IMLebanon

بعد أن يسقط الشعار

ـ 1 ـ

.. الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة. الدول والتيارات والأحزاب والإيديولوجيات «سوّقت» وجودها باسم فلسطين. ولم تبنِ دولاً ولا كيانات ولا اجتماعاً يقف في مواجهة الاستيطان أو الاجتياح أو العدالة. فلسطين كانت عنصراً أساسياً في معادلة بناء كيانات السلطة (الحاكمة وقرينتها المنتظرة لتحكم). ومن كونها معركة «المصير» إلى المعبر لدولة «الإسلام». ومن «القدس رمز التحرّر..» إلى «الأقصى مبتغاي ومقصدي»، وغمرت المنطقة الشعارات بديلا من كل شيء، وتجارة بدت الآن بلا سوق ولا مستهلكين، لا تسمع فيه غير صوت قرقعات السقوط أو الانهيارات التي لا يوقفها سوى مسلسل «الصراع من أجل البقاء» في مصر أو «الاستعراض الأخير» لدولة الطوائف في لبنان وتدهور ديموقراطية «الدبابة والطائفة» في العراق، و«تدوير الاستبداد» في سوريا، وطبعاً ظهور «الخليفة» علامة على آخر زمن ما بعد الاستعمار (بعروبته وأمميته الإسلامية وأحزابه التي أرادت تحويل المنطقة إلى ماكيتات ايديولوجية..)…

ولا يخلو ظهور الخليفة الداعشي من إثارة… ذات طابع إعلاني.

ـ 2 ـ

الخليج وحده يدير عرض «الإثارة» المتواصل…

يديرها بمنطق «مهندس الكوارث»… فماذا سيبقى بعد صعود الغضب في مصر من تقشف سيدفع تكلفته الفقراء غالباً؟ وإلى أين تأخذ المنطقة حرب المظلوميات بين السنة والشيعة؟ وهل ستسقط أحلام الإمبراطوريات الإقليمية في اسطنبول وطهران؟

تتضخم الصيغ الحاكمة (دول/ عائلات/ طوائف) تضخم الأمر الواقع، تضخم لا شيء خلفه إلا «تسيير الأعمال» وحكم «البرنامج اليومي»… وهنا تضمحل كل «القضايا المصيرية» في مواجهة «صعوبة الحياة» ويكون مبرّر السيسي لخفض الدعم «انظروا حولنا… هل تريدون أن نكون ليبيا أو سوريا.. أو العراق..» هذه أقطار كلها أقامت دولها «الحديثة» بعد الاستعمار وكانت محور «التقدم» في مواجهة «الرجعية» الممثلة في ممالك وإمارات الخليج… لكن فشل دول التقدم أو عجزها أو تعجيزها، فتح المجال لميليشيات «الصحوة» بجهادها المحلي أولاً ومراحله المتصاعدة لتكون أممية إسلامية، ذروتها في «الخلافة» البغدادية، بما تجسّده من خلطات العبث واللامعقول والغموض الذي يبدأ وينتهي مع غياب كل قوة حاربت طوال السنوات الماضية على حصتها من سوق الشعارات… وها هي تذهب إلى جحيمها، مشفوعة بالضعف والهوان…. وفي الخلفية صرخات الاستغاثة من المستقبل.

ـ 3 ـ

هل سنعبر؟

هكذا لم تعد فلسطين «قضية وجود» ولا حتى «حدود»، كما أنها حتى ليست مسرح لطميات الإنقاذ المعتادة.. إنها ملعب مباريات بعيدة، لا جمهور لها إلا أولئك الذين ما زالت تؤرقهم جرائم العنصرية والاستيطان وتزعجهم «ديموقراطية البُعد الواحد»… جمهور أقلية لا تحرّكه شعارات الاستلاب الإيديولوجي من «القدس عروس عروبتكم» وحتى «على القدس رايحين شهداء بالملايين»… هنا يبدو الخطاب المنسي والمهمّش في قضية فلسطين والذي كان خافتاً في ظل الهدير الإيديولوجي هو «اليقظة الوحيدة» لمواجهة الجرائم الإنسانية.

سقطت الشعارات لأن المصلحة أصبحت في مكان آخر…

ولم تعد القدس ولا غزة محور اهتمام في ظل تهافت أنظمة ما بعد «سايكس بيكو» وحربها من أجل الوجود… وحسم المنافسة بالمال الخليجي…

المال الخليجي موجود في كل المحاور المتناقضة من استعراض الخلافة إلى تكسير عظام الإخوان مروراً بمصالحاتهم مع السيسي… وهو دور أقرب إلى «مقاولي الهدم» أو «مهندسي الخراب»…

لا مانع من أن نشاهد الخراب، الذي يستحق أن يكون خراباً… لكن ماذا بعده؟