين العجلة المكررة التي لا تحتاج الى
جواز مرور من هيئة مكتب المجلس. ثم ان هذه الهيئة بتكوينها معظمها من فريق 14 آذار وهي مسؤولة عن وضع جدول اعمال الجلسات، فلماذا الخشية، وما هو مبرر التعطيل.
وفي السياق نفسه يذكر ان البطريرك الماروني اوفد اليه مرة ميشال اده متمنيا عليه عدم اقرار مشروع قانون ذات طابع تربوي اسلامي انطلاقا من التنوع اللبناني وحفاظا على التعايش، وكان ردّه انني لم اضع مشروعا واحداً في ادراج المجلس لكنني ساضع هذا المشروع واقفل عليه ولن افتح الدرج ابداً».
وفي الخلاصة يشير رئيس المجلس الى انه على الرغم من السير في «التشريع الضروري»، رغم ان الدستور يجيز للمجلس ان يشرع في اي شيء، فان الامور ما زالت على حالها، كاشفا عن الحوار المستجد الذي يجري مع «المستقبل» لاستئناف عمل المجلس (على صعيد انعقاد الجلسات التشريعية) بالتوازي مع تواصل ناشط ايضا في هذا المجال مع العماد ميشال عون ان عبر الاتصال المباشر او عبر رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان الذي بات زائراً «دورياً» لعين التينة في الفترة الاخيرة.
وهذا الحوار ايضا يواكبه وبحسب المصدر النيابي القريب من بري جهد وتواصل مستمرين من قبل النائب وليد جنبلاط اكان بالاتصال المباشر مع بري او عبر مساعده السياسي الوزير وائل ابو فاعور.
ورغم عدم التوصل حتى الآن لاتفاق على انعقاد جلسة مجلس النواب فان الرئيس بري يقول المصدر يفضل ابقاء اجواء الحوار الذي لم يتوقف، في دائرة التفاؤل، مشيرا الى ان «المستقبل» قبل بالذهاب الى المجلس ولكنه يريد ان يكون جدول الاعمال مقتصراً على «اليوروبوند» المتعلقة بالسوق المالي والتزامات لبنان وموقعه المالي تجاه الخارج، بدلامن ان يشمل الجدول ايضا سلسلة الرتب والرواتب الباقية حكما على رأس جدول الاعمال بعد اعلان الرئيس بري الجلسات مفتوحة لهذه الغاية، وكذلك موضوع تسوية مشكلة قبض الموظفين لرواتبهم والحاجة الى اصدار قانون لهذه الغاية.
ويؤكد الرئيس بري انه يجب ان يكون على جدول الجلسة السلسلة، لحسمهها اولا، وبطبيعة الحال اقرار قانون لتغطية رواتب الموظفين لاننا غير مستعدين ان نرتكب الخطأ الذي ارتكبه غيرنا، وكذلك مسألة «اليوروبوند».
ويضيف رئيس المجلس بان الاستناد الى المادة 56 لتسوية مسألة رواتب الموظفين في الحكومة هو في غير محله لان هذه المادة تتعلق بالتعويضات وليس بالرواتب، ولا بدّ من الذهاب الى المجلس واقرار قانون لهذه الغاية، ويرفض الرئيس الانتقائية في التعاطي مع الضرورات، او تعميم سياسة القفز فوق القانون بالنسبة لهذه المسألة او مسائل اخرى، مؤكدا في الوقت نفسه استعداده للتشاور والتعاون في تحديد والاتفاق على هذه الضرورات بالنسبة للجلسات اللاحقة.
المهم يقول بري ان نخرج البلد من حالة الشلل والانتظار القاتلين، يقول الرئيس بري، وان لا نمارس مثل هذه السياسة التي تضرّنا جميعا في وقت نحن بامس الحاجة لتحصين انفسنا في الداخل والخارج.