إعتاد اللبنانيون على سماع صوت الرئيس نبيه بري يرتفع بنبرة عالية تدعو الى إلغاء الطائفية السياسية في لبنان لكي تستقيم الأوضاع فيه، وتنتهي عملية الاستقواء بالطائفية التي كان يلجأ إليها الفريق الذي يشعر بأن هناك مسّاً بالتوازن الطائفي، وكم من مرة دعا فيها رئيس مجلس النواب الذي يتربّع على رئاسة المجلس منذ أكثر من عقدين من الزمن بحكم موقعه المذهبي داخل التركيبة الطائفية، الى تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية المنصوص عنها في دستور الطائف، ووثيقة الوفاق الوطني التي وافق عليها الذين اجتمعوا في الطائف بدعوة من المملكة العربية السعودية والتي طوت صفحة الحرب الأهلية التي امتدت نحو عقد ونصف العقد من الزمن.
كما اعتاد اللبنانيون على الرئيس بري كلما فتح ملف تعديل قانون الانتخاب أو وضع قانون جديد يرتفع صوته، مطالباً بقانون انتخابات على أساس غير طائفي وفي الأسوأ على أساس جعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة، لأن مثل هذا الأمر يخفف من حدة الخطاب الطائفي الذي يلجأ إليه المرشحون للانتخابات النيابية لاستجلاب مزيد من أصوات الناخبين في طائفته.
وكان الرئيس بري يصطدم بحائط الطوائف السميك الذي يستغله أهل السياسة لاحتلال المراكز الرفيعة في الدولة، ولابتزاز الإدارات الرسمية من أجل تكديس الأموال الطائلة في المصارف وأحياناً في مخازن الغرف السوداء، مما أدى الى إنهاك هذا البلد ومنعه من التطور وإلى ارتفاع المديونية العامة الى أكثر من سبعة وستين مليار دولار أميركي أي أكثر عدة مرات من الدخل الوطني.
وها هو اليوم يعود الرئيس بري ليطالب بإلغاء الطائفية السياسية ليس من لبنان وحده بل من كل العالم العربي الممتد من الخليج الى المحيط ليقينه من أن مشكلة الطائفية وما تسببه من اقتتال وتناحر وحروب أهلية لم تعد مقتصرة على لبنان المعروف عنه بالتعددية الطائفية وبعدم نضوج الطبقة السياسية للخروج من هذه الحالة التي لا يتشكل منها وطن واحد بل مجموعة أوطان محكومة بالطائفية وامتداداتها الى المذهبية.
الرئيس بري يقول بتعميم إلغاء الطائفية السياسية في العالم العربي لأنه وجد بأن البوصلة عند العرب موجهة الى التناحر والتقاتل الإسلامي – الإسلامي وهذا الأمر الأخطر علينا جميعاً.
نفهم أن أكثر الشعوب في الدول العربية التي عناها الرئيس بري هي مسلمة ونظام الحكم فيها هو إسلامي أو علماني كما يدّعي النظام السوري، وكما كانت تدّعي دول أخرى كالعراق قبل المالكي وتونس والجزائر وغيرها من الدول العربية الإسلامية، ثم جاء الربيع العربي ليشكّل انقلاباً موصوفاً على الطائفية السياسية وتوجه نحو النظام الديمقراطي الرئاسي أو النظام الديمقراطي البرلماني ودخل في مخاض لمّا ينتهِ منه بعد ولا ينتظر أو ينتهي منه قبل عدة سنوات وهذا يعني نظرياً على الأقل أن الأنظمة العربية تتجه نحو الديمقراطية الصحيحة التي تعني إلغاء الطائفية ولو كانت الأكثرية في هذه الدولة أو تلك تُدين بالإسلام.
كنا نتمنى على الرئيس بري أن يُعيد قراءة ما يجري على ساحة الوطن العربي منذ اندلاع ثورة بل ثورات الربيع العربي للخروج من الطائفية الى اللاطائفية تماماً كما فعلت ثورة النهضة التي شهدتها أوروبا في القرن السابع والثامن عشر وانتهت الى إلغاء الطائفية وقيام أنظمة ديمقراطية علمانية، وأن نبدأ في لبنان كنموذج للعالم العربي يُحتذى.