IMLebanon

برّي: لدعم الجيش والأمن أولاً … ولبــنان مقبرة للمتطرّفين

شهدت الساحة اللبنانية سرعة قياسية في كشف الخلايا الإرهابية وإماطة اللثام عن نشاطها وخنقه في مهده، وذلك في موازاة الإجتياح «الداعشي» المستمر لمناطق عراقية والزحف نحو بغداد والحدود الأردنية، في وقتٍ طلب العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز من الأجهزة الأمنية السعودية إتّخاذ الإجراءت اللازمة تصدّياً لأيّ أعمال إرهابية محتملة، وقد جاء هذا التدبير عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للرياض اليوم، بعدما كان له لقاءٌ مع الرئيس سعد الحريري في باريس أمس.

مع عودة الارهاب الى الواجهة مجدّداً، عاش لبنان يوماً أمنيا بامتياز، ترافق مع استنفار سياسي ملحوظ. ففيما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد ظهر الاربعاء المقبل، وضعت الحكومة الملفات الخلافية جانباً، وقررت المواجهة متضامنة، وأعلنت تصميمها على المضيّ في كل ما يعزز هذه المواجهة.

«حرب فنادق» استباقية

وكانت اعمال الدهم في فنادق بيروت قد تواصلت امس. فدهمت وحدة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي فندق «رامادا» (السفير سابقاً) وأخضعت نزلاءه للتحقيق، وبحثت في عدد من الغرف عن ممنوعات واسلحة ومتفجرات بناءً لمعلومات سابقة.

لكنّ الإشاعات سبقت الدهم وواكبته، ولم تعلن قوى الأمن عن حصيلته، على رغم إشارتها الى انّه إجراء روتيني للتثبُّت من هويات النزلاء. ولم تتحدّث عن موقوفين على رغم إشارة شهود عيان الى انطلاق ثلاثة مواكب من موقف الفندق تحت الأرض، تُقلّ موقوفين الى مقر فرع المعلومات.

كذلك سرَت شائعات عدة عن عمليات دهم في فنادق عدة في العاصمة، لكن لم يُعلن عنها. وقد طاول الدهم مخيّم ضبية الفلسطيني بحثاً عن سيارة «جيب»، لكن لم تُعلَن أيّ معلومات رسمية عن حصيلته.

مرجع أمني

وتحدّث مرجع أمني عن انتشار إشاعات كثيرة وأنباء غير دقيقة. وأكّد انّ الاجهزة متكتّمة حفاظاً على سير التحقيقات وتجنّب الإضرار بها. وأشار الى أن لا موقوفين في اعمال الدهم أمس، بل تمّ الاستماع الى إفادات البعض لجَلاء بعض المعلومات.

وأكّد هذا المرجع لـ»الجمهورية» أنّ التحقيقات تجري مع انتحاري الروشة الثاني في سرّية تامة، وأنّ اقواله شكّلت مصدر معلومات مهم جداً، ما قاد الى كشف المشتبه بقيامه بتأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات للشبكة التي ضُبطت في فندق «دي روي» في الروشة امس الأوّل، والذي عمّمت المديرية العامة للأمن العام صورته امس، ويدعى المنذر خلدون الحسن، وهو من أب لبناني وأم حلبية مواليد 1990 بزبينا – عكّار، يحمل الجنسية السويدية باسم Monzer Al HASSAN.

وأشار المرجع نفسه الى انّ تعميم صورة المطلوب جاء بعد التأكد من حركته والخوف من إقدامه على عمل امنيّ ما، خصوصاً أنّه يتنقّل بسيارتين يُحتمل ان تكونا مفخّختين، ويحمل حزاماً ناسفاً.

وكشفَت مصادر امنية أخرى لـ»الجمهورية» أنّ للحسن شقيقين نفّذا عملية انتحارية قبل اشهر قليلة في قلعة الحصن على تخوم حمص السورية في أثناء المواجهات التي جرت حولها بين الجيش السوري النظامي و»الجيش الحر».

ورجّحت هذه المصادر ان يكون مُورّد الأجهزة قد شاهد القوة الأمنية للأمن العام من نقطة قريبة من الفندق حيث كان ينتظرهما أثناء مداهمتها لتوقيف المشتبه بهما، وقد أبلغهما بذلك قبل لحظات من إتمام العملية بالسرعة القصوى.

برّي

في هذا الوقت، كرّر بري امام زوّاره امس التشديد على ضرورة الاستثمار في الامن، وقال إنّه كلّما التقى سفيراً عربياً أو اجنبياً سأله ماذا يريد لبنان؟ يجيب عليه: «المساعدات والدعم للجيش بالمال والسلاح، وأنا فاتح «دكانة» هذه الايام لهذا الهدف، وليس امامنا إلّا دعم الجيش والاجهزة الامنية، فعندما تكون هذه المؤسسات قوية فإنّ احداً من الارهابيين لا يستطيع القيام بأيّ إعتداء، وأقول ذلك بصوتٍ عالٍ».

وأضاف بري: «لديّ كلّ الثقة بالناس وأكثر من بعض السياسيين الذين يعملون على شقّ صف اللبنانيين، وما حصل في الطيونة هو أبلغُ مثال على انّ هذا البلد مقبرةٌ للتطرّف والمتطرفين وللتطييف، فكلّ سياسي يتطرف في لبنان ينتهي». وأشار الى انّ الهدف من انفجار الطيونة كان إيقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا من أهالي الشياح، من خلال استهداف مقهى «أبو عساف» حيث كان هناك العشرات من ابناء حركة «أمل» فيه، وذلك لإستدراج ردّة فعل مذهبية ضد أبناء الطريق الجديدة، لكنّ ردّ الفعل لم يأتِ كذلك. وأنا ما زلت عند رأيي في دعم الجيش وسائر القوى الامنية وفتح باب التطوّع في كلّ هذه المؤسسات».

وقال برّي: «المشكلة ليست في الشعب اللبناني بل في السياسيّين وأنا واحد منهم، ولبنان في وضعه الحالي، وعلى رغم كلّ ما يحصل هو أفضل من كلّ دول المنطقة. لذلك المطلوب منّا الآن التركيز على الامن، وهناك مُتّسع من الوقت للخوض في المسائل الدستورية».

وإذ أكّد بري حرصَه على إجراء الانتخابات الرئاسية، قال: «لا شيء يبعث حتى الآن على التفاؤل بإمكان انعقاد الجلسة الانتخابية المقبلة وانتخاب رئيس». وكشف أنّه اتّصل بالرئيس سعد الحريري بعد برقيّة التهنئة التي تلقّاها منه لمناسبة حلول شهر رمضان، وتناول البحث التطورات، وكان الرأي متفقاً على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية في اسرع وقت.

ونوّه بري بأداء رئيس الحكومة تمام سلام وحرصه على ان تقوم الحكومة بعملها، مؤيّداً ما توصّل اليه والوزراء من اتفاق على تسيير عمل الحكومة، على رغم ما ينتابه من بعض الشوائب الدستورية، مشيراً إلى أنّه يشاطر سلام التوجّه في أن تستمر عجلة البلاد في الدوران بدلاً من ان «تجنّط» بحيث يتوقف عمل المؤسسات وتقع الكارثة.

وشدّد بري على ضرورة قيام مجلس النواب ومجلس الوزراء بعملهما من دون ايّ تعطيل، وقال: «إذا كانت إحدى الرِجلين مكسورة، فهل من المنطقي كسر الرِجل الأُخرى، فيما المطلوب مداواة المكسورة؟». وقال: «إنّ تفعيل العمل الحكومي ينبغي أن يواكبه قيام مجلس النواب بعمله التشريعي والرقابي». وشبَّه بري تعاطي البعض مع مؤسسة مجلس النواب «كمَن يستظلّ بالشجرة لكنّه يقطع أغصانها أو ينزع أوراقها حتى لا يبقى لها ظلّ».

سلام

من جهته، رأى سلام «أنّ هناك استهدافاً أمنياً إرهابياً للبلد بنحوٍ شرس لا أخلاقيّ ولا إنساني، وإجرامي، وإنّ هذا الإستهداف يحاول النَيل من وحدتنا الوطنية». وأهاب باللبنانيين «التحلّي بالوعي لعدم السماح بتعكير هذه الوحدة». وأعلن أنّ «الإجراءات والخطوات اللازمة لأمن البلاد لن تتوقف». وأكّد «انّ أجواء الأمن، باستثناء الاستهداف الاخير، مستقرّة ومتينة وممسوكة، ولن ينجح لا مخطّط ولا إرهابي كائناً من يكون في أن يزرع الفتنة بيننا، أو ان يستهدف وحدتنا الوطنية».

واشنطن

في هذا الوقت، أبدَت الولايات المتحدة الاميركية قلقها من انعكاسات النزاع في العراق وسوريا على لبنان. ودان مسؤول أميركي كبير بشدّة التفجيرَ في محلة الروشة، وأملَ في «إحالة منفّذيه الى العدالة». وأكّد «أنّ المسألة حساسة جداً وهناك ضرورة لعدم العودة الى سلسلة العنف في لبنان». وأضاف: «من الواضح انّ هناك قلقاً من تداعيات ما يجري في سوريا والعراق، وهذا سبب آخر لكوننا ندعم بطريقة ملموسة جداً القوات المسلحة اللبنانية وقوى الامن الداخلي».

وقد جاء كلام هذا المسؤول الأميركي في ختام اللقاء الذي عُقد في باريس امس بين كيري والرئيس سعد الحريري. وبحسب المكتب الاعلامي للحريري فإنّه تمّ خلال اللقاء «التركيز خصوصاً على الشأن اللبناني، لا سيّما ضرورة إنهاء حال الفراغ الرئاسي، والعمل بكلّ الجهود الممكنة لانتخاب رئيس جمهورية في أسرع وقت ممكن. كذلك تناول البحث الخطوات الآيلة إلى ضمان الاستقرار في لبنان وتعزيز القوى الأمنية والعسكرية».

فرنسا

بدورها دانت فرنسا التفجير في الروشة، ودعت الى «ملاحقة مرتكبي هذا العمل الإرهابي ومحاكمتهم»، رافضةً «أيّ محاولة تستهدف المسّ باستقرار لبنان»، مكرّرةً «دعمها السلطات والمؤسسات اللبنانية، ولا سيّما منها السلطات والمؤسسات التي تتولى الأمن وتعمل لصون الوحدة والاستقرار الوطنيين».

مجلس وزراء

وقد تصدّر الملف الأمني اهتمام مجلس الوزراء امس، وأبدى جميع الوزراء دعمهم جهود الأجهزة الأمنية والإجراءات التي يتّخذها، واتّفق على المضيّ في دعمها خلال هذه المرحلة الخطيرة.

وتطرّق وزير الداخلية نهاد المشنوق الى موضوع التأشيرات الممنوحة للخليجيين في مطار بيروت، وقال: «سمعنا اليوم حديثاً عن ضرورة إعادة النظر في هذه التأشيرات وإلغاء التسهيلات المعطاة في هذا الشأن، ونحن لسنا مع هذا الإجراء، لأنّ الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها، والعلاقات مع الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي يجب ان تبقى وطيدة وأن لا تتأثر بما يحصل».

وقال سلام بعد الجلسة إنّ «التأشيرة لن تمنع من يريدون تنفيذ أعمال إرهابية من الدخول، فهؤلاء لديهم وسائل عدة للتنقل».

وناقشَ المجلس منهجية عمل الحكومة، فوضع التوافق شرطاً أساسياً في الاتفاق على جدول الاعمال وعلى إقرار البنود.

وقال سلام «إنّ المجلس قرّر، في انتظار انتخاب رئيس، اعتمادَ التوافق في عمله، وكلّ أمر لا يحوز على التوافق نضعه جانباً، ولن نذهب الى مكان خلافيّ في تحمّل مسؤولياتنا على مستوى السلطة الإجرائية». وأكّد أنّه «لن يكون هناك تصويت على بنود في مجلس الوزراء في هذه المرحلة».

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» «إنّ شرط التوافق يعني حتماً استبعاد كلّ البنود الخلافية، حيث لن يقرّ المجلس أيّ بند خارج شرط التوافق، وبالتالي فإنّ شكليات التوقيع تصبح تفصيلاً». ولفتت هذه المصادر الى أنّ آلية التوقيع لم تتّضح نهائياً بعد، وتقرّر ترك الأمر في عهدة رئيس الحكومة، على أن يكون مبدأ تمثيل كلّ القوى السياسية في التوقيع قد اعتُمد. ولكن عملياً ـ تضيف المصادرـ هناك مخاوف من أن نقع تحت رحمة «الفيتو» لأنّ كلّ وزير صار يملك حقّ «الفيتو»، ولن يستطيع المجلس أن يقرّ أيّ بند إلّا بموافقة الجميع بلا تحفّظ أو اعتراض. واعتبرت انّ هذه المهمة ستكون صعبة على رئيس الحكومة لأنّه سيضطرّ الى كسبِ رضى كلّ الكُتل السياسية قبل إقرار أيّ بند».

ملفّ الجامعة

كذلك طرح من خارج جدول الأعمال ملف الجامعة اللبنانية بطلبٍ من وزير التربية الياس بو صعب، لكنّ وزراء «المستقبل» اعترضوا على توزيع العمداء على الكليات، فتأجّل البند إلى جلسة لاحقة. وقال بوصعب لدى خروجه من الجلسة: «كنّا متفقين أن نسير بملف الجامعة بشقّيه: مجلس الجامعة والتفرّغ معاً، وأملكُ ورقة خطّية وافقت فيها كلّ القوى السياسية على هذا الأمر، لكنّني فوجئت داخل الجلسة بأنّ وزراء «المستقبل» لا يريدون السير بالملفّين معاً، عندها اقترحتُ عليهم السير بملف التفرغ إذا كان هناك خلافٌ على مجلس الجامعة، لكنّهم رفضوا، إلّا أنني لم أقطع الأمل، علماً أنّ «المستقبل» سبقَ ووافق على توزيع العمداء على الكليات.

ريفي

وعلمت «الجمهورية» أنّ وزير العدل أشرف ريفي أكّد «أنّ الوضع الأمني دقيق وصعب، ولكن معالجته ليست مستحيلة»، وشدّد على «أنّ هذه المعالجة تبدأ من انسحاب «حزب الله» من سوريا، وضبط الحدود اللبنانية – السورية، ومنع مرور المسلحين في الاتجاهين، والاستعانة بقوات دولية، إذا لزمَ الأمر، وفق منطوق القرارات الدولية، وانتخاب رئيس للجمهورية لاستكمال مظلّات الأمان السياسية». وإذ لوحظ أنّ أيّاً من وزراء «حزب الله» لم يردّ على هذا الكلام، جدّد ريفي دعوته الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في حضور قيادة الجيش وكلّ القوى الأمنية للبحث في التحدّيات الأمنية من كلّ جوانبها.

السياحة في إجازة

من جهة ثانية يحاول روّاد القطاع السياحي التقليل من خطورة الخروقات الأمنية على القطاع السياحي، لتحاشي إرسال إشارات سلبية قد تساهم في إعدام موسم الاصطياف قبل ان يبدأ. لكنّ الواقع على الارض يشير إلى «هجرة» سياحية للفنادق بعد الأحداث المتتالية.

وفي هذا الإطار، كشف رئيس اتّحاد المؤسسات السياحية نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الاشقر لـ»الجمهورية» أنّ نسبة الإشغال الفندقي تراجعَت من 82 إلى 59 في المئة، بعد أوّل انفجار الاسبوع الماضي في ضهر البيدر، وما زالت حتى اليوم عند هذه النسبة. وأكّد أنّه لا توجد إلغاءات تُذكَر للحجوزات، لأنّه في الاساس لم تكن هناك نسبة حجوزات كبيرة قبل الأحداث الامنية الاخيرة. وعَزا ذلك الى حلول شهر رمضان، حيث تشهد الفنادق نسبة إشغال متدنية حتى في افضل الظروف الامنية. وأوضحَ أنّ التعويل اليوم هو على عيد الفطر «في حال استقرّت الأوضاع الأمنية خلال شهر رمضان».