لم يكن أمس موعدَ نهاية «جلجلة» سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، كما أملَ البعض، بل اتّجهَت الأمور إلى مزيدٍ من الخلافات ذات الطابع السياسي، ودخلت البلاد في حقبةٍ من الإضراب المفتوح، وأجواءٍ من التحدّي، بعدما سقطت محاولة عقدِ جلسةٍ تشريعية لمجلس النواب لإقرار السلسلة بسبب فقدان النصاب القانوني. فيما سجّل اتفاق ليلي بين وزير التربية الياس بو صعب وهيئة التنسيق على تأجيل إمتحانات الشهادة المتوسطة (بريفيه) المقرّرة غداً إلى بعد غد على أن تشارك الهيئة في مراقبتها ما أنقذ هذه الإمتحانات في اللحظة الأخيرة.
فريق 8 آذار قاطعَ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس الأوّل، فردَّ فريق 14 آذار بمقاطعة جلسة سلسلة الرتب والرواتب أمس؟
فبعدما كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي متوسّماً خيراً بانعقاد الجلسة التشريعية أمس، بعدما تبلّغ قبل أيام أنّ كتلتَي «التغيير والإصلاح» و»اللقاء الديموقراطي» ستحضرانها، إذ به يُفاجَأ أمس بعدم حضور النواب الجنبلاطيّين إلى جانب نوّاب كتلة «المستقبل» وبقيّة نوّاب فريق 14 آذار، الأمر الذي حال دون إقرار السلسلة، وتمّ تحديد موعد جلسة جديدة لها في 19 الجاري، وهو اليوم التالي لجلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وتخوّف بري أمام زوّاره مساء أمس من انسحاب تعطيل جلسات مجلس النواب على الحكومة، فيتعطّل عندئذٍ كلّ شيء. وإذ أشاد بحضور رئيس الحكومة تمّام سلام الجلسة «الذي يعني أنّه مع عقد جلسات التشريع النيابية»، أكّد في معرض الكلام على التنازع على صلاحيات رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء «أنّ من حقّ رئيس الحكومة أن يدعو مجلس الوزراء إلى جلسات ووضع جدول أعمالها، وأن ينظر كذلك في أيّ تحفّظ عن أيّ بندٍ يطرحه مجلس الوزراء».
ورأى بري «أنّ ما حصل امس في مجلس النواب يشكّل خطراً على النظام»، وقال: «إنّ المسألة ليست مسألة سلسلة رتب ورواتب وامتحانات فحسب، بل هي محاولة لتعطيل النظام من خلال تعطيل المؤسسات». وكشف بعض جوانب اتفاق حصل على موضوع السلسلة، على هامش الجلسة الإنتخابية أمس الاوّل الإثنين، وذلك خلال اجتماع ضمّه الى سلام ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة والنائب بهيّة الحريري، وتركّز البحث خلاله على مخرج لمشروع قانون السلسلة في جلسة امس، وذلك بعدما رفضَ بري اقتراح السنيورة زيادة 1 في المئة للضريبة على القيمة المضافة. وقال للحاضرين: «إنّني أؤيّد زيادة من 10 إلى 15 بالمئة على الكماليات، ولكن ليس على الفقراء، فننتزع منهم بيدٍ ما أعطيناه بيدٍ أخرى، الامر الذي يؤدي الى تطيير مفعول السلسلة».
واقترح بري خلال الإجتماع مخرجاً فوريّاً يقضي بحسم 10 في المئة على مجمل السلسلة، مؤيّداً ان يكون هناك توازٍ بين النفقات والإيرادات ومساواة بين الأسلاك. ولفتَ الى انّ الدولة تدفع بدل غلاء معيشة ما يساوي 850 مليار ليرة بلا إيرادات، في حين انّ السلسلة تتضمّن هذه الايرادات، وبالتالي فإنّ إقرارها يُربِح الجميع.
وقال بري إنّه فوجئ بتغيير تيار «المستقبل» موقفَه بعدم حضور الجلسة، ما شكّل «إنقلاباً» على ما سمّاه «إتفاق الإثنين». وقال: «إنّ تعطيل تنفيذ ما اتّفق عليه لا يرتبط بالسلسلة فقط، بل يرتبط ايضاً بموقف «المستقبل» وحلفائه بتعطيل جلسات التشريع وربط تعطيل المجلس بعدم انتخاب رئيس جمهورية جديد».
برّي
وكان بري عقد لقاءات ومشاورات على هامش الجلسة التي طار نصابها، واعتبر في كلمة له «أنّ ما يحصل اليوم لا يخدم انتخاب رئيس الجمهورية»، ودعا إلى عدم جعل انتخابات رئاسة الجمهورية في مهبّ مصالح معيّنة. واعتبرَ «أنّ محاولات تعطيل التشريع وتعطيل الحكومة الآن، كلّ واحد له هدف منها، هناك من لا يريد قانوناً انتخابياً جديداً، وهناك من قد لا يكون يريد انتخابات أبداً». واعتبرَ «أنّ تعطيل مؤسسة لا يؤدّي الى إنقاذ مؤسسة أخرى. وقال: «الهدف الأوّل والثاني والثالث والعاشر والأحد عشر كوكباً، بحسب التعبير القرآني، الآن هو انتخاب رئيس الجمهورية، ولكنّ هذا لا يمرّ على جثث المؤسسات الأخرى بتعطيلها». وشدّد على «أنّ رئاسة المجلس النيابي هي أوّل مَن حافظت على الميثاقية»، لافتاً الى انّه «ليس في حاجة لدروس في الميثاقية من أحد». وقال: «جميعنا حُرَصاء على رئاسة الجمهورية، وكان علينا جميعاً أن ننتخب رئيساً في الأمس قبل اليوم».
سجالات نيابية
وكان نوّاب في 8 و14 آذار تسابقوا على عقد مؤتمرات صحافية في المجلس النيابي، إثر رفع برّي الجلسة الاشتراعية، فعقدَ النواب أحمد فتفت وأنطوان زهرا وجمال الجراح وغازي يوسف مؤتمراً مشتركاً ردّوا فيه على بري. فردّ عليهم وزير المال علي حسن خليل مؤكّداً أنّهم «يصرّون على قلب الحقائق ويتحدّثون أمام الإعلام خلافاً لما يقولونه في الدوائر المغلقة وفي النقاش الثنائي».
وقال: «وصلنا الى إقرار 13580 مليار ليرة لبنانية من الواردات، وللذين يقولون إنّها واردات غير موثوقة، لا أحيلهم إلّا إلى كلامهم في اللجنة الفرعية وفي الهيئة العامة، وفي تعليقاتهم، وهم الذين قالوا في وضوح إنّنا ملتزمون هذه الأرقام». وأضاف: «ليس صحيحاً انّني رفضتُ الجلوس مع أحد، لكنّ الصحيح أنّني رفضت المساومة والتسويات الجانبية التي تعطّل عمل المجلس النيابي. نرفض ضربَ أسُس النظام الديموقراطي ومصادرة حقّ النواب في النقاش داخل الجلسة، وإقرار الأمر ببندٍ وحيد نتيجة تسوية سياسية». وأضاف: «اليوم نحن ندفع 850 مليار ليرة لبنانية بدل تغطية غلاء معيشة، لا يؤمّن ولا ليرة واحدة من الواردات لتغطيتهم، فإذا ما أقرّينا السلسلة والواردات التي حدّدناها في الهيئة العامة واستكملناها في الواردات الإضافية أقول أمامكم وبمنهج علميّ إنّ العجز يتراجع أكثر من 650 مليار ليرة ولا يزيد، لأنّنا اليوم نُنفق 850 ملياراً مقابل واردات صفر». وتمنّى خليل التوصّل «إلى أفضل صيغة ممكنة تؤمّن إجراء الإمتحاناتالرسمية في مواعيدها بصدقية عالية ومن خلال مشاركة مسؤولة».
حكيم
وفي المواقف، رأى وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم انّه «يتمّ استغلال ملفّ السلسلة بغية جرّنا الى جلسة تشريعية في موضوع شعبوي. ونحن لن نرضخ لهذا النوع من الابتزاز». وقال لـ»الجمهورية»: «هذا لا يعني أنّنا ضد إعطاء الحقوق لأصحابها، وسبق وقلنا هذا الكلام، لكنّنا نعارض الإقدام على ايّ خطوة لا تتأمّن معها الواردات، لأننا بذلك نوجّه ضربة قاسية الى الاقتصاد الوطني، وهذا ما لن نسمح به، فنحن نريد حماية جميع الناس، ومن ضمنِهم من يطالب بالسلسلة». وأضاف: «لا نريد ان ندخل في لعبة الاستثناءات تحت مسمّيات مختلفة، منها المصلحة الوطنية أو الحاجة القصوى، لكي نسمح بأن يعمل المجلس النيابي بنحو طبيعي. نحن نريد التركيز على عدم جواز التشريع في هذه الحقبة، والأولوية دائماً هي لانتخاب رئيس للجمهورية. هذا هو الهاجس الذي يجب ان يحكم عمل المجلس النيابي. وإذا دخلنا في لائحة الاستثناءات، لا نعرف كيف تنتهي القضية. لذلك نحن نفضّل الموقف المبدئي القائل أن لا تشريع قبل انتخاب رئيس». (تفاصيل ص 11).
هيئة التنسيق
وتزامُناً مع الجلسة التشريعية، كانت هيئة التنسيق النقابية قد نفّذت صباح أمس اعتصاماً حاشداً داخل مبنى وزارة التربية في الأونيسكو، بعدما كان الاعتصام مقرّراً أمامه.
وردّاً على تطيير الجلسة التشريعية، أعلنت رابطة موظفي الادارة العامة الاضراب العام ابتداءً من اليوم وحتى موعد جلسة مجلس النواب المقرّرة في 19 الجاري.
الامتحانات الرسمية
إلى ذلك، انتهى اجتماع مسائيّ طويل بين وزير التربية الياس بوصعب وهيئة التنسيق النقابية، حضرَ جانباً منه النائب علي بزي، إلى اتفاق على تأجيل إمتحانات الشهادة المتوسطة يوماً واحداً من غد إلى بعد غد على أن تشارك هيئة التنسيق في مراقبة هذه الإمتحانات.
وأعلن بو صعب «أنّني كنت جاهزاً لإعطاء إفادات، لكنّ هيئة التنسيق هي من قرّرت المشاركة لذلك أرجأنا الامتحانات الى يوم الجمعة»، مؤكداً «أنني أرفض أن أكون استفزازياً لأنني مقتنع بمواقفهم».
ولفت إلى أنّ «لا توافق على تصحيح الامتحانات»، مشدداً على وجوب العمل على إقرار السلسلة.
الاستحقاق الرئاسي
إلى ذلك، يستمرّ الاستحقاق الرئاسي في الدوران ضمن حلقة مفرغة، ونفَت البطريركية المارونية أمس الكلام عن «وجود ايّ لائحة لديها بأسماء مرشحين للرئاسة». وأكّدت «أنّها لم ولن تتدخّل في لعبة الأسماء، وليس لديها أيّ مرشّح معيّن».
وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أعلنَ امس الاوّل أنّ لائحة بكركي التي يؤيّدها تضمّ: زياد بارود، دميانوس قطّار، روجيه ديب.
جنبلاط
وأعلنَ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أنّه سيبلّغ الى الرئيس سعد الحريري «أنّنا لن ننتخب لا رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ولا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع». وأوضحَ في حديث تلفزيوني «أنّنا معترضون على وصول عون إلى رئاسة الجمهورية»، وأكّد «أنّ تأييد النائب هنري حلو لرئاسة الجمهورية هو تأييد للاعتدال».
وفي حين أكّد أنّ هناك حواراً «من بعيد» بينه وبين جعجع «ولكن لا تقارب حول الرئاسة»، أشار الى أنّه لم يقرأ مبادرته المؤلّفة من ثلاث نقاط. واعتبرَ «أنّ إجراء انتخابات نيابية في ظلّ الشغور الرئاسي سابقةٌ، وهي تُعتبر دستورية». وأكّد أنّه «لا يستطيع أن يتحمّل أيّ خلاف مع أيّ من المكوّنات اللبنانية»، وقال إنّه لا يرى مثالثةً في لبنان، وإنّ المناصفة أكّدها بري والامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله.
باولي
وكرّرت فرنسا دعوتها اللبنانيين الى انتخاب رئيس جمهورية جديد بعيداً من أيّ تدخّل، وقال سفيرها باتريس باولي خلال زيارته بكركي والسراي الحكومي «إنّ اختيار الرئيس أمر لبنانيّ أوّلاً»، وشجّع اللبنانيّين على «اتّخاذ القرارات اللازمة، كانتخاب الرئيس طبقاً للدستور اللبناني، وفي أقرب وقتٍ ممكن»، مؤكّداً «أنّ لبنان لا يمكنه التعوّد على الفراغ في رئاسة الجمهوريّة»
الحوت
وقال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ»الجمهورية»: « هناك من يريد تعويد اللبنانيين على صيغة غياب المؤسسات: تُغيَّب مؤسسة رئاسة الجمهورية من خلال تعطيل انتخاب الرئيس، وجلسات متباعدة من اسبوع الى آخر بدلاً من ان تكون جلسات يوميّة أو شبه يومية لأهمّية الموضوع. وتعطيل مجلس الوزراء لكي لا يقوم بدوره في غياب رئيس الجمهورية من خلال ما يسمّى الإتفاق على آليّة عمل، وتشجيع الناس على النزول إلى الشارع تحت شعار مطلبي، وبالتالي إيجاد أزمة مطلبية واقتصادية. كلّ هذه الأمور تجعل لبنان، ليس فقط في مرحلة انتظار، وإنّما في عين العاصفة، إذ إنّ بعض اللبنانيين لا يجدون أزمةً في جعل الفوضى سبيلاً لتحقيق مكتسبات سياسية، أو ربّما مثالثة من هنا، أو موقع من هناك».
ورأى الحوت «أنّ لبنان ليس على أيّ أجندة إقليمية أو دولية، وبالتالي هو متروك الآن، وهذا الامر يمكن ان يشكّل فرصةً إذا أحسنَ اللبنانيون الإفادة منها للتفاهم في ما بينهم، ولكن للأسف البعض رهنَ مصيره بمشاريع إقليمية، وبالتالي أصبحَ يرغب في رهن لبنان بهذه المشاريع. لذلك من الواضح أنّنا ذاهبون الى فراغ رئاسي حتى أيلول وربّما الى أبعد منه، في انتظار تفاهمات إقليمية أو إقليمية ـ دولية. لكن هل يتحمّل لبنان في ظلّ واقعِه الحالي هذا الفراغ والرهان؟ أم أنّنا سنشهد ـ لا سمح الله ـ نوعاً من أزمةٍ أمنية في الشارع اللبناني مقدّمةً لإيجاد الحل؟ كلّ هذه التطوّرات قابلة للتحقيق، وبالتالي نحن اليوم امام واقعٍ متشائم وليس متفائلاً، لأنّ البعض يريد ان يكون كذلك».
واعتبرَ الحوت أنّ كلام السيّد نصر الله الأخير «موجّه الى جمهوره لشَدّ عصبِه، أكثر ممّا كان موجّها للآخرين، فالحزب ارتكبَ خطيئة الذهاب الى سوريا، وقتاله فيها يكلّف يوميّاً عدداً من القتلى والجرحى، وبالتالي هناك ردّة فعل لدى جمهوره. لكن أعتقدُ أيضاً أنّ الحزب، ولأنّه جزء من منظومة إقليمية، لن يسمح للبنان في أن يرتاح إلّا في إطار استسلامه كورقةٍ في المفاوضات الإيرانية تحقّق منها بعض المكتسبات».