عمل كنسي جماعي لإبقاء المسيحيين في أرضهم
بطاركة الشرق في أربيل: الحفاظ على الهوية
يترجم بطاركة الشرق الكاثوليك اليوم مبادرتهم في زيارة أربيل تطبيقاً لقاعدتين: الاولى، في وعد أطلقوه في ختام دورتهم لهذا العام. والثانية، في قول حرفي للسيد المسيح مفاده «انني كنت جائعا فأطعمتموني ومريضا فزرتموني..». فمسيحيو كردستان يعيشون ألما مضاعفا لما يعيشه مسيحيو العراق عامة لأنهم يتلقون «الكف» مزدوجا من إهمال الحكومة لهم على مختلف الصعد، من ضمنها الامنية (المركزية وحكومة الاقليم) من جهة، وإرهاب «داعش» ضدهم الذي يواصل تنفيذ «حكمه» بإنهاء وجود كل من هو غير «داعشي» من جهة اخرى.
شكل العراق أول زيارة راعوية لبلد عربي للبطريرك بشارة الراعي منذ توليه السدة البطريركية عام 2011. العراق حيث «الأصل المسيحي»، يردد كنسيون. يتواجد المسيحيون في بلاد ما بين النهرين في مختلف المحافظات، لكن وجودهم يتركز في العاصمة بغداد وفي منطقة سهل نينوى قرب الموصل شمالا. كما يتواجدون كثيرا وتنتشر كنائسهم في دهوك وأربيل والموصل والبصرة والعمارة والحلة وبعقوبة والحبانية وكركوك وغيرها.
الى أربيل تحديدا يصل الراعي اليوم على رأس وفد بطريركي يضم الى جانبه: بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك السريان الاورثوذكس اغناطيوس افرام الثاني. أربعة بطاركة لانطاكيا وسائر المشرق، كل عن مذهبه الكنسي، يقصدون أربيل ممثلة «كنسيا» ببطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم روفائيل الاول ساكو. فغالبية مسيحيي العراق هم من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وتحت «ذل» النزوح قد يبدو «فلس الارملة» الذي يحمله كل من يتفقدهم بمثابة «البحصة التي تسند الخابية».
يحمل الراعي ونظراؤه البطاركة الى أهالي هذه المنطقة «الدعم المعنوي والروحي والمادي». تشدد أوساط كنسية متابعة على هذه الاقانيم الثلاثة للزيارة، مع التنويه انها «مبادرة بطريركية، ليس فقط تجاه المسيحيين وانما لبقية المكونات العراقية المسماة أقليات، وأبرزها الايزيديون والشبك وغيرهم». هذا في الهدف، أما جدول الاعمال فهو مكثف، خصوصا انه يتوزع على يوم واحد فقط (اليوم الاربعاء) على ان يكون السفير البابوي في العراق جورجيو لينغوا مرافقا لمحطات الزيارة كافة. ويشمل البرنامج زيارة أبرشية أربيل الكلدانية وتفقد النازحين الموجودين في المطرانية. وفي أرقام غير رسمية، يضم إقليم كردستان أكثر من 120 ألف مسيحي، وفي أربيل ودهوك فهناك نحو 120 ألف نازح مسيحي. كما تشمل الزيارة لقاءات سياسية من المفترض ان تتم مع رئيس اقليم كردستان مسعود البارازاني ورئيس حكومة الاقليم نيجيرفان بارزاني غداة دعوته إلى عقد مؤتمر دولي للدول والمنظمات والمؤسسات الدولية المانحة للمساعدات، لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى إلاقليم لكي يتمكن من استقبال وإغاثة النازحين واللاجئين الذين يقطنون حالياً معظم المدن الكبيرة في إقليم كردستان.
يزور وفد البطاركة أربيل في وقت أُفرغت الموصل من مسيحييها لأول مرة في التاريخ، ويشهد فيها الاقليم موجة نزوح كبيرة للعراقيين الفارين من حكم «داعش». ويشهد الاقليم كذلك موجة من الوفود والشخصيات الداعمة من أميركا وفرنسا وألمانيا، وآخرها من لبنان مع زيارة وزير الخارجية جبران باسيل. يعوّل كل من يزور الاقليم في هذه الايام على نجاح التعاون بين القوات العراقية و«البشمركة» في صد هجمات تنظيم «داعش». وهذا التعاون يحصل حاليا تحت سقف «الغارات الاميركية» التي بدأت بشنها واشنطن منذ أيام لمساعدة العراقيين في القضاء على مواقع الارهابيين، كما صرح علنا الرئيس الاميركي باراك أوباما.
في كل هذا الجو الملبد على الارض وفي السياسة، يتفقد البطاركة المتألمين في العراق. تذكر الاوساط الكنسية ان البطريرك الراعي لطالما أعرب عن شعوره بأنه يعيش المأساة العراقية في قلبه يوميا، معلنا التضامن الكامل والشراكة المسيحية الروحية والانسانية والاجتماعية والكنسية «لأن الهموم نحملها سوياً ونأسف لان يكون الشرق قد تحول الى مقر للحديد والنار».
تترجم الزيارة البطريركية «الخروج من الخطابات وتصريحات الاستنكار، الى عمل كنسي جماعي قوي، من أجل إبقاء المسيحيين في أرضهم والحفاظ على هويتهم وتواصلهم مع إخوانهم المسلمين في هذا الشرق المضطرب. وكما في العراق كذلك في لبنان وسوريا ومصر، حيث نحمل جميعنا معاناتنا في قلب واحد».