منذ أيام بدأت الإعلانات الترويجية لمؤتمر مسيحيي المشرق في واشنطن تطالع اللبنانيين في يومياتهم. فيها دماء ودموع. مشاهد كافية لجذب الأنظار. أنظار الشرق.. «العاطفية» تحديداً. في المقلب الآخر من الكرة الأرضية حيث يُعقد المؤتمر، لا خبر عن بطاركة الشرق الذين «يجتمعون في العاصمة الأميركية لنقل صورة ما يعيشه شرقهم المعذب منذ الولادة». غاب الحدث تماماً عن وسائل الإعلام الأميركية. هذا يعني أن الارض التي يتوجه اليها البطاركة لم تسمع حتى بقدومهم اليها. اللهم إلا إذا تساءل احد نزلاء فندق «اومني شوريهام» في مبنى الكابيتول عن تلك الضوضاء في باحة الفندق. عندها سيدرك أن مؤتمراً يعقد «دفاعاً عن مسيحيي الشرق» وتنظمه مجموعة من المسيحيين اللبنانيين والعرب من 9 الى 11 الجاري. وبحسب المعلومات التي يتم تداولها، يشارك فيه نحو ألف شخصية من الولايات المتحدة الاميركية وسائر دول الاغتراب الى جانب بطاركة الشرق الكاثوليك الذين توجهوا تباعاً الى واشنطن، إضافة إلى مشاركة لبنانية كاملة تتضمن فاعليات سياسية مسيحية، وممثلين عن الأحزاب المسيحية المنتشرة في الولايات المتحدة الأميركية.
إذا ما وضع المجهر على عبارة «ألف شخصية من الولايات المتحدة» يمكن التكهن بنوعيتها، بحسب شخصية عارفة بالذهنية الأميركية: «بعض الولايات الأميركية فقيرة، ويمكن للتبرع لنوابها أن يفي بالغرض ويدفعهم الى تلبية الدعوة وحضور المؤتمر. اما الشيوخ ممن يعدّون في لبنان مثلاً صفاً اول فمن المستبعد ان يكونوا من الحاضرين». المال يتكلم حتى في اميركا، وان في بعض مفاصلها غير الفاعلة. ستحضر «قضية الشرق» في أحد فنادق واشنطن، ولو على مسمع مجموعة من الاشخاص. فهؤلاء يعولون، بحسب اجواء المنظمين، على «ممارسة الضغط على الادارة الاميركية للعب دورها في حماية مسيحيي الشرق ودعمهم، على أن يتبدى تحركهم الاولي في لقاءات مع اعضاء في مجلس الشيوخ وندوات حول حقوق الانسان والحريات الدينية وأهمية الوجود المسيحي في الشرق الاوسط».
الهدف الأساس اذاً هو الضغط على الادارة الاميركية. والمطران سمير مظلوم يصرح عبر وسائل الاعلام اكثر من ذلك. يقول، في إطار التمني: «نأمل ان يكون هناك إجماع على قرارات تدفع الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية وغيرها لمواجهة الموجة التكفيرية التدميرية، والحفاظ على التنوع الطائفي في مناطق الشرق». ويلفت الى ان كلمة البطريرك الراعي في المؤتمر «ستتضمن عرضاً لأوضاع المسيحيين اضافة الى فداحة المصيبة التي حلت بهم وبغيرهم، والاخطار التي يشكلها تنظيم الدولة الاسلامية، ليس فقط على المسيحيين، بل على المنطقة برمتها وعلى أبنائها من كل الطوائف». ويوضح أن «المطلب الأساس سيكون إيجاد آلية لمنع استمرار هذا الاضطهاد القائم وتأمين عودة المهجرين المسيحيين الى مناطقهم وقراهم في العراق وفي سوريا، والتشديد على ضرورة عدم تهجير المسيحيين وتفريغ الشرق الأوسط من وجودهم، وتحرير قراهم وتأمين عودتهم لإعادة تشييد الكنائس والرموز الدينية التي أقدم تنظيم داعش على هدمها وإزالتها».
لن تختلف كلمة بطريرك الموارنة عن بقية كلمات البطاركة. الهواجس نفسها. لكن المهم في زيارة واشنطن معرفة إيصال الرسالة. بات من شبه المؤكد أن وفد البطاركة سيلتقي الرئيس الأميركي. وبحسب الشخصية عينها، على الوفد الكنسي أن يعرف من أين يتسرب الى عقل الادارة الاميركية لكي تحقق الزيارة مرادها. ويضيف: «الادارة الاميركية تدرك وتتحسس اليوم مشكلة الاقليات في المنطقة وبأنها تعيش على شفير الحياة والموت، كالأكراد والكاكائيين والمسيحيين والايزيديين». وعليه، فالمطلوب، برأيها، أن يحمل البطاركة ورقة جدية ويستفيدوا من منفذ موجود حالياً وهو وعي الادارة الاميركية لمعاناة الاقليات. اما بالنسبة الى لبنان فلقد «تنبّهت واشنطن إليه، خصوصاً بعد معركة عرسال، حيث بدأ الاميركيون يدركون أن الخطر لا يتهدد فقط العراق وسوريا وانما ايضاً لبنان». ربما عندها قد يُشمل لبنان بعطف الإعلان الاميركي كما خرج من فم باراك اوباما عن أننا «سنقضي على داعش كما قضينا على القاعدة». وهنا تحديداً، من هذا العنوان العريض الذي يتهدّد المنطقة برمتها، يمكن للبطاركة ان يطالبوا الرئيس الاميركي بمساعدة الجيش اللبناني والحكومة العراقية وأن يحذروا في مطالبته بمساعدة سوريا، ولا أن يدخلوا في قضايا محلية كانتخاب الرئيس او غيرها فهذا يحطّ من شأنهم ومن شأن البلاد التي يمثلونها روحياً». وتستشهد الشخصية بما يقوله اليهود للأميركيين فيقنعونهم: «نحن نقاتل وليس أنتم، فكيف يمكن أن تساعدونا؟ ولا يقولوا لهم بالتالي أرسلوا لنا المارينز لكي تحمينا!».
يذكر أنه إضافة الى مؤتمر واشنطن، يقوم البطريرك الراعي، كما كشفت «السفير» سابقاً، بجولات عديدة على بعض الأبرشيات في لوس انجلوس وتكساس وسان انطونيو وغيرها. على أن تكون حاضرة الفاتيكان المحطة الدائمة التي تسبق عودته إلى بيروت من كل جولة خارج البلاد.