بماذا يردّ العماد ميشال عون على مبادرة الرئيس سعد الحريري، وبماذا يردّ أيضاً الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خارج مصادر الأوساط؟
لقد دعا الرئيس الحريري الى انتخاب رئيس للجمهورية من دون شروط مسبقة ولا “فيتو” على أحد، معطياً الأولوية لهذا الانتخاب إذ من دونه يدخل لبنان الفراغ الشامل المسقط لكل مقومات الدولة، فلا مجلس نواب ينتخب رئيسا له عندما يعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية ولا رئيس حكومة تسميه استشارات نيابية ما يجعل الميثاق الوطني يفقد ركائزه الثلاث.
وبماذا يردّ العماد عون والسيد نصرالله على قول الدكتور سمير جعجع إنه مستعد لسحب ترشيحه للرئاسة إذا كان ذلك يؤمن اكتمال نصاب جلسة الانتخاب؟
إن موقف الرئيس الحريري وموقف جعجع يضعان الثنائي عون – نصرالله امام ساعة الحقيقة التي تكشف حقيقة النيات، فإذا كان هذا الثنائي يريد انتخاب رئيس للجمهورية من دون شروط مسبقة ومن دون “فيتو” على أي مرشح لأن رئيس الجمهورية بموجب الدستور يتم انتخابه بالاقتراع السري والكلمة الحاسمة في انتخابه هي للاكثرية النيابية المطلوبة. واذا كان هذا الثنائي يريد حقا انتخاب رئيس للجمهورية فما عليه سوى النزول الى مجلس النواب وترك حرية الاقتراع للنواب. أما اذا كان لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية انما يريد الشغور الرئاسي الذي يفتح الباب للفراغ الشامل لشل عمل كل السلطات والمؤسسات بحيث لا خروج من هذا الفراغ الا بعقد مؤتمر تأسيسي يعيد النظر بدستور الطائف وربما بصيغة لبنان، وهو ما أعلن عنه قادة في “حزب الله” غير مرة بحجة أن دستور الطائف لم يعد في نظرهم يصلح لما استجد من تطورات في لبنان والمحيط او يتلاءم معها. ولتحقيق ذلك فإن “حزب الله” يصر على أن يكون العماد عون هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية لأنه الترشيح الوحيد الذي يعطل جلسات الانتخاب، ويدعو إلى الاتفاق على مرشح وفاق او تسوية من دون ان يسميه بل يكتفي بتحديد مواصفاته وهو أن يكون مؤمنا بالمقاومة ويحافظ على سلاحها ويترك لها حرية الحركة في مواجهة اسرائيل والتصدي لأي عدوان، وان تبقى المقاومة ما بقي خطر اسرائيل محدقاً بلبنان، والى ان يتحقق السلام الشامل والعادل في المنطقة، وهذا معناه ان لا نصاب لأي جلسة ولا انتخاب لرئيس.
وبماذا يرد العماد عون على إعلان جعجع استعداده لسحب ترشيحه اذا كان ذلك يؤمن النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية؟ هل هو مستعد لأن يفعل مثله من أجل الانتقال الى البحث مع القوى السياسية الاساسية في البلاد عن مرشح مقبول حتى إذا تعذر ذلك فلتكن الكلمة عندئذ لمجلس النواب الذي ناط به الدستور حق انتخاب رئيس من بين مرشحين معلنين وغير معلنين؟ فإذا لم يفعل ذلك فإنه يكون مسؤولا مع “حزب الله” عن تعطيل جلسات الانتخاب وابقاء أعلى منصب ماروني في الدولة شاغرا إلى أجل غير معروف ويستدرج هذا الشغور شغوراً آخر في رئاسة مجلس النواب وفي رئاسة الحكومة، إذ انه لا يمكن اجراء انتخابات نيابية ولا وجود لرئيس جمهورية مطلوب منه ان يجري استشارات نيابية لتأليف حكومة جديدة.
إن المطلوب من عون ونصرالله موقف صريح من مبادرة الرئيس الحريري ومما أعلنه جعجع لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن وقبل أن تبدأ مهلة الدعوة إلى انتخابات نيابية. فإذا كان هذا الموقف ايجابياً فينبغي التوصل الى اتفاق على مرشح مقبول يفوز بالتزكية، وإذا تعذر ذلك فالاتفاق على تأمين النصاب ولينتخب مجلس النواب من يشاء من المرشحين المعلنين وغير المعلنين.
أما اذا ظل “حزب الله” مصراً على موقفه الرافض اي مرشح غير العماد عون لأن الاستمرار في ترشيحه هو السبيل لتعطيل نصاب الجلسات، وإذا ظل العماد عون مصراً على ان يكون هو وحده مرشحاً وفاقياً ولا أحد سواه بحجة انه المرشح المسيحي الأقوى والأكثر تمثيلاً وإلا فلينتخب الرئيس من الشعب مباشرة اعتقاداً منه أنه يفوز بأصوات الشيعة عندما تتوزع اصوات المسيحيين على أكثر من مرشح ماروني فإن الشغور الرئاسي يستمر إلى أجل غير معروف.
لذلك لا بد من جولة يقوم بها وفد من “تيار المستقبل” او من قوى 14 آذار على قادة القوى السياسية الاساسية في البلاد للوقوف على رأيهم في ترشيح شخصية مستقلة أو وضع لائحة بأسماء مرشحين مستقلين يترك لمجلس النواب التصويت لمن يشاء منهم، فإذا تم التوصل الى هذا الاتفاق فإن هؤلاء القادة يكونون مع انتخاب رئيس للجمهورية أولا وقبل أي أمر آخر. أما إذا لم يتم التوصل إلى ذلك، فإن الثنائي عون – نصرالله يتحمل عندئذ وحده مسؤولية إحداث فراغ شامل في البلاد يبدأ برئاسة الجمهورية ولا أحد يعرف إلى أين ينتهي ومتى ويكون هذا الثنائي مسؤولا عن ابقاء الدولة جسماً بلا رأس وبيتاً بلا سقف حتى وإن كان من طين ليبقى أهله فيه ولا يتشردون…