IMLebanon

بكركي ـ «داعش»: أي حوار؟

نقاش مسيحي حول جدوى دعوة الراعي

بكركي ـ «داعش»: أي حوار؟

شكلت دعوة البطريرك بشارة الراعي تنظيم «داعش» الى الحوار مفاجأة في الاوساط السياسية. وقف البطريرك محضّراً وواثقاً وخاطب «تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام» قائلاً: «ما يجمعنا بكم هي إنسانية الإنسان.. تعالوا نتفاهم على هذا الأساس».

وكعادته، لا يمر موقف لسيد بكركي من دون أن يأخذ حجمه من التداول والتعليق، خصوصاً في الاوساط السياسية المسيحية. انقسم هؤلاء الى ثلاث فئات: المدافعون عن هذه الدعوة وقد اعتبروها «شجاعة وتختصر الديانة المسيحية». ورأت فيها فئة ثانية «رمياً للبذور في أرض غير صالحة واستفزازاً للاعتدال السني». فيما وضعها فريق ثالث في «إطار الرغبة بالتمايز، كي لا نقول الاستعراض، على ما درجت عليه بكركي في السنتين الأخيرتين».

لكن اللافت للانتباه أن تعليقات السياسيين جاءت شخصية اكثر منها حزبية. ففي الاوساط السياسية الواحدة تختلف الآراء بين مرحبة ومنتقدة، او اقله متحفظة. وهو حال «التيار الوطني الحر» و«الكتائب» مثلاً، إضافة الى المستقلين. فأحد نواب «تكتل التغيير والاصلاح» يعتبر ان «في دعوة البطريرك نبلاً ودرساً في الانسانية. هو يستند الى عمق رسالته المسيحية كمؤمن اولاً، وكراعٍ مسؤول عن ابنائه الذي يُهجّرون من الموصل والعراق، ويدفعون الجزية في سوريا، ويتم تهديدهم في لبنان. يراهن البطريرك على ما يُفترض ان تكون الجينة الاولى عند كل انسان: إنسانيته. يستند اليها ليخاطب ضمير هؤلاء. ليقول لهم إنه يحترم فيهم الانسان وإن لا بد من ان يكون هنالك قاسم انساني مشترك يمكن أن يمهّد لكلام وحوار، وربما حسن جوار».

لكن نائباً آخر في «التكتل» نفسه يجد أن «كلام البطريرك لم يكن ضرورياً. وهو وان انطلق من نيات ايجابية، الا انه يوحي وكأن صاحب الغبطة لا يملك أدنى معرفة بهذا التنظيم وخلفياته وايديولوجيته وقراءته للدين الاسلامي ومقاربته لشؤون الدنيا». يضيف «بدا الطرح يفتقر الى العمق والجدية وامكانية التطبيق. فلو اراد داعش ان يتحاور حقاً، فمع مَن؟ وكيف؟ المشكلة شديدة التعقيد من كل النواحي القانونية والأمنية والتنظيمية ووصولاً الى الدينية والأخلاقية وأقول حتى الإنسانية».

الأجواء نفسها تعكسها اوساط «حزب الكتائب». ففي حين يعتبر احد نوابه انه «لا يجوز تحميل الدعوة اكثر مما تحتمل من منطلق انساني، كان البطريرك شديد الوضوح في التأشير إليها»، يصفها مسؤول حزبي بأنها «لم تكن موفقة». يقول النائب «لا يفوت البطريرك لا سلوك داعش ولا خطابها ولا قناعاتها الدينية او الدنيوية. لكنه، وهو الأعزل إلا من ايمانه وانسانيته، لا يجد سبيلا آخر للتواصل مع داعش او اي تنظيم متطرف آخر. الحوار والتواصل والتفاهم وبناء جسور الثقة، سلاح المسيحيين الوحيد».

في البيئة «الكتائبية» نفسها، رأي آخر. بحسب مسؤول حزبي، فإن «جهد البطريرك سيذهب هباء. تماماً كمثل الزارع في الإنجيل. وحدها الزراعة في الارض الطيبة تثمر. لذا كان اولى بالبطريرك ان يبادر الى وضع اليد مع الاعتدال المسلم، وتحديداً السني منه، بغض النظر عن زواريب السياسة، فيسقي الزرع القائم هناك ويعززه ويحميه، عوض رمي الحب على حفافي داعش او وسط أشواكها، وهي أرض لا تعطي ثماراً، بل على العكس تقتل المثمر».

ومع ذلك يرفض المسؤول الكتائبي انتقاد بعض الأطراف السياسية للبطريرك على خلفية ان «مواقفه تحمل رغبة بالاستعراض والتمايز وخلق صدمة تكون مثار الاهتمام والحديث». وهو يعتبر ان «منطلقات البطريرك إيمانية، وعلى خلفية إنسانية، لكن المشكلة ان ترجماتها لا يمكن الا ان تكون سياسية. وفي هذا المجال تحديداً، يكمن كل التناقض بين الفكر الداعشي والفكر البطريركي. واذا اردت ان ادفع الامور الى اقصاها لقلت: من تكون داعش ليدعوها بطريرك انطاكيا وسائر المشرق بثقل موقعه الديني والزمني للحوار؟ وفي المقابل تنظر داعش الى البطريرك والمسيحيين عموما نظرة دونية، ولها فيهم احكام مبرمة واضحة. فلم تحاورهم؟ بالتالي لم يكن من داعٍ للدعوة، والاولى البحث عن أطر تعاون مع الاعتدال السني علّنا نتجنب الأسوأ».