IMLebanon

بلاغ رقم واحد!

  ألا يوجد هناك من يقنع الجنرال بوجوب التحلي بشيء من الهدوء والحكمة والتبصـر في حقيقـة الأوضاع اللبنانية، فضلا عن حقيقة الأوضاع الإقليمية والدولية.

ألا يوجد هناك من يمكنه أن يدخل إلى حساباته المضطربة، أن ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية، يلقى معارضة باتت تنهمر عليه من كل حدب وصوب، وأهمها في الواقع، معارضة الفئات والجهات اللبنانية بكثير وافر من أصولها وفروعها، وقد يستغرب ويستغرب معه كثيرون أن في طليعة المعارضين لوصوله إلى الرئاسة، الشق الشيعي من التركيبة اللبنانية، وليس الرئيس نبيه بري (بمواقفه الكثيرة من الجنرال عون، الخفي منها والمعلن)، من يأتي في طليعة المعارضيـن والمناهضين لانتخابه رئيسا للبلاد، بل من يأتي في هذه الطليعة، هو… حزب الله نفسه، لأسباب متشحة بالتخفي والتلطي والتقيد الدقيق بمبادئ التقية التي تختبئ في طيات خفاياها وخباياها حقيقة مواقف الحزب من رجل طموح ومغامر في طموحاته إلى درجة يطاول فيها طموحات الحزب نفسه التي لا تحد ولا تتقيد بمدى داخلي أو خارجي، فالمنافسة والمغالبة والمشاكسة هنا، هي على مستوى الطموحات والإستهدافات شديدة المخاطر، وحامية التوقعات.

لا نريد أن نتطرق في هذا المجال إلى موقف كل من رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري، ولا رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ولا موقف رئيس حزب الكتائب الشيخ أمين الجميل، وبشكل خاص، لا نريد أن نتوقف أمام المواقف المستمدة والتي باتت تتكرر مؤخرا، والمتمثلة بأقوال وعظات وتصريحات غبطة البطريريك الراعي التي باتت تحمل للأسماع نقدا هو الأعنف والأدق والأفعل لمواقف الجنرال الحائلة حتى الآن دون تحقق الإنتخابات الرئاسية سواء كانت هذه المواقف، صناعة عونية محضة، أم بالمساهمة والمشاركـة والتنسيق مع حلفائه وخاصة منهم حزب الله وخلفياته المحلية والخارجية.

وليس خفياً أن تصرفات الجنرال بهذا الخصوص هي امتداد لمواقف الفيتو المتمترس بكل ما هو غريب وعجيب من المواقف الرافضة، وجل ما تهدف إليه، تأخير غير محدود المدى للإنتخابات الرئاسية، إلا إذا كان هناك «توافق» على انتخاب الجنرال، رئيسا للبلاد وحده لا شريك له.

لا نريد أن نتوقف كثيرا أمام ما بات معروفا ومعلوما من الجميع، والذي يظهـر عقب الدعوات الإنتخابية المتتالية، التي يغيب فيها الجنرال وحلفاؤه الظاهريون، عن كل جلسة إنتخابية تتم الدعوة إليها، فالغياب مشترك وموحد، والأسباب متباعدة متشاكسة وغائصة في بحر من الظلمات والتعميات، ودونما دخول في التفاصيل الكثيـرة فإننا نكتفي ببعض خلاصات من مواقف انهمرت جميعا من الكل باتجاه الكل، وفي الطليعة، العماد عون نفسه، الذي أعلن بالفم الملآن، أن مفاوضاته مع الشيخ سعد لم تؤد إلى نتيجة وأبرزت مصادره أن المهلة التي سبق أن حددها لإنجاز التلاقي معه قد انتهت، وإن مؤملاتها وتأملاتها قد أصبحت في خبر كـان، فـي الوقت الذي كان الشيخ سعد قد أفهم الجنرال بكل رواق وواقعية وتهذيب، أن شِأن الرئاسة يبدأ بالتفاهم ما بين القادة المسيحيين، كما أفهمه كثيرون أن الكلام المغزول والمعسول، لا يحمي تاريخا من المواقف المتجنية والملتحقة بأجواء الغربة والغرابة بحق السنة وآل الحريري وتيار المستقبل خصوصا، وأن زعم الحيادية لا يكون بما سطر به الجنرال تاريخه في السنوات الماضية، بعد أن انقلب على هذا التاريخ، واختط لنفسه منهجا معروفا وموصوفا غيّر به المعادلات والمواقع الى أقصى وأقسى الحدود مما جعله و14 آذار عموما، على أعلى درجات المجابهة والمواجهة.

ويأتي موقف القوات والكتائب ومسيحيي 14 آذار ليضع اقتراحات الجنرال الأخيرة، في الخانة الإنقلابية على كل شيء: على الميثاق الوطني، على الطائف، على المبدأ الديمقراطي على الوحدة الوطنية، بل على مواقف ومواقع وقناعات الجنرال السابقة والحالية نفسها، كما جاءت جميعها تصب في خانة قلب الطاولات على كل شيء، حتى لكأنها بيان رقم 1 وقد أصدره الجنرال ملغيا فيه روابط وأسس ومبادئ الكيان اللبناني، فإذا به يصبغها بالكامل بالصباغ الطائفي الخالص، وقد أحسن الأمين العام لقوى 14 آذار، بوصف هذا التصرف الإنقلابي، بأنه إعلان صريح عن قيام جمهورية مارونستان المستقلة تزامنا وتوافقا وتناغما مع محاولات مماثلة فاشلة سلفا، تدعو وتعمل إلى قيام الخلافة الإسلامية المستقلة ومحاولات أخرى متوازية تدعو إلى قيام الأمبراطورية الفارسية المتشحة بالغطاء المذهبي المعروف.

الجنرال، في مؤتمره الصحفي يوم الاثنين الماضي، حاول غرس بعض الأفكار «الجديدة» للبنان «جديد»، فلم يقنع أحدا ولم يقتنع من أحد، كيف لا ومنطلقه في كل ذلك: أنا أو لا أحد، ومن بعدي الطوفان! كيف لا وهو يتلاعب بالمواقف والمبادئ كيفما شاءت له طموحاته ورغباته ولا فرق عنده إذا كان ثمن إصراره عليها، بقاء لبنان أم زواله، فهو يطلق آراءه المتفجرة في الوقت نفسه الذي أطلق فيه جملة من التحذيرات والتهديدات الموجهة إلى كل الأهداف المتيسرة، والتي تضع المصير اللبناني بأسره على حافة الهاوية السحيقة، وتنقل أعمدته الأساسية والتأسيسية، لترسيها على فوهة بركان، ولعل اخطر ما في الأمر، ما ذهب إليه بعض القادة المسيحيين بأن الجنرال يقامر بالوجود والاستقرار المسيحي نفسه.

بعد كل هذه الهجمة الهوجاء، يحق لنا أن نتساءل مع ما ذهب إليه بيان حزب الكتائب: ماذا لو طالب كل من السنة والشيعة بالتعامل في رئاستيهما للمجلس والحكومة، بنفس الأسس التي يطالب الجنرال بالتعامل بها مع مركز رئاسة الجمهورية، فيتم انتخاب كل رئيس من أهله وطائفته ومذهبه ؟ ولا يعود كل منهما مرهونا لمواقف الغير ومشيئة الطوائف والمذاهب الأخرى؟

 وماذا لو عمد بعض المتأثرين بفكر الجنرال ونهجه ومنطقه إلى العودة عن توافقهم الميثاقي المستند إلى أسس ومعطيات ومصالح متبادلة وأعمدة بنيوية متنوعة، وطالبوا بإرساء البلد على أسس ديمقراطية سليمة تعتمد انتخابات حرة بالكامل لا تستند إلى أي توافق طائفي قام عليه لبنان التاريخي منذ نشأته وإطلاقه إلى الوجود، دولة ذات طابع خاص، بتوافق الجميع وإرادتهم الحرة والمتبادلة.

وماذا لو عمد المغالون في التقوقع والأحلام البعيدة عن الواقع، إلى المطالبة بأن تكون جميع وظائف الفئات المختلفة قائمة على أساس طائفي يحددها رجال السياسة أو رجال الدين، أو جمهرة وجموع كل طائفة وكل مذهب، فتخضع المراكز والوظائف وكل سبل الحياة السياسية والإدارية، إلى نهج الجنرال وأسلوبه في التصور والقرار والتعامل.

ويتابع الجنرال تقلباته ويحولها إلى انقلابات فعلية، ونحمد الله على أنه ليس بين يديه سلاح كالذي كان له يوم كان متحكما بسدة رئاسة الحكومة اللبنانية، وإلاّ لكان الإنقلاب العسكري قد وقع بالعنف والقوة المسلحة، ولكانت حرب الإلغاء قد سادت مجددا كل أنحاء الوطن وطاولت كل مواقع الحكم والسياسة والنفوذ الطائل والقادر.

الجنرال في موقفه وموقعه الإنتخابي الأخير، يعطي اللبنانيين «فرصة» غير قابلة للتجديد، وبديلها الخراب والدمار والإنهيار، فرصة تأخذ أشكالا وألوانا وتوصيفات شتى، ولكنها تعود جميعا لتتمحور حول القول المذكور والمأثور: أنا أو لا أحد.