IMLebanon

بهدوء | الأردن… الصمت الذي يسبق الاستدارة؟

تتلاحق الأخبار عن انسحابات القوات العراقية من الأنبار، وتحديداً من الحدود العراقية ـــ الأردنية؛ يطرح ذلك على عمّان ـــ التي تلوذ بالصمت إزاء التطورات العراقية ـــ مهمة ثقيلة وحسّاسة وطارئة هي حماية تلك الحدود من تسلل المسلحين والإرهابيين، وبالاتجاهين؛ يعني ذلك، عملانياً وسياسياً، تغييرات نوعية على الحدود الشمالية مع سوريا؛ غرفة العمليات الأردنية مضطرة اليوم، وستكون أكثر اضطراراً في الغد القريب، إلى وقف كل أشكال التدخل، مهما صغرت، في جنوب سوريا؛ سوف تنتهي لعبة التعاون مع «المسلحين المعتدلين»، ويبدأ التنسيق الأمني الحثيث مع السوريين.

فبينما تتزايد أخطار تسلل الإرهابيين من العراق وإليه، ترتفع، في الداخل، وتائر التحديات السياسية (الإخوان المسلمون المتحالفون مع بقايا البعثيين العراقيين المنتعشين بانتصارات «داعش»، عادوا إلى نبرة «النزول إلى الشوارع والميادين») وكذلك التحديات الأمنية (الخلايا السلفية الجهادية المتنامية نصف النائمة: هل ستتجه نحو العراق أم ستنشط محلياً، أم أنها ستلاقي التطورات على الحدود؟).

وصل السكين إلى الرقبة؛ فلم يعد ممكناً، بعد، التعاطي مع أي سياسات مضادة لدمشق. على العكس، المطلوب، الآن، اضطرارياً، استدارة نوعية نحوها. لا مجال، بعد، للقبول بأي ضغط داخلي أو سعودي أو أميركي. على كل حال، من الواضح أن هذه الضغوط تتلاشى منذ سقوط الموصل. المشهد الإقليمي كله انقلب فجأة، وأصبح غامضاً للغاية: غزوة «داعش» أحيت كل الفصائل العراقية (السنيّة) المسلحة التي نشأت بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق؛ بعضها كان مقاوماً، وبعضها كان قبلياً، وبعضها ـــ أقواها لاحقاً ــــ كان إرهابياً، وعلى رأسها «القاعدة» بجناحها الأكثر طائفية وهمجية، بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي.

أقامت عمّان علاقات وثيقة للغاية مع القبائل والبعثيين وشبكات ضباط الجيش العراقي السابق ـــ بتنظيماتهم المختلفة ـــ والشيخ حارث الضاري وعلمائه وكتائبه إلخ، لكنها اصطدمت، في الوقت نفسه، مع الزرقاوي، السلفي الجهادي المطلق السراح من السجون الأردنية عام 1999؛ لقد بثّ الزرقاوي في «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» تقاليد العداء للنظام الأردني وأجهزته الأمنية، وانتقلت هذه التقاليد إلى وريث «القاعدة»، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، ثم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») التي يكنّ أعضاؤها ومناصروها، الأردنيون، أعمق العداء للدولة الأردنية، ويتوعدون بتحطيمها بـ«أطنان من المتفجرات»، حسب خطابات بعضهم على يوتيوب. لقد شاهدنا أولئك يمزقون جوازات سفرهم الأردنية، ويبشرون «بالذبح»، ليس فقط من مواقعهم في الأراضي السورية، بل أيضاً في قلب مدينة معان، حيث أحرق أنصار «داعش» العلم الأردني، علناً، ورفعوا، عوضاً عنه، راية التنظيم.

ما هو حجم «داعش» في التمرد السنّي المسلح الحاصل الآن في العراق؟ أيقودون؟ هل تمكنوا من استقطاب منظمات عسكرية وقوى عشائرية صديقة لعمّان؟ هل اخترقوها؟ وإلى أي حدّ؟ من الواضح أن لوحة القوى السنية العراقية ـــ التي كانت بين عامَي 2003 و2010 ـــ واضحة المعالم، وربما بالتفصيل، لدى الأجهزة الأردنية، لم تعد كذلك. وربما يكون هذا ما يفسر الصمت الثقيل الذي يرخي بظلاله على البلد إزاء التطورات العراقية: «داعش» معادية للنظام الأردني بلا ريب، ولم تتمكن الاستخبارات الأردنية من اختراقها ـــ أقله على مستوى التأثير في القرار ـــ وتنامي قوة «داعش»، إذاً، يثير هواجس جدية في العاصمة الأردنية التي تأمل انكشاف المشهد في شمال العراق وغربه، عن تفوّق أصدقائها القدامى، بما يمنحها قدراً من الطمأنينة، ويعطيها دوراً في الأحداث، رغم الكلفة المتوقعة الناجمة عن هجرة عراقية جديدة إلى الأردن.

إذاً أثبتت «داعش» أنها الأقوى، فسوف يتعاون المسؤولون الأردنيون مع الحكومة العراقية والإيرانية ـــ وخصوصاً إذا ما حدث تفاهم، ولو ضمني، بين واشنطن وطهران ـــ وسوف نرى استدارة أردنية كاملة. وإذا تراجعت «داعش» إلى الصفوف الخلفية، فسوف تعرض عمان القيام بدور الوسيط.

في السنوات 2012 ـــ 2014، طوّرت الحكومة الأردنية علاقات ودية مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي تعهّد بتنفيذ مشروع استراتيجي لمدّ أنبوب نفطي من البصرة إلى ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر. عائدات هذا الأنبوب تقدر بثلاثة مليارات دولار سنوياً لمصلحة الخزينة الأردنية، إضافة إلى حصول الأردن على نفط عراقي رخيص. تقسيم العراق سوف يطيح هذا المشروع وسواه من المشاريع العملاقة الممكنة بين البلدين، بما فيها خط للسكك الحديدية، بينما لا يوجد ما تحصل عليه المملكة من المثلث السنّي سوى الاضطراب الأمني والهجرات.

قبل سقوط الموصل، بأيام، كانت لافتة التحية التي وجهها نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الجيش الأردني والشعب والعشائر. تحية نزلت برداً وسلاماً على القلوب في عمان: كان الدبلوماسي السوري الذكي يقرأ التطورات اللاحقة، وموقع المملكة منها، وبادر إلى التأثير المباشر في التسريع بقرار الاستدارة.